هل يمكن إنشاء “دافوس” أفريقي؟

Mounir_Majidi_-_FUS_Rabat

الصورة: يريد السيد منير الماجدي أن يجعل من منتدى أفريقيا والتنمية محورًا للتعاون الأفريقي على خطى البنك التجاري وفا أحد مكونات المؤسسة الملكية القابضة “سيجير” التي يترأسها.

ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست

تُظهر المغرب باستمرار عزمًا كبيرًا على تطوير علاقاتها مع دول أفريقيا جنوب الصحراء، وجاء خطاب الملك محمد السادس في الثلاثين من أغسطس 2013 الموجه إلى سفراء المملكة المغربية واضحًا في هذا السياق، حيث ذكّر برغبته في تطوير الشراكة الأفريقية المسمّاة جنوب-جنوب، ثم في فبراير عام 2014 وخلال جولته في غرب أفريقيا ألقى الملك خطابًا عبّر فيه رسميًا عن التزامه الكامل نحو هذا الخيار، حتى إنه تم اعتبار ذلك الخطاب “الخطاب التأسيسي”.

خلال منتدى أفريقيا والتنمية المنعقد يومي 19 و20 فبراير الماضيين في الدار البيضاء، اغتنم رجل الأعمال مولاي حفيظ العلمي الفرصة للتذكير بأن وراء هذه المبادرات المغربية تكمن إرادة سياسية حقيقية، وعملاً بهذه السياسة تقوم الشركة الملكية القابضة “سيجير” التي يترأسها منير الماجدي في إطار نظرتها الإستراتيجية بإظهار ثقة كبيرة في مستقبل دول جنوب الصحراء وتشجيع بنك التجاري “وفا” على تفعيل هذه السياسة ومساندة هذا البنك في مبادراته الرامية لجعل منتدى أفريقيا والتنمية مؤسسة رسمية، وفي إطار منطق الثقة الذي يتجذر يومًا بعد يوم، كشف السيد حسان أورغلي رئيس الشركة الوطنية للاستثمار القابضة عن اعتزام الشركة المغربية مرجان للبيع بالتجزئة، فتح فروع لها في بلدين أفريقيين من بينهما ساحل العاج قبل نهاية سنة 2016.

كل هذه المؤشرات تدل على وضوح النظرة المستقبلية للشركة الملكية القابضة ومنير الماجدي حول التعاون داخل القارة الأفريقية، ليصبح منتدى أفريقيا والتنمية منتدى دافوس جديد خاص بالقارة السمراء، وهي نفس الطريق التي يسير فيها البنك التجاري وفا ورئيسه محمد الكتاني، وبذلك سيكون منتدى أفريقيا والتنمية من هنا فصاعدًا فضاءًا ومُنطلقًا لتنافس الأفكار والإنجازات.

 وفي هذا السياق صرحت زهرة معافيري المديرة العامة للشركة المغربية للتصدير بأن “هذا المنتدى أصبح مقياسًا للسياسات الاقتصادية لمختلف بلداننا، والمؤشرات تدل على أننا نسير في المسار الصحيح”، وأكدت على أهمية اتْباع هذه القرارات والنوايا الطيبة بأعمال المتابعة والمرافقة على مستوى المؤسسات لتحسين مناخ الأعمال وضمان استدامة المشاريع الحالية وخاصة على مستوى التمويل الذي يمثل دعامة أساسية لتطوير شراكة اقتصادية ملموسة وفعّالة.

دورة 2015 مليئة بالوعود والتفاؤل

شارك في هذه الدورة الثالثة المنعقدة في الدار البيضاء يومي 19 و20 فبراير  لهذا المنتدى الدولي حول التنمية في أفريقيا 1700 شخصية سياسية واقتصادية تحت شعار “زمن الاستثمار”، وقام المشاركون القادمون من 23 بلدًا بالتحاور في أكثر من 4500 فكرة استثمار، ولاقت قطاعات الصناعات التحويلية والبناء والأشغال العمومية والخدمات الإنسان الاهتمام الأكثر خلال اللقاءات، وصرح السيد محمد الكتاني أن هذه اللقاءات “مكّنت خلال الدورة الماضية من منتدى أفريقيا والتنمية أكثر من 40 بالمائة من المؤسسات المشاركة من تطوير نشاطاتها في أرجاء القارة خاصة في مجال التعاون الاقتصادي والاستيراد والتصدير والاستثمار وتبادل الخبرات، كما أن الدورة الحالية أفرزت عن اتفاقات عديدة بين الشركات الحاضرة”.

وعلى هامش هذه اللقاءات تم تنظيم ثلاث ورش نقاش حول المواضيع التالية: الطاقة وتنويع المصادر الطاقية والأمن الطاقي، الصناعات الفلاحية وتثمين الموارد الفلاحية والأمن الغذائي، وأخيرًا البنية التحتية وكيفية تحقيق الشراكة وإيجاد التمويل للإنجاز، وأبدى المشاركون ترحيبًا بدعوة السيد محمد الكتاني لتوحيد الجهود وإزالة العوائق القانونية وفتح الباب أمام استثمارات القطاع الخاص.

