وصل المشير عمر أحمد البشير الرئيس السوداني، السبت ، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة رسمية بصحبة وفد عالي المستوى ضم وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين، ووزير الخارجية علي كرتي، ومدير جهاز الأمن الفريق محمد عطا، ووزير الداخلية ووزاء العمل والتجارة والاستثمار ووفد وزاري آخر، في زيارة لم تحدث منذ زمن للبشير إلى الخارج عامة وإلى الإمارات خاصة بسبب الأوضاع السياسية المضطربة في السودان والوضع القانوني الخاص بالبشير دوليًا.
رغم الفتور الذي تعاني منه علاقة السودان بالخليج في آخر ثلاثة سنوات بسبب ربما اختلاف وجهات النظر في القضايا الإقليمية وأبرزها ما يتعلق بالملف الليبي الذي تتخذ فيها السودان مواقفًا مضادًا للموقف الإماراتي، إلا أن العلاقات بين البلدين شبه مستقرة دائمًا والخلاف لا يتعدى خطوطًا معينة، حيث تعتبر دبي وأبو ظبي أحد منافذ السودان المحاصر على العالم بجانب القاهرة، فلا يمكن بأي حال من الأحوال ترك الفرصة للسياسة وخلافاتها لتسد هذه المنافذ كما هو الحال مع القاهرة، فبالطبع تختلف الممارسات السودانية السياسية باتجاه القضايا الإقليمية مع الخليج والقاهرة.
إلا أن السودانيين لا يستطيعون الدخول في عداء مباشر مع الجانبين الخليجي والمصري بسبب اعتماد الدولة السودانية عليهما اقتصاديًا في أمور الاستيراد والتصدير وفتح منافذ تجارية بين السودان وبينهم بعد المعاناة الشديدة جراء الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الغرب على السودان، فالبضائع التي تأتي من القاهرة ودبي لا تنقطع طوال اليوم في السودان، وفيما يخص الإمارات بالتحديد ظلت دبي وجهة أساسية ومحطة ثابتة في برنامج الاقتصاد السوداني ورجاله، فهي تعتبر المركز والمعبر للشرق الأدنى، فالمصالح السودانية الإماراتية لم ترهن بالتقلبات السياسية كما هو الحال في الأوضاع من دول أخرى.
يشار إلى أن وزير الاستثمار السوداني مصطفى عثمان، أعلن في تصريحات سابقة، أن الرئيس البشير يعتزم زيارة عدد من الدول الخليجية على رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين، إضافة لدولة الكويت لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي لمواجهة الأزمة الاقتصادية السودانية.
وعانت العلاقات بين الخرطوم والعواصم الخليجية، ماعدا الدوحة، من اضطرابات بسبب علاقات السودان مع إيران، وهو ما تسبب في صعوبات اقتصادية كبيرة، عانى منها الاقتصاد السوداني الهش بفعل ذهاب انفصال الجنوب بنحو 75% من إنتاج النفط؛ وهو ما أدى بالسودان إلى الرضوخ للضغط الخليجي وتخفيض مستوى التعاون مع دولة إيران.
وحسب وزير الاستثمار فإن حجم استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في السودان بلغت 20 مليار دولار، منوهًا إلى أن الاستثمارات السعودية وصلت لأكثر من 10 مليار دولار، تليها الإمارات بستة مليارات دولار، والكويت بخمسة مليارات دولار.
في هذه الزيارة أكد البشير أن العلاقات الإماراتية مع السودان متينة ومتواصلة منذ عهد زايد، كما تطرق البشير للعلاقات مع مصر التي وصفها أيضًا “بالأخوية والمميزة الصادقة”، وهو يعطي انطباع عن طبيعة الزيارة وضرورة توجيه رسائل للإماراتيين تؤكد أنه لا خلاف مع حليفهم المصري.
