يمكنكم الاطلاع على الجزء الأول من هذا المقال هنا، وقراءة كافة مقالات ملف مستقبل القوة هنا
الجزء الثاني: المفاهيم الإعلامية لتنظيم الدولة
إستراتيجيات تنظيم الدولة في الإعلام
من خلال متابعة إعلام تنظيم الدولة نستطيع الوقوف على إستراتيجية تكاد تكون واضحة المعالم، وتتمثل بالآتي:
أولاً: يمتلك تنظيم الدولة إستراتيجية واضحة ويسير عليها وفق هدف محدد ومعلوم ومرسوم وهو إقامة دولة “الخلافة”، ولهذا يخدم إعلامها هذا الهدف بكل وضوح، وهذا ما لا نجده بوضوح في التفكير الإستراتيجي أو أحيانًا حتى التنفيذ التكتيكي لباقي الفصائل المسلحة.
ثانيًا: إستراتيجية “نصرت بالرعب” ، فهي تسقط عدوها بالصورة قبل أن يسقط بالسلاح، فتنظيم الدولة يسعى لتحقيق ضربة استباقية تهز معنويات ونفسية العدو، ثم الإجهاز عليه في الأرض، ويظهر هذا جليًا في معظم إصداراته المصورة، فوحشية اللقطات المختارة كفيلة بإلقاء الرعب في نفوس عدوه وهزيمته نفسيًا قبل مواجهته.
ثالثًا: استعانة تنظيم الدولة بالخبراء في المجال الإعلامي – بغض النظر عن الكيفية والآلية – له الأثر الأكبر في نجاح التفكير والتخطيط والتنفيذ الجيد ثم التسويق الجيد وبالتالي الوصول لهدفين؛ إلقاء الرعب في قلوب عدوها وغسل عقول المتعاطفين معه.
ويمكن أن تلخص إستراتيجية تنظيم الدولة في المجال الإعلامي بالعبارة: “تخويف العدو وتجنيد الصديق إستراتيجية تنظيم الدولة في إعلامها”.
رسائل تنظيم الدولة في خطابه الإعلامي
لتنظيم الدولة رسائل عديدة في خطابه الإعلامي يمكن تلخيصها بالآتي:
– أنهم ليسو جماعة أو حتى تنظيم، بل دولة، لها قائد واحد ولها علم واحد ولها جيش واحد ولها لباس واحد، بل ولها صورة نمطية واحدة “من خلال اللحية والعمامة واللباس الأسود والسلاح المرافق واللثام”، ولهذا هنا لا عبرة – وفق وجهة نظر تنظيم الدولة – لأي فصيل آخر لم يذوب تحت هذه الصورة كائنًا من كان، وسواء حارب نفس عدوهم أو حاربهم فكلاهما ليسا من أتباع “الدولة الإسلامية” فلا حوار معهم إلا بالسيف.
– استقطاب الشباب في كل بلدان العالم الإسلامي “التجنيد” ، وأن لا خيار لهم إذا أرادوا نصرة دينهم إلا بأن ينضموا لهذه الدولة “دولة الخلافة”، خاصة بعد تجربة الربيع العربي وفشل خيار السلمية والإسلام الوسطي أو السياسي والقمع الذي تعرض له من يطالبون بهذا الخيار.
– القوة والقوة العنيفة وحدها هي من تكسر الخصم وتجعله يرضخ للمطالب، والقوة ليست لها مكان محدد أو مفهوم محدد، المهم وجود “الصليبيين والروافض والمرتدين”، حسب مصطلحات تنظيم الدولة، ومفهوم القوة كل ما يثخن في العدو من قتل أو ذبح أو رمي من شاهق أو رجم أو حرق وغيرها.
– الحرص على إظهار الجوانب الإيجابية والإنسانية وتحسين صورة التنظيم، من خلال توزيع الزكوات والصدقات على بعض الناس أو توزيع مواد الإغاثة أو تنظيم المرور وغيرها.
– التعريف بأنفسهم ومنهجهم، والرد على من يخالفهم، وهو التنظير للفكر الذي يظهر بين الفينة والأخرى.
