يتكشف يوما بعد آخر أن خيار شيخ الأزهر والشخصيات السياسية والدينية التي حالفت انقلاب وزير الدفاع في الثالث من يوليو الماضي لم يكن أخف الضرر على الشعب المصري. أو هذا ما تقوله الأرقام واحصاءات المؤسسات الاقتصادية العالمية على الأقل.
فإذا ما ابتعدنا عن الجدال المحتدم بشأن الشرعية السياسية، وما إذا كانت تتحدد بعد أوراق الاقتراع، أم بطريقة عد الرؤوس التي ابتدعها إعلاميو الانقلاب، يمكننا أن نرى جليا أن البلاد وقعت في ثقب اقتصادي أسود، التهم الإنجازات القليلة التي تحققت خلال العام الماضي. وبات يؤثر في كل تفاصيل الحياة اليومية للمصريين البسطاء، ممن أقنعتهم آلة الإعلام الموجه بأن الرئيس مرسي والإخوان هم سبب المصائب والبلاء، وبرحيلهم ستتحول البلاد إلى فردوس وردي.
فخلال شهرين فقط من تسيير الحكومة الانتقالية لشؤون الدولة، تراجع تصنيف مصر من الرتبة 107 على سلم التنافسية الاقتصادية إلى الرتبة 118، وباتت مصر تعاني من عجز تجاري، بعد أن حققت عام 2012 أول توازن في ميزان الصادرات منذ عقود، كما تكبدت الخزينة العامة خسائر مالية معتبرة، دفعت الحكومة لتجميد الودائع البنكية لفترة، وتقييد حركة التحويلات المالية، ولم تفلح جرعات الدعم السخي الذي قدمته بلدان خليجية في الحد من الخلل البنيوي في التوازن الاقتصادي والمؤشرات الكبرى، التي لن تعيد اتزانها مساعدات نقدية مهما كان حجمها.
إن اعتماد الاقتصاد المصري على الجانب الخدمي في إيرادته، تجعله اقتصادا يتأثر بشكل كبير بالوضع الأمني والسياسي في البلاد، وهو ما يدعمه انخفاض الإقبال السياحي بنسبة 85% بعد يوليو، وتراجع مداخيل قناة السويس بسبب القلاقل التي تشهدها سيناء، ناهيك عن تعطل الحركة التجارية بشكل شبه كامل بعد توقف حركة القطارات، وتطبيق حظر التجول في كبريات المدن المصرية، وفرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية، التي تعتبر رسالة طاردة لرأس المال والمستثميرن الأجانب.
عندما يتحدث حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر، والخبير الاقتصادي المعروف، عن خطوات عملية اتخذتها حكومته للحد من الأزمة الاقتصادية، ولايجد من الأدلة إلا الغاءها لرسوم المدارس الابتدائية لهذا العام (والتي لا تتجاوز 50 جنيها) فهو إما أن يكون مازحا، أو “مغيبا ذهنيا” !
إن الخطر الأكبر الذي يواجه مصر اليوم ليس أمنيا أو أزمة شرعية سياسية، كما يصورها حكامها حاليا، بل يهددها خطر اقتصادي محدق، قد يدفع البلاد إلى هاوية الإفلاس، وعندها سيكتشف المنقلبون أنهم وإن نجحوا في الاستيلاء على كرسي الحكم، وحولت آلتهم الإعلامية الضحية إلى مجرم في أعين البعض، إلا أنهم سيرفعون راية النصر على ركام اقتصاد أكبر دولة عربية.