بعد أن اختارت أن تمثل الموقف الإماراتي المصري في الأمم المتحدة، استخدمت دولة الأردن عضويتها في مجلس الأمن لعرقلة بيان كان سيصدر مساء أمس لاستبعاد الحل العسكري ودعم الحل السلمي للأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها ليبيا، مؤكدة بذلك إصرارها على إغراق ليبيا والشعب الليبي في مغامرات عسكرية لا تخدم مصلحة القوى السياسية والثورية ولا مصلحة دول الجوار، وتصب بشكل مباشر في مصلحة المجموعات المتطرفة التي تسعى إلى إفشال كل الخيارات السياسية السلمية حتى تتعدد أمامها الخيارات العسكرية.
وينص البيان الذي أجهضته الأردن خدمة لرغبات الجنرالين عبد الفتاح السيسي في مصر وخليفة حفتر في ليبيا، على أن أعضاء مجلس الأمن “يدعمون بشكل كامل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، ويحثون جميع الأطراف في ليبيا على المشاركة البناءة مع جهوده لتسهيل التوصل إلى حل سياسي للتحديات المتزايدة التي تواجه ليبيا”، مؤكدًا أن “التهديدات الإرهابية والأزمة السياسية والأمنية المستمرة، تتطلب الاتفاق على وجه السرعة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أساس جداول زمنية واضحة”.
كما جاء في البيان الذي عرقلته الأردن وحلفاؤها أنه “لا يوجد حل عسكري للأزمة السياسية في ليبيا”، مكررًا الدعوة إلى “وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط، الذي يحظى باحترام وتأييد من جميع الأطراف في ليبيا”، مع العلم أن الأردن، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، طرح قبل أيام مشروع قرار أممي يدعو إلى رفع الحظر الدولي على تصدير الأسلحة إلى المؤسسات غير الشرعية الموالية للجنرال خليفة حفتر في ليبيا.
وبينما تُكثف بعثة الأمم المتحدة التي يترأسها المبعوث الأممي برناردينو ليون من جهودها لجمع الفرقاء الليبيين في جلسة حوار جديدة تقرر عقدها في المملكة المغربية، تُكثف القوى المتعطشة للحلول العسكرية وعلى رأسها نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي والموالون للجنرال خليفة حفتر وبنفس القدر تنظيم داعش، من جهودها لقطع أي طريق يمكن أن يؤدي لحل سياسي للأزمة الليبية.
ففي مصر قادت الأذرع الإعلامية الموالية لنظام الجنرال السيسي حملة دعاية سوداء حول المشهد الليبي، مصدرة عناوين من قبيل: “مصادرعسكرية ليبية تؤكد استيلاء الميليشيات المتطرفة على أسلحة كيماوية”، على صحيفة اليوم السابع، و”داعش يهدد بإغراق أوروبا بنصف مليون مهاجر عبر السواحل”، على صحيفة البوابة نيوز، و”داعش يقلق أوروبا: سنصل إلى روما .. والأندلس”، على صحيفة صدى الوطن.
كما قامت المجموعات المنسوبة إلى تنظيم داعش في ليبيا بدعم هذه الجهود الرامية إلى إفشال الحل السياسي وإلى إجبار ليبيا على الغرق في الحلول العسكرية، وذلك عبر تكثيف عملياتها في مناطق مختلفة من ليبيا، حيث تعرض مطار الأبرق المدني في مدينة القُبّة، ومنطقة عين ماره قرب درنة شرقي البلاد، لقصف صاروخي في ساعة مبكرة من اليوم السبت، كما تبنت جهات إعلامية محسوبة على تنظيم “داعش” التفجيرات التي ضربت مدينة القبة شرق ليبيا، والتي خلفت قرابة أربعين قتيلاً ونحو سبعين جريحًا.
يذكر أن جهود جمع الأطراف الليبية المختلفة على طاولة واحدة قد خطت في الأسبوع الماضي خطوة إيجابية هامة بعد أن نقلت جلسات الحوار من جنيف إلى مدينة غدامس الليبية، غير أن جلسات الحوار عُرقِلت مباشرة بعد الإعلان غير المتوقع لتنظيم داعش عن إعدامه لعدد من المواطنين المصريين وبعد إقدام نظام الجنرال السيسي على شن غارات عسكرية داخل الأراضي الليبية وعلى تحريض القوى الفاعلة في المشهد الليبي من الداخل والخارج على التخلي عن الحوار وعلى اللجوء إلى دعم القوات والمؤسسات الموالية للجنرال خليفة حفتر.
وإن كانت معظم آراء المحللين تُجِمع على أن تنظيم داعش معني بإفشال الحلول السياسية في ليبيا لأنه قادر على النمو والانتشار بشكل أكبر في ظل الفوضى، فإنهم يختلفون حول الأسباب التي تدفع نظام الجنرال السيسي إلى توريط الشعبين المصري والليبي في مغامرة عسكرية مجهولة العواقب، فيرى البعض أن السيسي اختار خوض هذه المغامرة بسبب فشل حليفه خليفة حفتر في الإطاحة بالقوى السياسية المحسوبة على الإسلاميين، في حين يرى آخرون أن عجز السيسي عن حل مشاكل نظامه غير الشرعي في مصر يجعله يلجأ إلى توريط بلاده في “معركة خارجية” يستخدمها كشماعة لتبرير إخفاقاته الداخلية.
وتعليقًا على المغامرة التي يتجه نحوها الجنرال السيسي، نشر الكاتب والناشط السياسي “محمد طلبة رضوان” مقالاً قال فيه: “الفشل المتكرر دون حلول واضحة، والاكتفاء بتهليل أجهزة الإعلام، وتطبيل الإعلاميين، وصراخ موسى؛ كل هذا أورث المواطن إحباطًا، ومرارة، وخيبة أمل في الجنرالات لم يعد من المحتمل تداركها أو إعادة توجيهها من جديد”، مضيفًا: “السيسي الآن متورط في حرب مفتوحة مع ليبيا دون غطاء سياسي أممي، أو مساندة إقليمية حقيقية، ريشة في الهواء، يدعم قوات انقلابية أخرى تعمل بشكل واضح ومباشر ضد مصالح الشعب الليبي، وسنظل لسنوات كثيرة مقبلة ندفع ثمن تدخل السيسي عسكريًا في الأراضي الليبية في مغامرة غير محسوبة، لا لشيء إلا لأن الجنرال أراد تثبيت نفوذه، وسحب البساط من تحت أقدام خصومه، وإلزام الجميع بالصمت لأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
يذكر أن معظم القوى المحلية والعالمية، مثل حكومات الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا وتونس والجزائر وقطر وتركيا، واجهت الدعوات المصرية للتدخل عسكريًا في ليبيا عبر إصدار بيانات مشتركة وأخرى متفرقة تؤكد على ضرورة معالجة الأزمة الليبية عبر الحل السياسي، وعلى استبعاد الخيارات العسكرية.