استخدم تنظيم الدولة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وفنون الإعلام المختلفة بشكل احترافي وبجودة عالية، وبشكل أفضل من التحالف الدولي.
في هذه المقالات الثلاثة سنستعرض واقع إعلام تنظيم الدولة ومفاهيم مختلفة ومنوعة مرتبطة به أو تمثل انعكاسًا له، والعرض سيناقش تفاصيل عديدة من غير الحكم عليها أحيانًا، إنما هو واقع يشهده الجانب الإعلامي لدى تنظيم الدولة لا بد من الوقوف عليه.
الجزء الأول سيتناول مفاهيم رئيسية في فكر تنظيم الدولة تنعكس على الإعلام ويبدأ بأسباب ظهور التنظيم، ثم معياره في تصنيف الناس، وطريقة التعامل مع هذه التصنيفات، وكيف ينظر إلى الجمهور الداخلي والخارجي والصورة النمطية له.
والجزء الثاني سيتناول مفاهيم إعلامية لتنظيم الدولة تتعلق بالإستراتيجيات والأساليب والرسائل الإعلامية ويناقش سر نجاح تنظيم الدولة الإعلامي وسياسة الإغراق المعلوماتي المتبعة من قبله.
أما الجزء الثالث فسيتناول مؤسسات تنظيم الدولة وأهم أنواعها وإصدارات هذه المؤسسات ومن يُنتج هذه المواد، وما هي أهم الأخطاء والفرص التي حدثت في مسيرة تنظيم الدولة، ونختم بالتأثير النفسي لهذه الإصدارات على المشاهد.
الجزء الأول: مفاهيم رئيسية في فكر تنظيم الدولة تنعكس على الإعلام
لماذا ظهر تنظيم الدولة؟
السؤال الأهم الذي يدعونا قبل مناقشة إعلام تنظيم الدولة هو لماذا ظهر هذا التنظيم فجأة في محيطنا العربي وما أسباب ذلك؟! ولا شك أن هناك أسبابًا متعددة تقف خلف ظهور تنظيم الدولة، وهذه الأسباب مجتمعة هي من غذت وجوده بعد أن خلقته، ومن أبرز هذه الأسباب:
– الظلم والإقصاء والقتل والتعذيب والتهجير الذي يتم من قِبل الحكومات الطائفية في العراق وسوريا؛ يخلق ردة فعل قاسية تتمثل في النهاية بتنظيم الدولة.
– الضعف الذي أصاب الحركات الإسلامية بمختلف صورها وعدم قناعة الأتباع بما تطرحه، خاصة مع الفجوة بين النظرية والتطبيق؛ يصب بطريقة غير مباشرة في تغذية وتنمية فكر تنظيم الدولة.
– ضعف أو خفض صوت من يصفون أنفسهم بالتيار الوسطي في مواجهة تنظيم الدولة يخلق صورة ضبابية تصب في النهاية بصالح التنظيم وتخدمه.
– التفرقة والتشرذم لمن يتصدون للعمل الإسلامي بشقيه السياسي والعسكري وتعميق الخلافات بينهما؛ ولّد جسدًا مشوهًا وردة فعل شبابية صبت الكثير منها في رفض هذه المشاريع واتجهت بهم إلى التطرف والمساهمة في ميلاد تنظيم الدولة.
– ازدواجية الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع قضايا الشرق الديمقراطية ودعمهم لقيادات دكتاتورية في مقابل وقوفهم ضد تطلع الشعوب إلى الحرية والعيش الكريم التي تمثلت في الربيع العربي؛ خلق التطرف وصب في تنمية تنظيم الدولة.
– محاربة التوجه الإسلامي المعتدل والزج به في السجون ومطاردته من قِبل دول عربية؛ كانت إحدى أهم نتائجه فراغ الساحة للتطرف الذي يتمثل في تنظيم الدولة.
– وجود دولة راعية للتطرف الشيعي وداعمة له في العمق السني العربي في بغداد ودمشق واليمن مع جيوب أخرى في الكثير من الدول العربية؛ خلق صورة ومرآة لهذا التطرف ولكن بشقه السني والمتمثل بتنظيم الدولة.
الناس مع تنظيم الدولة
يقسم تنظيم الدولة الناس إلى ثلاثة أقسام بناء على معيار القرب والبعد منه، وهذا التقسيم يعكس لاحقًا الخطاب الإعلامي الذي يقدمه التنظيم بناء على هذه الأقسام الثلاثة.
وحرصنا على استخدام المصطلحات التي ترد في أدبيات تنظيم الدولة ببعض التصرف لتوضيح الصورة أكثر:
القسم الأول: محب ومناصر لها وعارف بمنهجها وطريقتها، وهو الجندي المضحي.
القسم الثاني: محتار في أمرها وملتبس عليه ولا يدري ما منهجها، وهذا ترسل له الرسائل الصادمة لتجنده أو تحيده على أقل تقدير.
القسم الثالث: مبغض لها وحاقد عليها سواء لعدم فهمه بمنهجها أو رافضًا لها من الأساس، وهذا ليس له إلا السيف.
