خطاب متلفز عقب عدة صدمات مُني بها نظامه العسكري بين تسريبات له شخصيًا ولمدير مكتبه غير معلومة المصدر – للجمهور على الأقل حتى الآن – وبين تردٍ للأوضاع الاقتصادية يومًا تلو الآخر وعجز الحكومة عن المضي قُدمًا في برنامج إصلاح اقتصادي حقيقي يشعر به المواطن على أرض الواقع بالتزامن مع تورط عسكري خارجي إقليمي في حرب مزعومة ضد الإرهاب تحمل في طياتها انتقام من خصم سياسي في المنطقة وهو حركات الإسلام السياسي وذلك بدعم خليجي كاد أن يتوقف.
بهذا كله خرج الجنرال عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية الحالي ووزير الدفاع السابق الذي قاد انقلاب عسكري على الرئيس السابق محمد مرسي بكلمة تليفزيونية مسجلة للشعب المصري تحدث فيها عن أمور شتى، لكن ثمة بعض الرسائل التي أراد الجنرال أن يوصلها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ورأى أن المرحلة تقتضي أن يخرج للحديث إلى الشارع قبيل تفاقم الأوضاع على الأرض أكثر من ذلك ولمجاراة الظرف الإقليمي وشركائه فيه من الخليجيين.
استهل الجنرال حديثه بالتعزية لأهالي الضحايا المسيحيين الذين قُتلوا في ليبيا وذلك من أجل الدخول في الموضوع مباشرة وهو توضيح الهدف من التدخل العسكري لا أكثر ونفي أي تحليلات أكدت أن الضربة معد له مسبقًا وعملية قتل المصريين ما كانت إلا ذريعة لذلك، حيث أكد أن الأهداف التي تم ضربها هي 13 هدفًا تم تحديدها، هنا يُطرح التساؤل لماذا لجأت قيادة الجيش المصري لسؤال الولايات المتحدة عن أهداف في ليبيا لتوجيه الضربة إليها، الأمر الذي أجابت عليه الولايات المتحدة بأنها “لا تعلم”، حسبما أوردت الصحافة الغربية، إذ إن الجنرال يعلم أن قصفه كان عشوائيًا وأسفر عن سقوط مدنيين فأراد التأكيد على أن الضربات العسكرية كانت دقيقة ومحددة وينفي عنها العشوائية الحادثة وضرب أمثلة لذلك لا أحد يعرف مدى صدقها.
بعد ذلك طاف الجنرال على موضوعات عدة منها إعلان أن الأردن والإمارات عرضتا مساعدته في الضربات العسكرية حتى ينفي عن نفسه أحادية اتخاذ القرار التي تحدث العالم عنها أجمع عبر الصحافة العالمية وأبرزه ما جاء في افتتاحية الواشنطن بوست، لذلك رأى أن يُعلن أن له شركاء إقليميين، كذلك تحدث الرجل عن علاقته بأفريقيا واستعادة مصر لعضويتها في الاتحاد الأفريقي ودعم أفريقيا لعضوية مصر في مجلس الأمن كما تحدث عن الغرب الأوربي ووصف علاقته بمصر أن بها مزيدًا من التفاهم والانفتاح وهي رسالة أراد بها الجنرال التأكيد على أنه غير معزول إقليميًا ودوليًا كما يردد معارضوه، وهو أمر يعكس عدم الثقة في شرعيته الخارجية لذلك أصر على ذكر الدول التي يتعاون معها.
كثيرًا ما يحاول الجنرال الحديث عن مشاريع قومية لجذب الانتباه والتأييد الشعبوي؛ فتارة الحديث عن مشروع شبه وهمي بلا جدوى حتى الآن لعدم مروره بعملية تخطيط جيدة، إلى الحديث عن مشروع للطاقة النووية وكأن الدولة التي تمتلك واحد من أسوء أنواع التعليم والبحث العلمي في العالم بإمكانها القيام بمشروع نووي فجأة بدون تخطيط ولا دراسة ولكنه مزيدًا من بيع الوهم لطبقة تكاد تقرأ وإن قرأت فإن فكرها قد تم اغتصابه من قبل أوهام السلطة والدولة، ولم ينفك الجنرال من الحديث عن المؤامرة الدولية على الدولة تحت قيادته حتى يستطيع أن يبرر أي فشل مستقبلي على المؤامرات الخارجية.