أساليب تنظيم الدولة الإعلامية
يعتمد تنظيم الدولة على عدد من الأساليب الإعلامية في إصداراته المختلفة، ومنها:
– التهويل والاستعراض: أهمية الإعلام وقوة تأثيره يدركها جيدًا تنظيم الدولة، وبالتالي يجيد الاستعراض والتهويل لقادته ولعملياته، على عكس باقي الفصائل التي تتخذ من الورع والخوف من الرياء منهجًا لها في الإعلام.
ونشاهد هذا بوضوح في ظهور قادة تنظيم الدولة باستعراضات هوليودية وصور تسعى للتأثير على جمور عريض يتكون من الأتباع والمتعاطفين وحتى المحايدين، إضافة إلى وصفهم بعضهم البعض بكل أوصاف الجهاد والعلم والقوة والرفعة والذي يأتي في هذا الإطار.
– التأثير الطائفي: استخدام الورقة الطائفية حاضرًا بقوة في إعلام تنظيم الدولة، والسعي دائمًا لإيصال فكرة رئيسية بأن التنظيم هو الممثل الوحيد للإسلام في العالم، واستثمار ذلك من خلال التركيز على جرائم المليشيات المرتبطة بإيران.
– التسقيط: أحد أهم الأساليب المتبعة عند تنظيم الدولة هو تسقيط المخالفين لهم من الجماعات السياسية أو حتى العسكرية ممن لم تنضو تحت رايتهم، وتشمل حملة التسقيط المتبعة الهيئات الشرعية التي تفتي بالضد من أعمالهم أو توجهاتهم وخاصة في سوريا والعراق.
وظهر هذا بوضوح في العدد السادس من مجلة “دابق” الناطقة باللغة الإنجليزية، إذ هاجم التنظيم نوعين من المخالفين، الأول: مجموعات “جهادية” والمتمثلة بالظواهري والملا عمر وأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني ووصفوهم بأنهم أئمة الظلال والمرجئة والمبتدعة وغيرها من الصفات، الثاني: مجموعة “إعلامية” والمتمثلة بقناة الجزيرة الفضائية وبالتحديد رئيس شبكة الجزيرة السابق وضاح خنفر، والمدير الحالي لقناة الجزيرة ياسر أبو هلالة، وكتب فوق رأسيهما “الإعلام الفتان” وكتبوا حديثًا “أكثر ما أخاف على أمتي المنافق البليغ”. (1)
– التحريش: وهو أسلوب متبع ولكن لا يتم التركيز عليه إعلاميًا بصورة كبيرة وإن كان قد ظهر في بعض الإصدارات، ومثال ذلك التحريش بين الفصائل المسلحة التي تتبنى النهج السلفي وتلك التي تتبنى النهج الإخواني، كما حدث في العراق في التحريش بين جماعات تتبع لعزة الدورة “نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين” وبين فصائل تتبع لهئية علماء المسلمين .
– إهدار دم المخالفين: يركز إعلام تنظيم الدولة على نشر أسماء وصور ومواقع الأشخاص المعادين لهم ورصد الجوائز لقتلهم والحث على الانتقام منهم، والإصدار المرئي الخاص بالطيار الأردني معاذ الكساسبة والذي كشف أسماء الطيارين وصورهم ومواقع تواجدهم كان واضحًا في هذا.
– إدخال الخوف والرعب على المخالفين: من خلال فيديوات قطع الرؤوس والقتل بأبشع صوره وأشكاله، وإصدار الطيار الأردني معاذ الكساسبة كان وسيلة التنظيم لإدخال الرعب بقلوب الجميع من خلال استحداث طريقة جديدة أكثر شدة ربما من كل الطرق السابقة، ومع أن هناك رأي يقول إن هذا الأسلوب يعطي دافعًا لمن يحارب تنظيم الدولة أن يستبسل لأنه يعرف أن نهايته إذا سقط بيدهم فهو رأس مقطوع أو جسد معلق أو جثة محروقة.
