داعش هي الحلم، هكذا تكلم صديقي الذي انضم إليها حديثَا مقاتلاً بصفوفها، فهي تحقق من وجهة نظره ما لم تحققه الأنظمة العربية ذات البعد القومي، فالدولة القومية لم تحقق ما وعدت به؛ فلم تحرر فلسطين، ولم تخفض نسب البطالة، بل بنت السجون والمراكز الأمنية لا للحفاظ على أمن المواطن وممتلكاته بل لكي تثّبت حكمها الملعون، فأصبحت مبانيها موجودة بكل زواية، وأصبح المرور بجانب أحدها داع للخوف والفزع والقلق، وصارت الموازين مقلوبة، فهذا زمان يدفع داعش إلى الواجهة، فلربما العنف يصحح المسارات العوجاء التي عززتها الدولة القومية للحفاظ على الشخص والأفراد في الحكم بخطابات ديمواغوجية بعيدة عن الواقع، فاجتذبت لها بهذه الخطابات إناس قادرين على تزييف الحقيقة بالكلام أو باستخدام العنف! وأصبحت الدولة هي المحتكر الأوحد للعنف؛ فهمشت كل التخصصات التي تعتمد على الحقيقة كبناء أساسي لها .
لكن في المحصلة الطبيب والمهندس وصاحب المهنة الشريفة الذي يكد على لقمة عيشه الحلال لا يستطيع أن يعيش العيش الكريم ضمن منظومة الدولة؛ فأصبحت الدولة القومية تحط من قدر الطبيب والمهندس لأن على رأسه مجموعة من الفشلة أكاديميًا الذين لا يستطيعون رؤية أي ناجح أمامهم، وأصبح المتنفذين الخارجين من رحم الأجهزة الأمنية والعسكرية ينافسون التجار على لقمة عيشهم متربحين من وظائفهم، وأصبح السائد الخلاف، وأصبحت العدالة مغيبة تارة أو بطيئة تارى أخرى، وبطئ العدالة يساوي غيابها وكيف لا .. فالقضاء مسيس حتى النخاع.
في وطننا العربي أو سجننا العربي – كما يحلو لي القول – لا يوجد حريات، لا توجد ديمواقراطية كاملة، بل هي مفصلة على مقاس الدولة كما فعل الديكتاتور مارشيلو كيتانو الذي جعل القوائم الانتخابية تحوي مؤيديه فقط، لكن دولتنا القومية المبجلة نافست المواطن في كل مواطن الحرية وخنقته؛ فوضعت النقابات المهنية في وطننا تحت الحراسة، وفي الجامعات مجالس الطلبة تزور لمصلحة مؤيديها بطريقة أو بأخرى، بل يحاكم المدون على مواقع التواصل الاجتماعي على تدوينة بتهمة إطالة اللسان وتعكير صفو العلاقات مع دولة أجنبية !
بل وصل الأمر بأن يُتهم الفرد بوطنه ودينه وأخلاقه؛ فتجد القواديين على النواصي مثال للشرف الوطني! وأصبح من يربي اللحية ويلهج بالدعاء للحاكم والدولة هو العلّامة الفهامة! فأصبح الشباب أمام ثلاث خيارات إما الصمت وإما التصفيق وإما الضد، فإذا اختار الضد فإنه يختار أقسى شيئًا متطرفًا راديكاليًا يجد في سبيل التنكيد على ضباط الأجهزة الأمنية، فتجد في سبعينات القرن الماضي انضمام الأفراد للمنظمات الماركسية الفلسطينية المتطرفة ومنها أيلول الأسود، وأما اليوم فيجد داعش ملاذ لتفريغ القهر بالقتل، ومن يختار الصمت فإنه سوف يموت بطريقتين لا ثالث لهما إما السكين أو منفطر القلب، وأما من يصفق فإنه ربما ينوله شيء من حظوظ الدنيا كما يعتقد؛ فالدولة إله يعبد من دون الله فهي من تطعمه وتسقيه.
داعش اليوم هي مهربنا من واقع مزري؛ فهذا التنظيم الورقي الذي انتصر بضعف أعدائه لا بقوته، داعش الذي اختار سيكولوجية الرعب حسب تأصيله بإدارة التوحش الذي ألفه أبو بكر ناجي الذي يركز على نشر صور من الرعب لا يستطيع أي قلب تحملها! تنظيم نكّل بجميع الأطياف، فلربما السنة تحمل الجزء الأكبر، فمجزرة الشعيطات مازالت ماثلة بالأذهان.
داعش التي هرب إليها صديقي الأول على دفعتي لأسباب مختلفة ومنها عدم قدرته على حصول على عمل! وآخر ترك رغد العيش والصديقات واتجه إلى أرض الخلافة المزعومة مقاتلاً بصفوفها هرب من واقعه الذي لا يستطيع تغييره !
وهنا أطرح سؤال .. أين الخلل؟!