تقيم الجمهورية التركية في يوم 7 يونيو 2015 الانتخابات التشريعية الخامسة والعشرين في تاريخها، واستعدادًا للانتخابات شهدت البيروقراطية التركية خلال الفترة الماضية موجة استقالات تقدم بها موظفون في المؤسسات العامة يرغبون في الترشح ضمن قوائم الأحزاب أو كمستقلين، وإلى أن يتم الإعلان عن القوائم التي ستنافس في هذا الاستحقاق، ستخوض الأحزاب التركية مشاورات ماراثونية لانتقاء الأشخاص الذين سيدفع بهم للمنافسة على مقاعد البرلمان.
وتكتسب هذه الانتخابات أهمية كبيرة بالنسبة للمشهد السياسي التركي بصفة عامة وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم بصفة خاصة، حيث تأتي هذه الانتخابات بعد سلسلة أزمات مرت بها تركيا كان أبرزها عملية 17 ديسمبر التي مثلت تهديدًا جديًا لحزب العدالة والتنمية ومن قبلها احتجاجات ميدان جيزي، بالإضافة إلى أنها تأتي بعد عمليتين انتخابيتين فاز بهما حزب العدالة والتنمية الحاكم، ولا يوجد بعدها أي استحقاق انتخابي آخر طيلة السنوات الأربع القادمة.
وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية الحاكم منذ حوالي 12 سنة، تحمل هذه الانتخابات في طياتها مجموعة تحديات بالغة الأهمية، كونها أول انتخابات يخوضها الحزب دون “رجب طيب أردوغان” المستقيل مؤخرًا من رئاسة الحزب بموجب توليه لرئاسة الجمهورية، وهو ما يعني أن الحزب سيحرم من الاستفادة من شخصية أردوغان وكاريزمته التي يخشى كثيرون أن يؤثر غيابها عن الحملة الانتخابية على نسبة تفاعل الناخبين مع الحزب.
ومن التحديات الأخرى التي تحملها انتخابات 7 يونيو لحزب العدالة والتنمية، فقدانه لأكثر من 80 قياديًا ترشحوا في الانتخابات البرلمانية الثلاث فترات الماضية ومثلوا الحزب كنواب في البرلمان طيلة 3 فترات انتخابية، ولن يستطيعوا الترشح في الانتخابات القادمة كون حزب العدالة قرر الإبقاء على قانونه الداخلي الذي وضعه لنفسه والذي يمنع أعضاءه من الحصول على عضوية البرلمان لأكثر من 3 مرات، مع العلم أن إحصائيات نشرتها صحيفة حريات التركية أشارت إلى أن إجمالي النواب الحاليين الذين لن يترشحوا على قوائم الحزب يتراوح بين 180 و200 نائب.
ويُعتقد أن فقدان الحزب لهذا العدد من ذوي الخبرة في العمل البرلماني – رغم كل سلبياته – يمثل دافعًا إيجابيًا نحو تجديد الدماء داخل الحزب ونحو تصعيد قيادات جديدة للحزب عوضًا عن القيادات التي شهدت تأسيس الحزب وأنهكتها تجربة العقد الماضي، بالإضافة إلى أن القيادات التي ستودع العمل البرلماني سيكون بإمكانها تقديم الإضافة لتجربة الحزب من خارج البرلمان والحكومة سواء عبر تقديم الاستشارات للقيادات الجديدة أو عبر التسويق لتجاربهم خلال السنوات الماضية.
ويُنظر إلى هذا التجديد على أنه سيمثل فرصة بالغة الأهمية لأحمد داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية، حتى يُمَكن فريقه الخاص في قيادة الحزب وكذلك في الحكومة، وذلك عبر تصعيد القيادات التي عمل معها في السابق والقريبة منه لتحل محل القيادة التي عملت مع رئيس الحزب السابق رجب طيب أردوغان، ويخلق توازنًا حقيقيًا بين رأسي السلطة التنفيذية، رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية، ويغلق الباب أمام ما تروج له المعارضة ومعظم وسائل الإعلام حول ضعف حكومة داوود أوغلو الحالية أمام الرئيس الجديد رجب طيب أردوغان.
ومن بين الأسماء التي ستترشح على قوائم حزب العدالة والتنمية والتي يعتقد أنها ستساهم بشكل فعال في تقوية حكومة أحمد داوود أوغلو، نجد هاكان فيدان الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات “أم أي تي” الذي استقال من منصبه ليترشح في الانتخابات التشريعية، والذي يُعتقد أنه سيكلف بعد نجاحه في الانتخابات بمنصب وزير الخارجية، مع العلم أن فيدان عمل مع داوود أوغلو عندما كان وزيرًا للخارجية، ويعتبر من أكثر الشخصيات الناجحة التي يعتمد عليها داوود أوغلو ويثق فيها.
ومن بين الشخصيات الأخرى التي استقالت من مناصبها داخل أجهزة الدولة والمقربة جدًا من داوود أوغلو، نجد الأكاديمي طه أوزهان الذي كان أحد مؤسسي مركز سيتا للدراسات، أحد أهم المراكز البحثية في تركيا، والذي يشترك مع داوود أوغلو في خلفيته الأكاديمية التي ختمها في جامعة نيويورك قبل أن يعود لتركيا ليبدأ مسيرته في مركز سيتا المقرب من رئاسة الوزراء، مع العلم أن طه أوزهان معروف بقربه “داوود أوغلو” ومرشح بقوة للحصول على دور مهم في الحكومة بعد الانتخابات التشريعية.
وفي الحكومة المرتقبة بعد الانتخابات التشريعية، ينتظر أن يكون إبراهيم طوران العقل المدبر للسياسات الاقتصادية، حيث استقال طوران مؤخرًا من رئاسة بورصة إسطنبول استعدادًا للترشح للانتخابات البرلمانية التي ستمهد له الطريق نحو الحكومة الثانية لأحمد داوود أوغلو.
ويعتبر طوران من أصحاب العقليات الاقتصادية الفذة التي تجمع بين الجانب النظري الذي حصّله عبر دراسته الجامعية في مجال الاقتصاد في أعرق الجامعات التركية، جامعة بوغازتشي، وجانب الخبرة التي حصدها خلال سنوات عمله في رئاسة البنك المركزي التركي ورئيسا لبورصة إسطنبول.
وبالإضافة إلى الشخصيات الكثيرة والقوية جدًا التي ستصعد لأول مرة إلى قيادة الحزب وقيادة الكتلة البرلمانية وإلى الحكومة، سيعتمد الحزب في المرحلة القادمة على عدد من الشخصيات التي كانت فاعلة بقوة خلال سنوات قيادة أردوغان للحزب والحكومة، مثل مجاهد أرسلان، الذي كان في السابق مستشارًا خاصًا لدى أردوغان والذي يوصف بأنه أحد أهم الفاعلين في كواليس صناعة القرار في تركيا.
ورغم كل هذه المؤشرات الإيجابية، لا يمكن الجزم بمدى قدرة داوود أوغلو كزعيم للحزب على تحقيق نتائج انتخابية أفضل من تلك التي دأب الحزب على تحقيقها في كل الاستحقاقات الانتخابية السابقة، كما لا يمكن الجزم بمدى قدرة الفريق القوي الذي يُفترض أن يشكله داوود أوغلو على تكرار تجربة الفريق الذي قاده أردوغان في السنوات الماضية وعلى الحفاظ على نسق الصعود والنمو والتطور الذي عرفته تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية.