ترجمة وتحرير نون بوست
كتب مايكل فيليبس ودرو هنشاو:
أدى انخفاض أسعار الماشية وارتفاع أسعار المواد في تشاد إلى مساعدة تشاد في إيقاف مد جماعة بوكو حرام في نيجيريا، التي تعاني من معركتها المتواصلة منذ ست سنوات مع هذا التنظيم المتشدد.
عملت بوكو حرام التي تعيث فسادًا في شمال شرق نيجيريا والتي هاجمت دولة الكاميرون المجاورة في يناير الماضي، على تضييق الخناق على الرعاة الذي يعملون بتصدير الماشية من تشاد إلى الأسواق النيجيرية، حيث تعد الماشية أهم الصادرات التشادية، كما عملت الجماعة المتشددة المسلحة على إيقاف تدفق السلع المصنعة إلى العاصمة التشادية أنجمينا؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعار المواد اليومية بشكل جنوني.
هذا الخنق الممارس من قِبل بوكو حرام على طرق التجارة التشادية، حفّز تشاد – الجار الداخلي الفقير لنيجيريا – على حمل السلاح للدفاع عن مقدراته الاقتصادية، والآن أصبح الجيش التشادي – الذي يعتبر من أعتى جيوش أفريقيا وأكثرها رهبة – في موقع الهجوم ضمن نيجيريا، وفتح نيرانه ضمن الصراع مع بوكو حرام، الذي حصد على مدى السنوات الماضية عشرات الآلاف من الأرواح، وشرد أكثر من مليون شخص، وشهد اختطاف الجماعة لآلاف المراهقين والأطفال والنساء.
يقول العميد التشادي الجنرال زكريا نغوبونغو “لدينا في تشاد طريقين للوصول إلى البحر الأول من خلال نيجيريا والثاني من خلال الكاميرون، وهذين الطريقين يشكلان فتحتي الأنف اللتان تتنفس منهما تشاد، أحد هاتين الفتحتين مختنقنة وممتلئة أصلاً ولا يمكن التنفس منها، وإذا تم إغلاق الفتحة الأخرى، كيف ستتنفس الدولة؟”.
يتوقع قادة عسكريون أفريقيون عودة الجيش التشادي من نيجيريا بأسرع وقت ممكن – كما فعل في الاعتراضات الإقليمية السابقة – وذلك خوفًا من الانغماس والغرق بشكل كامل في مكافحة التمرد الذي طال أمده في نيجيريا، ولكن يحذر البعض أن خروج تشاد السريع من نيجيريا سيهدد بزعزعة الوضع على الأرض مما سيعمل لصالح جماعة بوكو حرام، ولهذا يقول اللواء عبد الرحمن يوسف مري قائد القوات الخاصة التشادية لمكافحة الإرهاب “يجب على نيجيريا الالتزام وأن تكون جاهزة للمشاركة”.
لسنوات عديدة شكك المسؤولون النيجيريون برغبة تشاد في التعاون مع نيجيريا لمحاربة التطرف، أما تشاد والنيجر والكاميرون فقد نظروا إلى بوكو حرام على أنها مشكلة داخلية يجب على جارتهم الغنية بالنفط معالجتها وحدها، خاصة بعدما حوصرت هذه البلدان بدول متهاوية مثل جنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وليبيا، حيث بدأ تهاوي هذه الدول منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي، الذي كان يدعم العديد من دول الجنوب الليبي.
ولكن دخول تشاد إلى نيجيريا في يناير الماضي حفز الدول الأخرى لكي يحذوا حذوها؛ ففي هذا الشهر، أرسلت النيجر حوالي 2000 جندي للقتال على طول الحدود النيجيرية، كما قدمت فرنسا لتشاد والنيجر- المستعمرتين الفرنسيتين السابقتين – خدمات لوجستية واستخباراتية متأتية عن طلعات مراقبة جوية، حسبما أفاد مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية.
بالإضافة إلى ما تقدم، تقوم القوات الخاصة الأمريكية بتدريب جنود مكافحة الإرهاب التشاديين في تدريبات عسكرية سنوية تضم جيوش متعددة الجنسيات جارية الآن في تشاد، هذه التدريبات – التي تشمل قوات الكوماندوز البحرية النيجيرية – تهدف إلى إعداد وتجهيز القوات المحلية لمكافحة الجماعات المتطرفة، حيث يشير الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان في مقابلة له في مطلع هذا الشهر أن واشنطن تتطلع أيضًا لتزويد نيجيريا بمركبات مقاومة للألغام، وأضاف “سابقًا، لم تلتزم هذه البلدان (الغرب أفريقية) بأي عمليات مشتركة، حتى إن السلطات الكاميرونية اعتادت أن تغضب لاضطرارنا لدخول أراضيها بسبب عدم التنسيق والتعاون فيما بيننا”.
ولكن هذا الوضع تغير الآن مع دخول القوات التشادية، حيث أصبحت الهجمات الجماعية تلقي بزخم المعركة في مواجهة بوكو حرام، بعد أن استولت الأخيرة على العديد من البلدات والقرى في شمال شرق نيجيريا؛ فقبل أسابيع فقط، استطاعت الجماعة المتشددة السيطرة على مساحات من الأراضي تعادل مساحة بلجيكا، وفي الأسابيع الأخيرة، استطاع الجيش التشادي تحرير منطقة على امتداد 200 ميل تشمل بلدات على طول طريق شمال شرق نيجيريا، ويوم السبت الماضي ساعدت القوات التشادية الجيش النيجيري على استعادة السيطرة على بلدة باجا، وهو المكان الذي ارتكبت به بوكو حرام في يناير الماضي مجزرة قُتل فيها المئات – إن لم يكن الآلاف – من السكان حسب شهود عيان.
هذه التقدّمات ساعدت على تراجع بوكو حرام إلى الجبال في شمالي البلاد على ما يبدو، وهناك استطاعت الجماعة بناء مجموعة من الكهوف مسبقاً حسبما يشير مسؤولون نيجيريون، ولكن بالتوازي مع تراجع مسلحي بوكو حرام ازداد عنف عملياتها، حيث قامت الجماعة المتشددة يوم الأحد الماضي بربط عبوات متفجرة حولي فتاة تبلغ 10 سنوات، وأرسلتها إلى سوق في شمال نيجيريا، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، كما عمدت الجماعة يوم الثلاثاء إلى القيام بهجومين انتحاريين منفصلين على محطات للحافلات، وأدت العمليتان بالمجمل إلى مقتل 26 شخصًا.
لاحقت اتهامات منظمات حقوق الإنسان الجيش التشادي في معاركه السابقة؛ ففي عام 2011، قالت منظمة العفو الدولية إن الحكومة التشادية جندت فتيان لا تتجاوز أعمارهم 13 عامًا ضمن الجيش، ولكن يوم الإثنين الماضي قال العقيد موسى خصيم، وهو ضابط كبير في قوات محاربة الإرهاب التشادية، للزعماء المحليين في بلدة ماو إن “الجيش التشادي غيّر أساليبه، لدينا جيش مجهز تجهيزًا جيدًا، ومدرب تدريبًا جيدًا ويتصرف بشكل جيد”، وأضاف”لم يعد الجيش كما كان سابقًا”.
في ذات الوقت أشار الجيش النيجيري مؤخرًا أن قواته تسعى لاقتحام غابات سامبسيا، وهي الغابات التي تتمركز فيها بوكو حرام والتي قادت إليها مجموعة من التلميذات الـ 276 اللواتي خطفتهم الجماعة من بلدة تشيبوك المجاورة في أبريل الماضي، حيث قال الرئيس جودلاك في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون هذا الشهر، إنه يأمل في أن تستطيع الحملة تحرير الفتيات الأسيرات المتبقيات.
حتى وقت قريب، لم يستطع الجيش النيجيري تحرير سوى عدد قليل جدًا من رهائن بوكو حرام، حيث غالبًا ما يستغرق الجيش عدة أيام للرد على هجمات الجماعة، ولكن هذا الوضع يتغير الآن، حيث استطاع الجيش النيجيري بمساعدة الصيادين المحليين، تحرير وإنقاذ مجموعة مؤلفة من 162 رهينة تم أسرها لمدة ثلاثة أسابيع في سجن مؤقت في شمال شرق نيجيريا، وأشارات أحد الرهائن أمينة يوسف (45 عامًا) التي اُختطفت في أواخر يناير، أنه في يوم الثلاثاء الماضي استطاعت الخروج من نافذة السجن لترى أن الخاطفين فروا من المنطقة بعد دخول الجيش النيجيري.