– الإغراق المعلوماتي: في محاولة للوصول إلى الإقناع بكثرة عدد متابعيهم، فعند الدخول للمواقع الكبيرة والمهمة مثل الجزيرة وغيرها، تجد أن التعليقات على الاخبار التي تتناول تنظيم الدولة ممتلئ بالمدافعين عنهم، بل إن مواقع مثل اليوتيوب وغيره تشهد سجالات كبيرة بين مؤيدين ومعارضين لتنظيم الدولة على فيديوهات تحقق مشاهدة كبيرة، وتجد أن عدد المؤيدين يغرقون هذه التعليقات بالدفاع عن تنظيم الدولة.
كذلك مواقع التواصل الاجتماعي تويتر والفيسبوك وباقي الشبكات المختلفة تشهد إغراق بالنص والفيديو والصور لكل ما يدعم تنظيم الدولة.
– الإفتاء والرأي الديني: وهو أسلوب لا يكاد يخلو من أي إصدار من إصدارات تنظيم الدولة في الدفاع عن رأيهم أو تثبيته أو الرد على المخالفين، مستندين على أدلة تناسب ما يعرضون من كتب التراث المختلفة.
– التكرار في المفاهيم: يشهد التكرار الذي يهدف إلى الإقناع أحد أساليب تنظيم الدولة، والأصل لديهم أنهم يكررون المفاهيم التي يسعون لها في كل إصداراتهم المختلفة.
– استثمار ضعف الخصم الإعلامي: وهو أحد الأساليب غير المباشرة لدى تنظيم الدولة، فالفراغ الإعلامي المجابه لتنظيم الدولة لازال ضعيفًا أو حتى أحيانًا هزيلاً ويستند على مفاهيم غير مقبولة مجتمعيًا كترديد مصطلح “الإرهاب” وغيره، وهذا ينطبق على إعلام الفصائل المسلحة أو حتى الإعلام الرسمي العربي العام والخاص.
لماذا ينجح تنظيم الدولة في وسائل الإعلام؟
عوامل كثيرة مجتمعة تحقق النجاح لإعلام تنظيم الدولة منها:
– تنظيم الدولة هو المنظمة المسلحة الأولى من نوعها التي تعي وتدرك أهمية الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
– يوجد جيش من المدوّنين والكتاب والمتفرغين لمتابعة الإعلام الاجتماعي والذين يعملون لصالح تنظيم الدولة.
– هناك أكثر من 12000 ألف حساب تويتر مرتبطين ومساندين لتنظيم الدولة.
– اللامركزية في الدعاية: وسعّ تنظيم الدولة من التحكّم في رسالته وخطاباته بالتخلي عن التحكّم فيمن يرسل له ويستقبل رسائله من خلال المتعاطفين معه وهذا أمر جديد لم تشهده وسائل الإعلام التقليدية.
– استخدام ما يسمى قنابل تويتر “الهاشتاجات”، عبر متابعة أكثر الهاشتاجات رواجًا على تويتر، مثل هاشتاج كأس العالم 2014، ويرسلون رسائل باستخدامها حتى يراها كل متابع لذلك الهاشتاغ، حتى ولو لم يكن مهتمًا بما يقوله تنظيم الدولة.
– هناك الملايين من البشر حول العالم ممن يلتقطون رسائل تنظيم الدولة، ولدى التنظيم وصول مُذِهل، وهم يطمحون فقط لاستهداف 1 أو 2 بالمائة ممن تصلهم الرسالة.
– يستخدمون تويتر في الخليج، ولكن في سوريا والعراق يستخدمون الفيسبوك.
– يرسلون رسائلهم بكافة اللغات، حتى الهولندية.
– تنظيم الدولة يستخدم وسائل التواصل المغمورة نسبيًا مثل كويتر ودياسبورا، ويضعون روابط لهم على جاست بيست دوت أي تي (Justpaste.it)، وهو موقع بولندي، لمشاركة الأفلام والبيانات. (2)
الوسوم “الهشتاغ” عند تنظيم الدولة
في الوقت الذي لا يعرف الكثير معنى الوسم أو “الهشتاغ”، فإن تنظيم الدولة يستخدمه باحترافية عالية في معظم تغريداته، وفي تويتر على وجه الخصوص.
