تمبكتو: صورة جمالية لخدمة سياسة فرنسا في مالي

Timbuktu_01

احتفى فرانك نوشي في صحيفة “لوموند” الفرنسية بالفيلم الموريتاني “تمبكتو” وذلك في مقال حماسي مثير حيث وصفه “بالإدانة القوية للأصولية والرجعية” .

يحتوي المقال على مقاربة توضح العلاقة بين أحداث شارلي إيبدو وما حدث على إثرها في ضواحي باريس من فوضى واحتجاز للرهائن وبين فيلم “تمبكتو” الذي رُشح للأوسكار كأحسن فيلم أجنبي، وهو أيضا الذي حصد سبع جوائز سيزار فرنسية، فقد توجه مخرج العمل عبد الرحمان سيساكو في حفل تسليم الجوائز بالشكر الجزيل لفرنسا قائلاً:”إن فرنسا بلد رائع لأنها قادرة على الوقوف في وجه الرعب والعنف والظلامية”، لذلك فإنه من النادرأن يهتم القارئ بتفاصيل إنتاج الأفلام مثل اهتمامه بذلك في هذا الفيلم.

أما عن الفيلم فماذا لو حاولنا رؤية الموضوع عن بعد، ماذا  يمكننا أن نفهم من فيلم إخراجه موريتاني وإنتاجه  فرنسي وعنوانه مأخوذ من اسم مدينة في مالي احتدمت فيها اشتباكات عنيفة بين الجيش الفرنسي وعناصر من المتمردين الماليين الإسلاميين؟

لا يمكننا قول الكثير بل سنذهل بمشاهدة المناظر الرائعة للمنطقة الشبه الصحراوية الواقعة في جنوب الصحراء الكبرى، منطقة جميلة يشقها واد كبير وطرق ضيقة عتيقة لكننا لا نميز التضاريس ولا التقسيم الجغرافي لها بل تبدو وعرة.

يتكون المشهد الأول من رجال مسلحين حاملين أسلحة متعددة ومرتدين ثياب كتب عليها “الحرس الإسلامي”، يتكلمون لغات عديدة منها الفرنسية والعربية والإنجليزية وبعض اللغات المحلية، يركبون سيارات رباعية الدفع ودراجات نارية يتنقلون بها في طرق “تمبكتو” الضيقة المحاطة بالمنازل القديمة التقليدية.

تقوم هذه المجموعات بترويع السكان وترهيبهم وبث الرعب في قلوبهم مدعين أنهم يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، إذ يمنعون السكان من الغناء والعزف ولعب كرة القدم وبالتالي من كل رفاهيات الحياة، كما يفرضون على النساء ارتداء زي أسود يغطيهن كلهن.

يبدأ القص الدرامي من قصة الطوارقي الذي يعيش مع زوجته وابنته  في خيمة على أطراف المدينة وله عدد من الأبقار يرعاها صبي على الدوام وحذوه صياد ذو أصول أفريقية ينشر شباكه في النهر.

يتنامى الخط الدرامي ويتصاعد مع قتل الصياد لإحدى أبقار الطوارقي فيقوم الأخير بقتله في مشاجرة وعراك بالأيدي فكأنه لا يوجد أي قوانين تحكم النزاعات غير القتل.

وإذا كان هذا المشهد قد بدا في بدايته مرتبكًا مع المبالغة في حركات الشخصيتين لحظة الشجار والقتل إلا أن نهايته كانت بالتأكيد إحدى أجمل مشاهد الفيلم عندما يترك كيدان ضحيته ويخوض في ماء البحيرة الصغيرة بعيدًا.

يلجأ سيساكو إلى لقطة عامة للبحيرة والعودة إلى الطبيعة وسكونها بينما يتضاءل الشخصان القاتل والقتيل وسطها، و لكن ما إن عاد الرجل إلى خيمته حتى هجم عليه الجهاديون واعتقلوه وقاموا بتنظيم محاكمة علنية له، أعلنوا إثرها عن عقوبته المتمثلة في منحه أربعين بقرة لأسرة الصياد.

وأما الثلث الأخير من الفيلم تصل ذروته لحظة مقتله مع زوجته برصاص المسلحين الذين رأوا أنها ستطلق النار عليهم، لينتهي الفيلم بمشهد الصبية بنت كيدان والصبي الراعي تائهان في الصحراء.

بدت بعض المشاهد مبالغة في غرابتها وسط سياق يُفترض أنه واقعي في الفيلم، كما في خيط المجنونة أو العرافة الأفريقية وتلك الرقصة الغريبة التي تؤديها إحدى شخصيات الفيلم في بيتها، و هذا يضفي صبغة غريبة ورمزية للفيلم والقصة ويثبت ازدواجية الخطاب لدى الجهاديين وعمق الصراع النفسي الذي يعيشونه، ومن جهة أخرى نجد قصة العاشقين الذين تم رجمهما من أبشع المشاهد في الفيلم.

أما عن تقنيات الفيلم وجودة المونتاج فيمكننا ملاحظة أن البطء الذي يسود الفيلم والتركيز على الصور والألوان يضفي طابعًا جماليًا خاصًا على الفيلم ويزيده رونقًا، كما أن اختيار الممثلين الجهاديين لم يكن اعتباطيًا بل لإظهارهم بصورة قبيحة.

أراد الفيلم أن يبرز نبل الإسلام وبعده عن “المتطرفين” من خلال صورة الإمام العاقل الذي كان يجلس في عباءته ويحدثهم دون جدوى عن قبح عملهم إذا ما أرادوا تزويج فتاة دون رغبتها وأن ذلك لا يتماشى مع الإسلام.

ومن جانب آخر نجد الصور المثالية للعمال الأفريقيين الذين ينخرطون في الأعمال البسيطة التي توفرها لهم بيئتهم الصحراوية القاحلة، ومن جانب آخر نجد الجهاديين يتنقلون في أحدث وسائل النقل، وهنا تكمن المفارقة العجيبة التي تبرز الهوة بين الطرفين أي بين السكان المحليين والجهاديين الغرباء، يبرز ذلك أيضًا في الملابس المختلفة وطريقة العيش وغيرها من التفاصيل التي ركز عليها المخرج.

اختصر الفيلم واقعًا وصراعًا معقدًا تعيشه مالي من حيث محاولة فصائل إسلامية مصادرة مظاهر الحياة لدى شعب آمن في “تمبكتو”، قُدِم في سياق ميلودرامي مال إلى الإثارة العاطفية المباشرة التي تؤثر في المتلقي وتزيد من عمق الصورة الوحشية للمجاهدين.

وفي الأخير، أشاد الإعلام الفرنسي بالفيلم الذي يعكس حسب رأيه الواقع الذي يعيشه سكان مالي ومعاناتهم التي تسبب فيها المتشددين.

وإلى جانب الوضع المتردي الذي سببه الجهاديون فإننا يجب أن نذكر أن مالي تعاني من الفقر والفساد وضعف أجهزتها الأمنية؛ مما أدى الى استمرار تدخل المستعمرين في شؤونها واعتبارها لليوم إحدى مستعمراتهم.