ترجمة: أسعد المدرس
إنفوجرافيك عربي: ريم أبوزيد
الجيش الأمريكي هو نتاج التاريخ، وليس حاصل المهمات والتهديدات التي يواجهها في العقد الأخير، القوات الأمريكية تعاني من عقبات ناجمة عن تداخل المهمات والأدوار وغموض الهياكل التنظيمية ومنصات وبرامج الحرب الباردة، فالبرامج والممارسات والتوظيفات التي يتم اعتمادها حاليًا، بعيدة كل البعد عن الاحتياجات الحديثة لهذا الجيش، ولو كان من المقدر للجيش الأمريكي أن يعيد بناء نفسه من جديد، فلن يكون الشكل الحالي معتمدًا في بناء القوة العسكرية.
إذن، ماذا لو أننا نستطيع أن نبدأ من الصفر؟ كيف سيبدو شكل الجيش الأمريكي إذا ضغطنا على مفاتيح “Ctrl + Alt + Del” وقمنا بإعادة تشغيل القوة الأمريكية؟ هل سنبني جيشًا منفصلاً وبحرية منفصلة وقوات جوية منفصلة ومشاة بحرية منفصلة؟ هل سوف نعطي لهم قدرات ومهام متداخلة – طائرات ومروحيات وقوات خاصة ووحدات فضاء إلكتروني – مثل التي يمتلكونها اليوم؟ وهل سوف نعطي القادة الإقليميين قوة فعلية على أرض المعركة؟
مع تقلص الميزانيات، تبدأ القوى الأخرى بالظهور، وتتكاثر التكنولوجيات لدرجة يتحتم علينا التوقف للتساؤل: هل هناك طريقة أفضل لبناء الجيش؟ وسنحاول فيما يلي تقديم رؤية فكرية حول شكل الجيش الأمريكي في حال بدأنا اليوم ببنائه من نقطة الصفر.
في رؤيتنا، سيضطلع الجيش بثلاث مهامات رئيسية هي: الدفاع عن الوطن، هزيمة الأعداء، والحفاظ على الوجود المستقر في الخارج، وبالطبع فإن هذه المهمات ليست جديدة، كون وثائق الإستراتيجيات الدفاعية تنص عليها منذ ربع قرن وحتى الآن، وذلك بغض النظر عن تغيّر الإدارة الرئاسية، ولكن النظرة الجديدة التي نستشرفها لن تعمل على تنفيذ هذه المهام الأساسية وحسب، بل أيضًا ستطور القدرات العسكرية لتحقيقها، حيث ستتم زيادة الاستثمار في مجال أنظمة الروبوتات من جميع الأنواع، كما ستتم حماية العمليات الخاصة وقدرات الفضاء الإلكتروني القائمة، وسيتم تخفيض القدرات الأقل أهمية مثل الطائرات قصيرة المدى والدبابات.
الرؤية الجديدة تعمد لإصلاح نظام موظفي الجيش لتلبية الاحتياجات الحديثة، حيث تسمح أدوات التوظيف الجديدة بتعيين المهنيين متوسطي المستوى الوظيفي الذين لديهم مهارات في مجالات رئيسية، مثل الأمن السيبراني والتنمية الاقتصادية، كما سيتم إصلاح نظام العقود للموظفين العسكريين للقضاء على عنصر التجنيد الإجباري الذي لايزال مستخدمًا حتى اليوم، فالهدف من النظام الجديد هو تكوين القوة من الأشخاص المتطوعين، فعلى الرغم من أن الشباب له حاليًا الخيار بالتطوع للانضمام إلى الجيش، ولكن بمجرد انضمامه، لا يمكنه ترك الجيش، لا بل قد تعمد الإدارة في بعض الأحيان إلى الاحتفاظ بالمتعاقدين حتى بعد انتهاء عقودهم معللة ذلك بسياسة “وقف الخسارة”، أما في النظام الجديد فنحن نرغب بإقامة قوة من المتطوعين الحقيقيين، بحيث يدين كل من يرتدي الزي العسكري بكمية معينة من الوقت للجيش، يُحدد بناء على التدريب الذي تلقاه، فإذا اختار أي شخص عسكري ترك مهامه في وقت مبكر، فله كامل الحرية بذلك، ولكن سيكون عليه تعويض الحكومة عن تكاليف التدريب الذي تلقاه على حساب دافعي الضرائب.
سيتم تعديل المسارات المهنية بشكل يركز ويؤكد على المرونة الوظيفية، حيث سيتنافس أعضاء الخدمة على الوظائف داخل سوق وظائف داخلي، وسيتم إعطاء القادة والأفراد مزيدًا من السيطرة على سياسية التعيينات، أما بالنسبة لسياسة الانقسام الطبقي التي عفا عليها الزمن والتي تقسم الجيش إلى ضباط وأفراد مجندين، فهي من وجهة نظرنا تناسب بريطانيا في القرن الـ18 أكثر من ملاءمتها لأمريكا القرن الـ21، لذا سيتم إعادة تحديد هذا النظام الطبقي، عن طريق إرساء نموذج قيادي عقلاني قائم على أساس الخبرة والمقدرة.
