كان من جملة ما أصابنا من انحراف وانحطاط أن صرنا تبعًا لغيرنا في الألفاظ والمصطلحات، والأمثلة على ذلك لا حصر لها، لكننا نقف اليوم مع مصطلح “إسلامي” أو “الإسلام السياسي” الذي شاع في العقود الأخيرة وهو المصطلح الذي استخدمه إعلام الغرب ليتلقفه أتباعهم ويطلقونه على كل من يؤمن بدور الدين في كافة مناحي الحياة، ثم صار الاسم من قبيل المتعارف عليه بين الملتزمين بالدين أنفسهم وصار تصنيفهم بالإسلاميين واقعًا مفروضًا، وعلى الرغم من أن المصطلح له أصل قديم قُصِد به من يفكرون ويتحركون بالإسلام ومن أجل رفعته، إلا أن دلالته واستخدامه في عصرنا قد أسهم في تضليل الكثيرين وابتعادهم عن فهم دينهم من مصادره الأساسية!
الإسلامي إذًا هو الشخص الذي ينسب نفسه إلى الإسلام أولاً، يرى انتماءه وهويته فيه ثم يأتي بعد ذلك أي من الانتماءات الأخرى، وبعيدًا عما حدث لهذا الإسلامي كغيره من أبناء المسلمين من انحراف في البوصلة وتغير في مسالك الطريق وتشوه في بعض مفاهيم الدين والعقيدة إلا أن الأصل فيه كان أنه يؤمن بالدين كله، ويؤمن أن واجبه هو التمسك به وتطبيقه في الحياة والعمل على أن يسود في مجتمعه الصغير وعالمه الكبير.
لم ينتبه هؤلاء الإسلاميون وهم يصنفون أنفسهم أو يقبلون هذا التصنيف أن خصوم دينهم يستغلون ذلك لإيهام غيرهم أنهم مختلفون عنه وأن لهم قضايا غير قضاياه واهتمامات وتفاصيل أخرى، أما هو المسلم العادي فهو على خير لأنه لا ينتمي إلا لوطنه ولا يقبل إلا قضاياه ولا يهتم إلا به وهو الآمن على دينه منهم لأنه لا يخضع مثلهم لأفكار وانتماءات متعددة.
هل تعرف لم فعلوا ذلك؟ لم أوهموك بأن بينك وبينه بونًا شاسعًا لا يمكنك الالتقاء معه؟
لأنهم يريدون للإسلام أن يكون مقيدًا داخل جدران المسجد لا يخرج منه إلى الحياة يُصلحها وإلى العالم لينهض به، يعرفك عدوك جيدًا ويعرف أن لديك كنزًا إذا وصلت إليه كنت الأقوى والأنقى، يعلمون أن دينك وحده القادر على أن يُنشيء جيلاً مخلصًا صادقًا لا يخشى أحدًا إلا الله يصلح نفسه ويصلح من حوله ولا يقبل بظلم أو عدوان على البشر أيًا كانوا، لذلك عزلوك عن مصادر العلم بدينك وصدّروا لك شيوخًا ورموزًا تخشى الحاكم أكثر من الله فلا تتكلم إلا بما يرضى الحاكم؛ فصرت تحصر دينك في نطاق ضيق خاص بالفرد ولا شأن له بعد ذلك بدنيا الناس.
قد تكون أيها المسلم العادي أفضل كثيرًا من “الإسلامي”، أو قد يكون أفضل منك، ليس التصنيف هنا هو المقياس، إنما ما الذي تؤمن به في دينك، وما حدود معرفتك به؟ هل هو قيامك بالشعائر من صلاة وصيام وزكاة وحج ثم أنت تدور بعد ذلك مع الأعراف والتقاليد وسلطة المجتمع وثقافة العالم من حولك؟ أم أنك ترى أن التوحيد في أصله أن تتحرى أمر الله في كل ما يجري في حياتك ويومك، وأن إسلامك نظام متكامل يجب أن تسعى مع غيرك لإقامته؟
وقبل أن أدعوك إلى أن تذهب إلى العلماء لتتبين أقول لك عد إلى القرآن وستندهش كثيرًا عندما تجده يحدثك أنت عن دورك في الحياة وعن قيمة وجودك فيه، أن تكون مبلّغا عن ربك، شاهدًا على الناس، أن تكون ميزانًا لإقامة الحق والعدل بين الناس.
يريد الإسلام أن يكون الحكم شورى بين الناس لذلك قال {وأمرهم شورى بينهم}، يريد الإسلام أن تبني اقتصادًا طيبًا مثمرًا بعيدًا عن الربا وأكل أموال الناس بالباطل، ويريد الإسلام منك أن تقيم مجتمعًا نظيفًا طيبًا لا تسخر فيه من الناس وتتورع عن قذف الناس بالباطل وغير ذلك مما يهيىء حياة صالحة للناس (سورة الحجرات – سورة النور)، يحدثك القرآن عن شؤون الحرب والأسرى ومتى تقاتل وكيف، يحدثك عن سنن النصر وكيف يأتي ولم يتخلف، يحدثك عن أعدائك وماذا ينقمون منك، يحدثك عن المنافقين وصفاتهم وماذا يفعلون وكيف تتعامل معهم، يحدثك عمن توالى ومن تسالم.
أليست تلك سياسة واقتصاد ومعاملات وردت في كتاب الله، وأنت تؤمن به؟
ألست ترغب في عيش كريم؟ عيش عز لا ذل؟ يضمن لك ربك ذلك إن اتبعت شرعه واتخذت من العلوم ومن سنن الكون عونًا لك على المدافعة، ألست ترغب في العدل بين الناس في وطنك؟ وهل يأمر دينك إلا بذلك {ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا}.
هل عرفت الآن ما فعلوه بنا؟ لقد صنعوا ذلك الحاجز بينك وبين أخيك المسلم!
أيها المسلم العادي، ما نحن جميعًا إلا مسلمين، هكذا سمانا القرآن {هو سماكم المسلمين}، وإسلامك يدعوك إلى إقامة شرعه في نفسك والتواصي مع غيرك على إقامته في دنياهم والصبر على مشقة ذلك.
تمسكك بدينك سيلغي تلك التفرقة، بل وسيتيح لنا أن نلفظ من اتخذ الإسلام شعارًا دون العمل به، سيجعلنا تختار بين بدائل عديدة عندما يحين وقت الاختيار، لن يخدعنا أحد بقول أو شعار لأننا سنكون حينها نحمل نفس الأساس وذات المرجعية.
هكذا كان جيل الصحابة ومن بعدهم كتابعين كلهم مسلمين يؤمنون بوجوب الالتزام بشرع الله بما فيه من شعائر وقوانين ومعاملات بكل ما في ذلك من تفصيلات كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وحرمة التبرج والربا وشرب المسكرات، وغير ذلك من منظومة كاملة تسمى دين الإسلام، أما اليوم فإن إيمانك بهذه التفصيلات يضعك في خانة وتصنيف خاص، فإذا أدركت أن دينك يشمل هذا كله فارفض التصنيف لك أو لغيرك وقل هكذا هو إسلامنا فلنقبله كما أنزله رب العالمين، أو لنتبع ما شئنا من مناهج وفلسفات أو أهواء ورغبات ولا نزعم بعدها أننا مسلمون نتبع منهج الله ونذود عنه!