الجنرال بلا برنامج سياسي واضح أو تكاد أن تقول إنه بلا برنامج من الأساس؛ لذلك نموذج الدولة الشمولية ذات الحزب الواضح مترسخ في ذهنه وفي حديثه عن دعوته لقائمة واحدة لانتخابات مجلس النواب، فلماذا ترهق الدولة ماديًا في تنظيم انتخابات يريد الجنرال لها أن تكون بقائمة واحدة معدة سلفًا من قِبل الأمن الذي منع الكثير من المنتمين لفكر 25 يناير جزئيًا من الانضمام إليها وهو يعطيك تصورًا ذهنيًا لطبيعة ما يريده الجنرال الذي مازال يتحدث عن 30 يونيو باعتبارها ثورة ومازال يوضح دوافع قيامه بانقلاب عسكري، وهو أمر يؤكد أن الرجل يلاحقه كابوس اسمه (الثورة – الانقلاب) مازال واقع في شراكه.
انتقل الرجل للاعتذار المقنع لدول الخليج عما جاء في أحد التسريبات التي تظهر الإساءة للخليج واعتبارهم مجرد رؤوس أموال متحركة يستخدمها الجيش في مصر وهي رسالة كررها الجنرال أكثر من مرة بأكثر من صورة، وأرجع هذه التسريبات لحروب الجيل الرابع التي يرددها إعلاميوه بلا فهم أو معرفة لماهية المصطلح ولكنه شيء غير مألوف يعزى إليه كل فشل في الدولة، حيث أكد الجنرال بعبارات عديدة أن محاولات الإيقاع بينه وبين كفيله الخليجي ستبوء بالفشل في أكثر من موضع.
“الجيل الرابع من الحروب هو أخطر أنواع الحروب، ومصر تعانيه الآن، ولن أسمح لأي شخص أن يتجاوز أمامي في حق أطراف أخرى، وننظر بكل تقدير واحترام إلى أشقائنا في الخليج”.
“كل محاولات إثار الخلاف مع أشقائنا يجب الانتباه لها بشدة، والدعم السعودي والكويتي والإماراتي ساعد مصر في مواجهة التحديات، ولن يستطيع أحد النفاذ بيننا مهما كان مكره”.
“ليس من الممكن الإساءة لدول الخليج وسنساند دول الخليج في أي تحديات قد تواجههم”.
كل هذه العبارات جاءت متفرقة وبينها فواصل ولكن قصد أن يكررها الجنرال كاعتذار عما بدر منه ورجاله في التسريب الذي يخص دول الخليج؛ وهو ما يؤكد أن الدولة المصرية شعرت بالحرج من هذه التسريبات التي آتت أكلها إعلاميًا.
