ترجمة وتحرير نون بوست
قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، القائد السابق للقوات المسلحة المصرية، باقتراح حل مألوف للمشكلة الأمنية المحيطة بالمنطقة، في خطاب مسجل نُشر عبر وسائل الإعلام الحكومية يوم الأحد، ناشد السيسي من خلاله لإنشاء جيش إقليمي منسق للتصدي للخطر المتصاعد من الجماعات المسلحة، تدهور الوضع الأمني في سيناء نتيجة العدوان المثار من قبل جماعة أنصار بيت المقدس المسلحة على سياح وقوات مسلحة مصرية، وانتشار العنف من سيناء إلى دلتا النيل ومناطق أخرى، وإعدام 21 مصريًا قبطيًا في 16 فبراير من قِبل مسلحين يزعمون أنهم عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا كان هذا جعل السيسي يدعو ليس فقط إلى عمليات عسكرية منسقة، بل أيضًا إلى جيش عربي موحد لمواجهة الضغط المحلي.
اقتراح السيسي ليس جديدًا، مبدأ الجيش العربي الموحد كان سمة مميزة في تاريخ مصر ما بعد الاستعمار منذ نجح جمال عبدالناصر في إسقاط الملكية في مصر عام 1952، جذور العروبة تصل إلى أبعد من ذلك، إلى حسين بن علي شريف مكة، الذي قاد التمرد العربي على الإمبراطورية العثمانية في عام 1916 بدعم من بريطانيا وفرنسا لإنشاء دولة عربية موحدة من حلب إلى عدن، ومن المفارقات أن هذين القطبين للثقافة العربية هم اليوم مركز للزعزعة والعنف في المنطقة.
جمال عبدالناصر رأى مصر كمنطقة أساسية في الشرق الأوسط واستخدم الجيش المصري القوي والسيطرة على قناة السويس بعد 1957 لجعل مصر في مكانة مهيمنة في المنطقة، نموذج ناصر للعروبة كدولة علمانية مدعومة بجيش قومي قوي كان مثالاً يحتذى به في المنطقة، الجزائر وليبيا وسوريا والعراق واليمن اتبعوا هذا النموذج بين فترة الاستعمار والربيع العربي، حتى إن سوريا واليمن دخلوا ضمن اتحاد مع مصر لفترة قصيرة من الزمن، وبلا شك هذا هو النموذج الذي يسعى إليه السيسي في دعوته إلى مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والدفاع عن المصالح العربية.
الدعم بين دول الخليج
السيسي ليس وحده في هذا الرأي، الإعلام العربي نشر تسريبات من قادة جيوش دول الخليج العربي يلمحون فيها إلى تأسيس تحالف عربي عسكري يتضمن مصر والسعودية والكويت والإمارات، وبعضها تضمنت المغرب والأردن أيضًا، بالنسبة لدول الخليج العربي فالهدف واضح، بالرغم من كونهم دول غنية إلا أنهم عرضة للخطر، واعتمادهم على الولايات المتحدة الأمريكية لضمان الأمن في المنطقة لا يبدو أنه يمكن أن يستمر بسبب قابلية حدوث تصالح أكبر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، السعودية وبحكم مكانتها في العالم الإسلامي اقترحت حديثًا إنشاء تحالف عسكري سني يتضمن تركيا، وعلى ما يبدو تريد السعودية أن تُدخِل تركيا في تحالف سني منسق ضد إيران وتنظيم الدولة الإسلامية، وهذا يدل على أن السعودية ومصر يرون في الجماعات المتطرفة وإيران خطرًا مباشرًا.
وقد عمدت دول الخليج العربي إلى التحالف لمواجهة الخطر الإيراني من قبل، ففي عام 1981 قام حكام دول الخليج العربي بإنشاء تحالف إستراتيجي فيما يعرف بمجلس التعاون الخليجي بعد نجاح الثورة الإيرانية واندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، وارتفاع الاقتصاد في دول الخليج المصدرة للنفط مع مكانة السعودية كمهد الإسلام وحامية الحرمين الشريفين كان مما ساعد دول الخليج على تثبيت مكانتهم في المنطقة، السعودية ومصر قد تنافسوا على القيادة في العالم العربي منذ القدم، إلا أن أحداث الربيع العربي تركت مصر في حاجة إلى دعم مادي، وقامت السعودية مع الكويت والإمارات بدعم مصر بعد أن احتدت العلاقات بين مصر وقطر بعد الانقلاب العسكري في مصر، ونشأت علاقة مضطربة بدعم السعودية لمصر وإبقائها معتمدة عليها ماديًا.
تنظيم الدولة الإسلامية كخطر مشترك
سعى السيسي في رسالته يوم الأحد إلى الاستفادة من إحدى الإستراتيجيات المتبقية لدى مصر، أكبر قوة عسكرية في العالم العربي، من أجل جمع الدول العربية وفقًا لشروطها، وحاول أيضًا دحض الفضيحة المحيطة بالتسجيلات المسربة التي يهين فيها دول الخليج على أنها مزيفة من أعدائه، ودعا الدول الشقيقة للعمل معًا لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية.
قامت السعودية والإمارات بدعم مصر ماديًا كجزء من إستراتيجية أكبر من ذلك للحد من تأثير الإسلاميين وخصوصًا الإخوان المسلمين، ولكن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية كخطر على السعودية وخطر على المصالح السعودية والإقليمية أدى إلى تغيير مجرى الأمور، بينما لا تريد السعودية عودة الإخوان المسلمين إلى السلطة وتعتبر أيضًا الخلافات ضمن مجلس التعاون الخليجي وتطرف الشباب بعد الخسائر التي عانتها الجماعات الإسلامية السائدة كأحد أهم وأخطر التهديدات لاستقرار المنطقة، وبعد توتر العلاقة بين السعودية وقطر خلال عام 2014 قامت السعودية بدعم قطر في انتقادها لموقف مصر المتشدد ضد الإخوان المسلمين.
إنشاء قوة عسكرية سنية عربية لن يكون الحل لهذه المخاطر، قوة الجيش المصري وتفوقه على جيوش دول الخليج تم التغلب عليها بعد عقود من دعم وتدريب الولايات المتحدة الأمريكية لجيوش دول الخليج العربي، فكرة العروبة والتحالف العربي العسكري اليوم ليست متطورة عن تلك التي نشأت في عام 1916، اللهجات مختلفة والاختلافات الدينية والضرورات الوطنية والمناطق الجغرافية في العالم العربي تقف في وجه إنشاء قوة عسكرية موحدة تحت قيادة غير واضحة.
نموذج القوة في الشرق الأوسط يتغير، ومصر والسعودية تحاولان أن تكون لهما السيطرة في النظام الجديد، وبينما يسعى الجميع لإيجاد حل، تعكس الاقتراحات الغير واقعية المخاوف والخيارات المحدودة لمراكز القوة في العالم العربي.
المصدر: ستراتفور