أربع عروض عسكرية لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في أقل من شهر من جنوب قطاع غزة حتى شماله، والمتتبع لتاريخ كتائب القسام يدرك أن الجهاز العسكري لحماس لا يُقدم على تنفيذ عروض عسكرية بهذا الحجم والنوعية إلا في واحدة من أمرين.
الأول: التأكيد على الانتصار في جولة من جولات المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
الثاني: لتهيئة الرأي العام الفلسطيني لجولة جديدة مرتقبة من المواجهة مع الاحتلال.
ويبدو الخيار الثاني هو أحد أهم الأسباب التي دفعت القسام لتنفيذ هذه العروض في ظل المتغيرات الداخلية والإقليمية التي تمر بها المنطقة، فالاحتلال الإسرائيلي يواصل سياسة تهويد المسجد الأقصى المبارك بصورة تنذر بخطورة الموقف في البلدة المقدسة وإمكانية تدهور الأمور بصورة قد تخرج الموقف عن السيطرة، كما أنها تأتي في وقت تتعرض فيه القضية الفلسطينية لمحاولات جادة للتصفية السياسية بإدارة أمريكية وتخطيط صهيوني وتواطأ من جانب السلطة الفلسطينية، وهو أمر يجعل المقاومة الفلسطينية في حالة يقظة دائمة.
بينما لا يغيب الواقع الإقليمي عن خارطة الأهداف لهذه العروض، فالحصار الصهيوني على قطاع غزة يشتد مع مشاركة الجيش المصري في إطباق الخناق على القطاع وإغلاق الأنفاق ومعبر رفح شريان الحياة الوحيد، وهو أمر ينذر بانفجار الأوضاع في وجه الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلي ذلك فإن التلويح المستمر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بضرب سوريا، يتطلب من المقاومة عين يقظة فالاحتلال الإسرائيلي قد يتجه لضرب القطاع في أي لحظة إذ ما تمت الضربة.
كل هذه العوامل دفعت كتائب القسام لتنفيذ عروضه العسكرية التي أظهر فيها قدرة فائقة في الأداء والانضباط لتهيئة الرأي العام الداخلي، كما كشف القسام عن بعض معداته القتالية التي لم تظهر من قبل وخاصة مضادات الطائرات، وهو ما يجعل هذه العروض تحمل العديد من الرسائل السياسية المهمة للداخل والخارج يمكن إجمالها في التالي:
- الشارع الفلسطيني كان بحاجة إلي رسالة طمأنة من المقاومة أن قدراته العسكرية لا زالت بخير، وأن بندقيته لا زالت متجهة صوب العدو الوحيد وهو الاحتلال الصهيوني، خاصةً بعد حملة التشويه والتشهير التي تعرض لها، وفي ظل التهديدات المستمرة بشن عدوان جديد على غزة.
- رسالة تحدي للاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن العروض العسكرية تأتي والشعب الفلسطيني يعيش في ظلال ذكرى انتفاضة الأقصى، فأرادت المقاومة أن تذكر الاحتلال بأن قدراتها العسكرية التي طردت الاحتلال من غزة قادرة على طرده من باقي ربوع الوطن.
- رسالة للقدس التي تتعرض لحملة تهويد، تؤكد من خلاله المقاومة أنها لن تصمت على ممارسات العدو بحق المسجد الأقصى المبارك, وأن عمليات التهويد للبلدة المقدسة سيدفع الاحتلال ثمنها غالياً في أي جولة من جولات المواجهة القادمة.
- رسالة للمفاوض الفلسطيني، أن أي رهان سياسي لاستعادة الحقوق الوطنية لا تحميه مقاومة قوية هو رهان خاسر، وأن عشرين عام من ذُل أوسلو لا تمحيه إلا صواريخ المقاومة وضربات المجاهدين.
- رسالة تأكيد على عافية المقاومة رغم تشديد الحصار، ومحاولة البعض تجفيف منابعها، فكان الرد من خلال إظهار بعض القدرات القتالية والإمكانات العسكرية لتدليل على أن المقاومة لا زالت بخير وإمكاناتها في تطور مستمر.
- رسالة للأشقاء في مصر، تؤكد فيها كتائب القسام أن حدود عملها وجهادها داخل حدود فلسطين وفقط، وأن صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي وفقط، وأن المستفيد الوحيد من تسميم الأجواء بين القسام والأشقاء في مصر هو الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يريد الخير لا لفلسطين ولا لمصر.
- رسالة إصرار على مواصلة درب الجهاد والمقاومة حتى زوال الاحتلال وتحرير فلسطين.
ومن الدلالات السياسية المهمة التي ظهرت خلال عرض القسام في مخيم الشاطئ اليوم كانت مشاركة رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية في هذا العرض، وهذه المشاركة تحمل رسالة تجديد عهد وبيعة على أن الحكومة ماضية في شعارها الأول ( يد تبني ويد تقاوم ).