جمهور تنظيم الدولة
يقسم تنظيم الدولة الجمهور الذي يخاطبه إلى قسمين رأيسيين؛ وبالتالي يختلف خطابه الإعلامي تبعًا لذلك، والقسمان هما:
القسم الأول: الجمهور المحلي ويخاطبه بإعلام داخلي، ينطلق في أساسه من المساجد ويخاطب عوام الناس فيه “محليًا ومناطقيًا”، ويتخذ أيضًا شكل التجول في الشوارع والدعوة والتوجيه إسلوبًا رئيسيا له ، ولهذا نرى في هذا النوع من الخطاب أخطاء أحيانًا وهفوات وزلات وتسريبات.
القسم الثاني: الجمهور الخارجي، ويخاطبه بإعلام دولي ويوجهه لجميع من يسكن خارج إطار أرض تنظيم الدولة، ويحرص التنظيم أن يصل هذا الخطاب الى أوسع شريحة ممكنة من خلال استخدام أهم اللغات العالمية “العربية، الإنجليزية، … إلخ”.
كما يهتم تنظيم الدولة أيضًا بنوع الجمهور وفئاته، فهو يستهدف بالأساس فئة الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 – 30 عامًا، وهي الفئة الأكثر تواجد في وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، والأكثر انفعالاً وتأثرًا بمنهج التنظيم.
كذلك لا يهمل تنظيم الدولة باقي فئات المجتمع الأخرى وإن كانت بنسب متفاوتة، كما يحرص على شريحة النساء والتي تعد سندًا قويًا له.
الشباب والفتوة .. الصورة النمطية لتنظيم الدولة
المتابع لإصدارات تنظيم الدولة يجد أن الشباب والقوة والفتوة عناصر حاضرة بقوة في إعلام تنظيم الدولة، وهي رسالة مهمة مضمنة داخل هذه الإصدارات، جيل جديد يجيد استخدام أنواع الأسلحة، يجيد استخدام أنواع مختلفة من التقنية، وبنفس الوقت مؤمن بفكرته وهدفه.
في حين الصورة النمطية لتنظيم القاعدة مثلاً والتي يحرص تنظيم الدولة على تسويقها، بأن القاعدة هي مجموعة من كبار السن، انظر مثلًا إلى الظواهري، والذي لا يتمتع بأي كاريزما على الإطلاق، والاستثناء هنا في التعامل مع أسامة بن لادن الذي يعد رمزًا وبطلاً لتنظيم الدولة.
دور النساء في إعلام تنظيم الدولة
كما أسلفنا فإن تنظيم الدولة يعد النساء سندًا قويًا له، ولهذا ينقسم دور النساء في “دولة الخلافة” إلى قسمين رئيسيين، ويروج لذلك في وسائل إعلامه المختلفة:
القسم الأول: ما يسميه “مهام الأخت في ساحة المعركة” وهي: المشاركة في القتال الفعلي، ومساندة المقاتلين في أرض المعركة، والمراقبة والحماية.
القسم الثاني: ما يسميه “مهام الأخت في خارج أرض المعركة” وهي: تنشئة “أطفال المجاهدين”، التدريب البدني، تشجيع الأحبة على الالتحاق بالجهاد، التدرب على تقديم المساعدات الطبية للمقاتلين، جمع التبرعات، الدعاء (1).
اللثام عند تنظيم الدولة
يغلب على المنتمين لتنظيم الدولة وضعهم اللثام وتغطية الوجه، وقد يعود هذا في أساسه الى الإجراء الأمني الذي يتبعوه لكي لا يتم الكشف عن هوياتهم وبالتالي ملاحقتهم أو ملاحقة ذويهم.
أما فلسفة الموضوع عندهم فتتجه إلى أمر أخر، وهي أن الشخص أو الجندي في “الدولة الإسلامية” يمثل الدولة ولا يمثل نفسه، فلا يهم من يكون ولا يهم اسمه أو عشيرته أو لقبه، وبالتالي الحديث عن جنود الدولة المتشابهين في الولاء والبراء وليس المميزين في أسمائهم.
في حين أن الكثير من الرموز والقيادات لا تغطي وجهها وتظهر بأسمائها الصريحة، لأن القيادة لابد لها من هذا، فهذه من شروط القيادة والإمارة، ولهذا لم تكتمل شروط الخلافة عند تنظيم الدولة لأبي بكر البغدادي إلا بعد خروجه للعلن وتحقيق خطبة الجمعة العلنية لعموم الناس.
هذا المقال يأتيكم ضمن ملف “مستقبل القوة” على نون بوست، يمكنكم أيضا قراءة المقال الأول حول حروب الفضاء الإلكتروني والثاني حول التسريبات الاقتصادية وكيف تعمل كأداة حرب في المستقبل، والثالث حول الجيش الأمريكي وإعادة بنائه ليوائم الحروب القادمة، والرابع، وهو الجزء الثاني من هذا المقال حول لماذا ينجح إعلام داعش؟
———————————
(1) كتاب أصدره تنظيم الدولة باللغة الإنجليزية بعنوان “دور الأخت في الجهاد”.