التراند الدولي، المينشن: والتي يدخلون فيها إلى كل تجمعات المغردين هي سمة واضحة لمن يستخدم تويتر من أنصار تنظيم الدولة.
يستعرض أحد المواقع المساندة لتنظيم الدولة خاصية الهاشتاغ فيذكر فيها:
الوسوم هي خاصية فريدة تقوم بتصنيف الإصدارات والتقارير حسب محتواها، بحيث تجد في صفحة الوسم كل الإصدارات والتقارير التي تخص أمر معين مثل (المحاكم الإسلامية وتطبيق الحدود – الخدمات العامة – إزالة معالم الشرك – ديوان الزكاة – …. إلخ)، أيضًا هناك وسوم للولايات بحيث تجد لكل ولاية وسم تجد به إصدارات المكتب الإعلامي للولاية والتقارير الخاصة بها أو أي شيء يخصها، من الممكن أن يكون أكثر من وسم لإصدار واحد في نهاية كل إصدار أو تقرير الوسوم الخاصة به، كما أنه قد تجد الوسوم فى أي صفحات أخرى ونخطط لإضافة ذلك قريبًا. (3)
الإغراق المعلوماتي لتنظيم الدولة
الباحث الأمريكي المهتم بشؤون الجماعات المسلحة جي ام بركر يقول: إن عدد التغريدات في تويتر كان كافٍ بحيث تظهر عبارة “قادمون يا بغداد” أو غيرها من العبارات المرتبطة بها، إذا ما كتبت كلمة “بغداد”، بحيث تظهر تغريدات محددة استطاع تنظيم الدولة استثمار تويتر من خلالهم. (4)
انتهج تنظيم الدولة سياسة الإغراق المعلوماتي في كل وسائل التواصل الاجتماعي، فتجد تويتر والفيسبوك وباقي الحسابات المهمة فيها كم ترويجي لا يمكن حتى للباحث أن يتابعه من كثرته وسعته وعدده، وتجد هذا الإغراق المعلوماتي في عدد من المواقع المهمة والتي يكثر التعليق والنقاش فيها على المواضيع التي تتناول شأن تنظيم الدولة.
وعلى سبيل المثال تم نشر مقطع فيديو قتل الصحفي الأمريكي “جاميس فولاي” حوالى 24 ألف مرة، واختفى بعدها.
وأعلن المتحدث باسم شركة غوغل عن إجراء تحقيق واسع حول كيفية قيام تنظيم الدولة باستغلال غوغل بلاي Google play لبيع تطبيق رسمي ينشر أخبار التنظيم The Dawn of Glad أولاً بأول مستغلاً حسابات تويتر لمستخدميه لإرسال أكثر من 40000 تغريده نيابة عن التنظيم دون معرفتهم خلال يوم واحد إبان الهجوم على الموصل. (5)
هذا المقال يأتيكم ضمن ملف “مستقبل القوة” على نون بوست، يمكنكم أيضا قراءة المقال الأول حول حروب الفضاء الإلكتروني والثاني حول التسريبات الاقتصادية وكيف تعمل كأداة حرب في المستقبل، والثالث حول الجيش الأمريكي وإعادة بنائه ليوائم الحروب القادمة، والرابع، وهو الجزء الأول من هذا المقال حول إعلام تنظيم الدولة بين الاحترافية والتأثير
——————–
(1) صفحة 38 و39 من مجلة دابق – العدد السادس، ربيع الأول 1436هـ.
(2) ملخص حوار مع علي صوفان بمجلة شبيجل الألمانية، عميل المباحث الفيدرالية الأمريكية (الإف بي أي) السابق “ترجمة نون بوست” بتصرف.
(3) موقع “إصدارات تنظيم الدولة”، قسم الهاشتاك .
(4) برنامج قناة الحرة الأمريكية الناطقة باللغة العربية في برنامج “تقرير خاص” بتاريخ 17-12-2014.
(5) القدس العربي 21-6-2014.