وفي مفاجأة أخرى خرج البشير بتصريحات لصحيفة الاتحاد الإماراتية أكد فيها رفض بلاده القاطع لظهور الطابع الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عبر ما يعرف “بالتنظيم الدولي”، منوهًا إلى حق الدول في اتخاذ ما تراه مناسبًا لخدمة أمنها واستقرارها بعد تنامي تأثير التنظيم الدولي للإخوان وتدخله في شؤون عدد من الدول العربية، على حد وصفه.
كما أكد البشير أن السودان تتفهم كل الظروف التي دفعت عددًا من الدول الخليجية إلى الدعوة لإداراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية المحظورة، مضيفًا لا يمكن لأي دولة أن تقبل تقسيم ولاءات أبنائها بين الداخل والخارج، وأكد البشير أن تنظيم الإخوان الذي نشأ في مصر شهد العديد من التغيرات والتحولات ولعل الفكرة الشمولية التي وفرها التنظيم الدولي وتبنتها الجماعة هي نقطة الخلاف الحقيقية، وقال: “لا نقبل لأي سوداني أن يدين بالولاء لأي تنظيم خارجي”، حسب نص تصريحات الرئيس السوداني للصحف الإماراتية.
وهو ما يعكس رسالة أخرى أراد البشير (أحد قادة ما يعرف بالحركة الإسلامية في السودان) أن يرسلها للخليج وحكامه حتى لا يعتقد أحد بالانحياز لميوله الفكرية القديمة، وهو ما يبرز الخلاف الذي نشب بينه وبين الإخوان المسلمين في السودان – المعترف بهم – من قِبل التنظيم الدولي للإخوان بعد إعلان مقاطعتهم للانتخابات القادمة، وحتى لا يحسب نظامه عليهم ويندرج تحت بند أنظمة الإسلام السياسي التي تسعى الإمارات وبكل قوة للدخول في صراعات مفتحوحة معها لاسيما في ليبيا.
وفيما يخص الشأن الليبي دأب البشير أيضًا على التأكيد أنه يرفض كافة أشكال العمليات الإرهابية التي تمارسها بعض الجماعات المسلحة في ليبيا ليؤكد للرأي العام الخليجي أنه خارج دائرة الصراع هذه بالرغم من تأكد الإمارات من دعم البشير لحركة فجر ليبيا المسلحة والتي هي الخصم الأول لمجموعة حفتر ذات الدعم الإماراتي والتي حاولت القاهرة مرارًا إثناء السودان عن ذلك عبر عدة لقاءات ووساطات.
زيارة البشير هذه تأتي قبيل الانتخابات الرئاسية السودانية التي أعلن الترشح فيها بزعمه وجود ضغوط شعبية؛ لذلك كان يجب تهدئة الجبهة الخارجية مع مصر والإمارات وتخفيف التورط في الصراع الليبي.
وفي مقترح من الإمارات لضبط الأمور بين ليبيا والسودان ومصر ومنع تسلل السلاح إلى الداخل الليبي وخاصة الإسلاميين المسلحين هناك، تسعى الإمارات لتشكيل قوات مشتركة بين مصر والسودان بدعم إماراتي ليتم نشرها بطول الحدود المشتركة بين مصر والسودان وليبيا في منطقة العوينات ولكن السودان لم يعط ردًا قاطعًا حتى الآن.
في ظل هذه الزيارة للبشير تظل التصريحات السودانية ذات صفة إعلامية أكثر منها واقعية، حيث إن السياسية السودانية الواقعية تتسم بالخفاء؛ ففي ظل الحديث عن العداء لفكرة التنظيم الدولي للإخوان تظل هناك علاقات وأواصر طيبة بين تنظيم الإخوان في مصر ونظام البشير بكافة مكوناته في السودان، وكذلك في القضية الليبية مع كل نفي للسودان لتورطها في الصراع هناك يكون هناك دعم حقيقي موجه لمجموعات إسلامية مسلحة تخوض صراع بالداخل، فيبقى هذا الكلام مغازلة لاكتساب الدعم الخليجي في مواجهة الأزمة السياسية والاقتصادية بالداخل السوداني والتي يواجهها نظام المؤتمر الوطني بقيادة البشير.