على خلفية هذه الأحداث حذر مسؤولون أن التحالف متعدد الجنسيات لقتال المتشددين في نيجيريا قد لا يدوم، حيث توقع الرئيس النيجيري أيضًا عدم استدامة هذا التحالف، حين أوضح في حديثه أن لكل بلد سبب معين وغاية معينة للاشتراك في المعركة، وأوضح أن العمليات العسكرية ستظل منقوصة ومتصدعة، لأن التشاديين يقتالون لتحقيق غاية معينة، والقوات الكاميرونية تحارب لتحقيق غاية أخرى.
لطالما ترددت تشاد في الاشتراك بالمعركة التي تدور رحاها في جارتها نيجيريا، ولكن هذا التردد انتهى بعد الاعتداء الذي جرى على تجارة المواشي التشادية، حيث يعمد مربو الماشية على السير بقطعانهم مشيًا على الأقدام من تشاد إلى مسافة صغيرة ضمن الكاميرون ومن ثمّ إلى نيجيريا التي يتم فيها نقل الحيوانات في شاحنات إلى مدن مثل لاغوس، العاصمة التجارية لنيجيريا، وتشكّل صناعة الثروة الحيوانية أهم قطاعات الاقتصاد التشادية كونها تشغّل أكثر من ثلث التشاديين، كما أن هذه الصناعة تسهم في حوالي نصف إجمالي صادرات التشاد، حسب إحصاءات وزارة الثروة الحيوانية التشادية.
قام مقاتلو بوكو حرام بالاعتداء على تجارة الماشية التشادية عن طريق سرقة الماشية وخطف أو قتل الرعاة الذين يمرون عبر الأراضي التي يحكمونها في نيجيريا، حيث تشير تقارير وزارة المالية التشادية إلى خسارة حوالي 8000 رأس من الماشية بسبب المتشددين، وفي يناير قالت الحكومة النيجيرية إنها كشفت مؤامرة بوكو حرام المتمثلة بخطف الأبقار ولفها بعبوات متفجرة، ثم إطلاقها لتفجيرها في المناطق المزدحمة.
هذه الأوضاع أدت إلى إحجام الرعاة عن الخروج في الرحلة من تشاد إلى نيجيريا خوفًا من الأخطار التي قد يتعرضون لها، وبالنتيجة أدى هذا الوضع إلى كساد الماشية في الأسواق التشادية، وانخفاض سعرها إلى أكثر من النصف، وتزامن هذا الانخفاض مع وقف تدفق السلع إلى تشاد نتيجة لتواجد جماعة بوكو حرام، مما أدى بالنتيجة إلى ارتفاع أسعار المواد اليومية بشكل جنوني.
تشاد تنعدم فيها الصناعات تقريبًا، وسكانها يأكلون ويلبسون ويعيشون على السلع المستوردة، والتي غالبًا ما يتم نقلها من ميناء دوالا الكاميروني عبر السكك الحديدية أو الشاحنات لمسافة 700 كيلومتر لتصل إلى انجمينا، ولكن منذ ظهور بوكو حرام لم يعد هناك إمكانية لاستخدام هذه الطرقات بدون المخاطرة بفقدان البضائع، حيث يشير تاجر حفاضات في أنجمينا إلى ندرة وجود هذه السلعة في الأسواق التشادية مما أدى إلى ارتفاع سعرها من 8.75$ إلى 12.30$ للكيس الواحد، كما يشير تاجر آخر إلى أنه اضطر إلى رفع الأسعار بنسبة 50% كون بوكو حرام أجبرته على ذلك، حيث يقول “الأمر الذي لا يفهمه الناس هنا هو لماذا لا تقوم نيجيريا بمحاربة بوكو حرام، لماذا ينتظرون من تشاد أن تحاربهم؟”.
المصدر: وول ستريت جورنال