مر الجنرال في حديثه على عدوه اللدود “الشباب” الذي قال عنهم سابقًا “إحنا مش عارفين الشباب عاوز إيه”؛ فجرت محاولات عاطفية لتوجيه حديث أبتر إليهم يتحدث عن طريقة عشوائية لحل البطالة في مجموعة من سيارات لتوزيع السلع وهو أمر مسار سخرية بين جميع الشباب، كما لم ينس سبب العداء الحقيقي بينه وبين الشباب، فانتبه لأهمية إزالة هذا الاحتقان بسبب اعتقال آلاف الشباب والزج بهم في السجون دون جريمة أو ذنب وهو ما اعترف به بأن هناك شباب أبرياء محبوسين وسيتم الإفراج عن الدفعة الأولى منهم؛ لذا نستشف من هذا الأمر أن هناك دفعة ثانية وثالثة من الأبرياء لا يريد الجنرال الإفراج عنهم مرة واحدة حتى لا يشتعل الوضع الميداني مرة أخرى، كما يريد الجنرال أيضًا أن يمكّن الشباب سياسيًا واقتصاديًا بمشروع قومي وهو أمر لا شك فيه أنه يحتاج شباب موالين له ليمكّنهم من مفاصل الدولة حتى يظهر بمظهر راع للشباب ولكن شبابه هو لا شباب البلاد، فهذا الشباب بالطبع لا يتضمن معتقلي مجلس الشورى الذين حُكم عليهم بالسجن المشدد اليوم ومن بينهم نشطاء سابقين بثورة يناير التي يبدو وأن شبابها مغضوب عليهم دائمًا مقارنة بشباب 30 يونيو الذين يتم تمليكهم الأراضي والمصانع الآن كأعضاء حملة تمرد وغيرهم.
ختم الجنرال حديثه بالجزء الأهم وهو الشق الاقتصادي الذي تحدث فيه عن المؤتمر الاقتصادي القادم الذي تعد له مصر وهو بمثابة قشة يتعلق بها الجنرال حتى يستطيع جلب مزيد من الأموال الغير معروف حتى الآن أوجه صرفها كسابقتها.
وأعلن عن عروض مغرية حيث قال:
“نجري الإعداد للمؤتمر الاقتصادي بإعداد قانون الاستثمار الموحد وحل مشكلات المستثمرين، وكلفنا هيئة قناة السويس بطرح مشروعات جديدة أمام المؤتمر الاقتصادي”.
وهي بالطبع قوانين مشبوهة كغيرها وتسهيلات لا تعرف لمن ولا تستطيع تحديد نوع الاستثمار الذي يتحدث عنه وإنما هو إعلان عن مزيدٍ من الانبطاح للشركات الأجنبية حتى تضخ أموالاً في مصر ليتنعش الوضع مؤقتًا حتى يخرج من مأزقه ولايزال المزاد قائمًا على الدولة بقوانين المستثمرين دون المساس بمصالح الجيش الاقتصادية.
ردة الفعل على الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي جاءت متباينة كالعادة بين روادها؛ فبينما يرى الشباب أن الخطابات العاطفية للجنرال التي تفتقد أي نوع من العلمية أو الحديث المنهجي لن تنتهي وأن هذا الخطاب موجه لفئة بعينها ولا ينفذ لعقول الشباب معبرًا عن فشل سياسي جلي لنظام الجنرال.
#خطاب_السيسي
رأيت جرذا يخطب
اليوم عن النظافة
وينذر اﻷوساخ بالعقاب
وحوله يصفق الذباب.
(الشاعر أحمد مطر)— د. محمد الصغير (@drassagheer) February 23, 2015
تمثيل وحركات مصطنعة كتير #خطاب_السيسي
— Ahmed Harbia (@Harbia) February 22, 2015
بينما انطلق مريدو الرجل على هاشتاج يحمل اسم #حديث_الرئيس للدفاع عنه والهجوم على معارضيه، محتفين بالخطاب وما جاء فيه، معتبرين أنه يلبي طموحات الشعب، ومؤكدين على دور الشعب في مساعدته الفترة القادمة وأن مثل هذا الخطاب والقادم من الخطابات للحديث عن الإنجازات.
صباح الفل عليكم وعلى مصر
يلا كل واحد يشوف شغله كويس
الريس هيطلع كل شهر يكلمنا ويقول الانجازات
عاوزين انجازات بسرعة#حديث_الرئيس #تحيا_مصر— Dr.Amal Ahmed (@viewsama) February 23, 2015
أجمل حاجه في كلام الريس امبارح لما قال لينا لقاء كل شهر عالاقل،كل شهر!!هتحترمنا وتكلمنا وتوضحلنا كل شهر!
بشكر ربنا عليك كل يوم#حديث_الرئيس— hend farouk ♏ (@faris_dody) February 23, 2015