لم يدر بخلد تامر زعرب يوما بأنه سيكون رقم من ضمن أرقام كثيرة موجودة في سجلات المستشفي الخاصة بحالات الإصابات جراء حوادث الأنفاق ، تنهد تامر تنهيدة طويلة قبل أن يبدأ الحديث ثم التفت من مكانه ليطل عبر نافذة منزله المجاورة للأنفاق ليشرد بتفكيره بعيدا حتى قاطعت صمته القاتل بسؤال عن السبب الذي دفعه للجوء للعمل في الأنفاق، فنطقت أنفاسه بالجواب:
“هي مرارة البحث عن لقمة العيش خاصة في ظل الحصار الذي نعاني منه في القطاع وإغلاق المعابر الأمر الذي يؤدي لحرماننا من أهم مقومات الحياة الأساسية”. وهنا تلألأ بريق في عيني تامر ليتذكر الحادثة التي لحقت به أثناء عمله في إحدى الأنفاق بمدينة رفح حيث انهدم جزء من النفق الذي كان يعمل فيه فيقول:
” كنت داخل أحد الأنفاق الضيقة والمليئة بغبار الأتربة حيث كنا نري نهاية الحياة فكنا نقول لبعضنا بأن الداخل مفقود والخارج مولود ، وقبل خروجي من النفق انهدم جزء منه ليسقط فوقي مباشرة “، في هذه اللحظة نزلت أول قطرات الغيث من عين تامر قطرات من الدموع كانت حبيسة العيون تنتظر أن تفك العين حصارها فيتذكر هذه اللحظة لحظة نقله للمستشفي وتبدأ المعاناة.
فيقول: “كانت إصابتي خطيرة جدا حيث مكثت في العناية المركزة عدة أيام” ، ظهرت علامات التبسم والتحسر علي وجه تامر كأنها تريد قول يدعو إلي السخرية من موقف ما ليقول” لقد تم تجهيز شهادة الوفاة نظرا لأن وضعي كان حرجا وعدم إمكانية الرجوع لهذه الحياة مرة أخري ولكن قدر الله أكبر لتكتب لي الحياة من جديد ولكن تأبي المعاناة أن تفارقنا “، يعود تامر بجسده علي الكرسي الذي كان يجلس عليه ليلقي بهذا الجسد المنهك علي الكرسي ويشرد بذهنه بعيدا ثم لينطق فجأة ولكن هذه المرة بصوت خافت “جسدي الآن منهك جدا بعد تلك الحادثة حيث توجد مشاكل صحية عديدة في جسمي بسبب تكسر بعض من أضلاعي وحدوث مشاكل في الرئة والتنفس وغيرها من المشاكل العديدة التي لحقت بي جراء هذه الفاجعة “.
يشير بيده من نافذة بيته المطلة علي منطقة الأنفاق ليشير بأصبعه علي أحد الأنفاق ليصمت قليلا وكأنه بدا يعود بالذاكرة لذاك اليوم الذي حصلت فيه الفاجعة
وكأنه يخاطب هذه الأنفاق بأنه رغم قسوة ومرارة العمل بها سنعيش وسنكون وسنبني وطنا رغم المعاناة ليبقي الأمل سيد موقف هذه الحياة لنقول لا للمستحيل ونعم لعيش حياة كريمة سعيدة .