بطبيعة الحال، لا يوجد زر سحري لمسح القوانين والثقافة والتاريخ التي شكّلت جميعها الجيش بالشكل الذي هو عليه اليوم، ولكن مع انتهاء الحروب وانخفاض الموارد وبزوغ تهديدات من نوع جديد، يصبح الآن هو الوقت الملائم للنظر في سياسة الإصلاح، هذه الأفكار التي طرحناها هي عبارة عن تجربة ورؤية استشرافية فقط، علمًا بأن السياسات والبيروقراطية والقوانين يمكن أن تتغير، كونها ليست دائمة وأزلية، والدليل على ذلك الإصلاحات الكبرى التي أُجريت على الجيش بعد الحرب العالمية الثانية المتمثلة بإنشاء وزارة الدفاع، والإصلاحات التي طالت المؤسسة العسكرية بعد حرب فيتنام المتمثلة بإنشاء قوة المتطوعين، وإصلاحات جولدووتر- نيكولاس التي جرت في ثمانينيات القرن الماضي.
إذن، السؤال الآن لا يتمثل بالتساؤل حول إذا ما كان يجب تغيير الجيش الأمريكي في المستقبل، بل السؤال يتمثل بالتساؤل حول كيفية وقوع التغيير وما إذا كان يمكن القيام به ضمن الوقت المناسب، أي قبل نشوب الحرب القادمة.
قد يكون من الصعب إيجاد شخص قادر على فهم جميع تعقيدات الجيش الأمريكي، بكل طبقة من طبقاته البيروقراطية، وبالعلاقات الدقيقة والمتداخلة ما بين الخدمات والقيادة والمكاتب، وطبيعة كل برنامج من البرامج، هذه المعلومات هي من التعقيد بمكان بحيث لا يمكن أن يتحملها عقل بشري واحد، ويصعب إيجازها بكلمات مختصرة – ولعل هذا هو السبب في اعتماد وزارة الدفاع الأمريكية على العروض التقديمية Power-Point-، لذا سنحاول تصوير نظرية بناء الجيش من الصفر بدلاً من كتابتها، حيث سنعمل عن طريق بضع صور (إنفوجرافيكس) على توضيح العناصر الرئيسية لإعادة التصميم والتي يمكننا من خلالها ملاحظة التناقض الصارخ بينها وبين الوضع الراهن.
إعادة تنظيم الموظفين بناء على المهارات
على عكس الخدمات العسكرية اليوم، فإن القوات العسكرية سوف لن تمتلك قوات مستقلة، بل ستكون عبارة عن إدارة للموظفين، والذين سيتم تعيينهم ضمن ثلاثة مبوبات ومعايير وظيفية، وبالطبع فإن معايير التوظيف واللياقة البدنية والتعليم وسمات الشخصية ستختلف فيما بين هذه الوظائف.
في الوضع الراهن يتم تقسيم الأفراد في مجموعات ضمن الجيش الأمريكي حسب النطاق – بري أو بحري أو جوي – بدلاً من اتباع تقسيم يركز على المهارات، لذا فإن النظام الجديد سيعمل على إدارة الموظفين وتقسيمهم على أساس مجموعات المهارة، وهي: المجموعات الاستطلاعية، المجموعات التشغيلية، المجموعات السيبرانية، مجموعات المغاوير “الكوماندوز”، والشخص الذي يرغب بالانضمام سيتنقل طوال حياته المهنية ضمن مهام الدفاع الأساسية مثل قيادة الدفاع أو قيادة الضربات العالمية أو قيادة الوجود – سيتم توضيح هذه النقاط لاحقًا -، وخلافًا للنظام اليوم، والذي يسمح بتعيين خريجي الجامعات على الفور ضمن مناصب قيادية ليترأسوا الأفراد المجندين الذين تزيد خبرتهم عن 10 أعوام، ، فإننا سنعيد تعريف التمييز ما بين طبقات الجيش “مجند – ضابط” عن طريق إقامة نموذج قيادي مبني على أساس الخبرة والمقدرة.
تبسيط هيكلية القيادة
يتكون الجيش الأمريكي حاليًا من تسع قيادات تقود مجموعة من القوات، حيث تعمل أربع خدمات على تنظيم وتدريب وتجهيز هذه القوات كل على حدةٍ، وبالإضافة إلى ذلك، فإن القيادات والخدمات تتضمن قيادات فرعية متعددة، يقودها جنرال أو أميرال.
مهام القوات المسلحة الأساسية
تشمل عملية إعادة هيكلة الجيش اضطلاعه بثلاث مهام رئيسية هي: الدفاع عن الوطن، هزيمة الأعداء، والحفاظ على الوجود المستقر في الخارج، وإن التحول الدراماتيكي الذي تعمل هذه الرؤية على تنفيذه يشمل قيام القادة المسؤولين عن هذه المهام بإعادة تشكيل القوات لضمان حسن تنفيذ هذه المهام، حيث يمكنهم تعيين الموظفين من المجموعات الوظيفية التي شرحناها سابقًا.
إعادة موازنة المقدرات العسكرية لمواجهة الأخطار المستقبلية
للتحضير لحروب المستقبل، علينا الاستثمار بشكل أكبر في مجال الأنظمة الروبوتية وأنظمة التحكم الذاتي، كما يتوجب علينا حماية الاستثمارات الأخيرة في قوات العمليات الخاصة والحرب الإلكترونية، ويمكننا صرف هذه الزيادة في التكاليف من الزيادة الناجمة عن تخفيض عدد المقاتلات قصيرة المدى وعدد الدبابات وتعداد القوات البرية.
المصدر: فورين بوليسي
هذا المقال يأتيكم ضمن ملف “مستقبل القوة” على نون بوست، يمكنكم أيضا قراءة المقال الأول حول حروب الفضاء الإلكتروني والثاني حول التسريبات الاقتصادية وكيف تعمل كأداة حرب في المستقبل، والثالث حول إعلام تنظيم الدولة بين الاحترافية والتأثير