توصيات الورشات تم تدوينها في كتاب أبيض

التوصية الأولى التي يعتزم كل بلد مشارك تنفيذها هي معرفة نقاط قوته ورسم خارطة طريق نحو الإقلاع، أما فيما يخص تنويع المصادر الطاقية وتحقيق الأمن الطاقي، فقد كانت التوصية بتقريب الإستراتيجيات ووضع آلية للتنسيق على عدة مستويات من بينها المستوى التنظيمي، وعلاوة على ذلك كان المنتدى مناسبة لطرح حلول للمشاكل المتعلقة بتطوير وصيانة الطاقة الكهربائية وتطوير آليات تبادل الخبرات خلال مشاريع التنمية المشتركة والإنتاج المشترك على خطى ما أنجزته المغرب في سنة 2014 مع البنين والغابون والكونغو برازافيل خلال تجربتها الناجحة في إنجاز مشاريع إيصال الكهرباء للأرياف مع خلق أكثر من مائة ألف موطن شغل في هذا القطاع.

أما فيما يخص الورشة المنكبة على مناقشة آفاق تثمين الموارد الفلاحية وتحقيق الأمن الغذائي، فيجدر بنا الإشارة أولاً إلى أن من بين كل ثلاثة أشخاص يعانون من صعوبة الحصول على الغذاء في العالم هناك شخصين من أفريقيا، بعدد إجمالي بلغ خمسمائة مليون أفريقي يعاني من الجوع، وشدد الحاضرون على امتلاك أفريقيا لمساحة 800 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة غير مستغلة، ودعوا لاتخاذ التدابير اللازمة لفتح المجال أمام المشاريع الفلاحية الكبرى لتحقيق الأمن الغذائي مع التشاور حول الأوقات الملائمة للزراعة والتنسيق مع الأسواق المستهدفة والتركيز على الاستلهام من السياسة الفلاحية التشاركية الناجحة بين دول أوروبا التي تم وضعها منذ 50 سنة لضمان الأمن الغذائي، كما تمت الدعوة لتسهيل الحصول على الأراضي الفلاحية على وجه التملك أو الكراء وإرساء نظام ضريبي يحفز على تصنيع المنتوجات المحلية الخام من قِبل مصنعين محليين وشركات متعددة الجنسيات.

أما الورشة الثالثة المهتمة بالبنية التحتية فقد بينت حجم حاجيات القارة، ووفقًا للبنك الدولي يحتاج هذا القطاع إلى 93 مليار دولار من الاستثمارات سنويًا، ونظرًا لأهمية المجالات المعنية بهذه الاستثمارات وهي الطاقة والنقل والمياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، فقد تم التطرق إلى طرق تمويل هذا القطاع التي يجب أن تكون مبتكرة، ولتحقيق ذلك يقول السيد محمد الكتاني إن هذه المشاريع يجب أن تكون “محددة بدقة ويتم التحضير لها بجدية مع هيكلة تمويلها وملائمتها للواقع حتى تضمن الفائدة المطلوبة”.

مناخ ملائم لتقريب وجهات النظر

يتضح من خلال كل هذه التوصيات المذكورة أن المحرك الأساسي للتنمية في أفريقيا سيكون تبادل اللقاءات وتكثيفها بين الفاعلين الاقتصاديين داخل المنتدى الذي أُنشئ حديثًا، وسيمكّن هذا الأسلوب من تيسير عدة أمور أخرى من بينها استغلال فرص الاستثمار المتاحة داخل البلدان الأفريقية، وما يدعو للتفاؤل هو وجود رغبة حقيقية في التعاون بين المغرب والدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء التي تريد الدخول في تعاون جنوب-جنوب.

ورغم أنه من المؤكد أن هنالك منافسة بين مختلف البلدان التي هي في طريقها للصعود، فإن النظرة القارية الأفريقية المشتركة تبدو محل إجماع من قبل جميع الأطراف، وتحدث رئيس غرفة التجارة والصناعة لدولة مالي حول هذه الرؤية الأفريقية المتكاملة التي دخلت حيز التنفيذ بالفعل في المغرب بإنشاء شركة كازا سيتي للتمويل CFC، ويقول رئيس هذه الشركة السيد سعيد إبراهيمي إن “بلورة هذه الرؤية الأفريقية تمر حتمًا عبر صعود مجموعات اقتصادية إقليمية كبرى من أجل ضمان الدخول لأكبر الأسواق”.

 كل هذه الملاحظات تمثل مؤشرات هامة لتقوية العلاقات وتكثيف التحركات لخدمة مشروع التعاون جنوب-جنوب في القارة السمراء.

المصدر: لوبوان أفريك