ترجمة وتحرير نون بوست
في 17 فبراير الجاري عقد العاهل السعودي الملك سلمان لقاء مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، خلال زيارة الأخير إلى الرياض، هذا الاجتماع جاء بعد أيام فقط من تصريح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي قال فيه “ليس لدينا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد”، وهذه الأقوال والاجتماع حفّزا العديد من المراقبين لتوقع أن الملك الجديد قد يغير من سياسة عدم التسامح تجاه جماعة الإخوان المسلمين المدعومة من قطر إلى سياسة التعامل الفاتر مع الجماعة.
إن من يتوقع تغيير وجهة النظر السعودية تجاه جماعة الإخوان المسلمين يغفل نقطة رئيسية، متمثلة بدراسة طبيعة الإخوان المسلمين ومقارنتها بهيكلية الدولة السعودية، فهذه المقارنة تُظهر أن المصالحة الإستراتيجية بين السعودية والإخوان مستبعدة إلى حد كبير؛ فالسعودية تتمتع بنموذج سلفي هادئ، وهذا النموذج يتناقض بشكل صارخ مع وجهة النظر الدينية لجماعة الإخوان المسلمين، كون هدف الجماعة النهائي هو الشكل الجمهوري للدولة، وهذا النظام يشكل تهديدًا على المدى الطويل لنظام الحكم في السعودية، أما في المدى القريب، فإن إسلاموية الإخوان المسلمين تهدد بزعزعة استقرار الدول العربية، خصوصًا الحكومة العسكرية في مصر، في الوقت الذي تتداعى فيه دول العالم العربي.
تصاعد التهديدات الإقليمية
على الرغم مما تقدم وفي الوقت الحالي، لا تشكل جماعة الإخوان المسلمين التهديد الأكثر إلحاحًا على المصالح السعودية – خاصة بعد انقلاب عام 2013 في مصر والذي أبقى الجماعة تحت السيطرة -، كون التهديد الأكبر على مصالح الرياض وباقي الدول العربية يأتي من تنظيم الدولة الإسلامية، خاصة بعد سيطرته على مناطق واسعة بين حدود سوريا الشرقية والعراق الغربية، وأهداف تنظيم الدولة الإسلامية المتمثلة بإقامة الخلافة الدولية وتكتيكات هذا التنظيم المتشددة، تشكل خطرًا واضحًا ومحدقًا بالدول العربية، على عكس منهج الإخوان المسلمين الذين يسعى لإقامة دولة إسلامية من خلال الوسائل الديمقراطية، وهو النهج الذي قد يشكل تهديدًا على المدى الطويل نسبيًا.
بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين والدولة الإسلامية، تواجه المملكة العربية السعودية أيضًا إيران وقطر وتركيا والنظام السوري، وكذلك تنظيم القاعدة والجماعات الشيعية العربية والقوى المؤيدة للديمقراطية السعودية سواء داخل البلاد أو خارجها، جميع هذه الأخطار تواجهها السعودية بشكل متزامن مع بداية التقارب الإستراتيجي للولايات المتحدة – الحليف السعودي التقليدي – مع إيران – العدو العرقي والطائفي لأغلب العالم العربي -، حيث عملت هذه العلاقة المزدهرة على تفاقم التوترات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ مما اضطر الرياض لمواصلة سياستها الخارجية الأحادية الجانب.
خلال الفترة الماضية وحتى الآن عملت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت على إنفاق مبالغ طائلة لاحتواء الفوضى المتزايدة في المنطقة – وهذا كان صعبًا في ظل تراجع أسعار النفط – خوفًا من أن تسمح الاضطرابات لإيران بتوسيع بصمتها الإقليمية الجيوسياسية في المنطقة، ومع صعود حركة الحوثيين – المدعومة إيرانيًا – في اليمن التي تشكل الخاصرة الجنوبية للسعودية، تجد الرياض نفسها منخرطة على نحو متزايد في صراع مع إيران وحلفائها، بالإضافة إلى صراعها مع تنظيم الدولة الإسلامية.
ما بين هذين التحديين، يجب على الرياض أولاً مواجهة الدولة الإسلامية قبل إيران، كونه كلما قامت السعودية بتكثيف حدة الصراع الطائفي ضد إيران في هذه المرحلة، كلما ازدادت المساحة التي تفسحها أمام نشاط الجهاديين في المنطقة، والدولة الإسلامية ستستفيد – بلا شك – من هذه المساحة المفتوحة، خاصة في ظل استغلالها منذ ظهورها في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 للجغرافيا السياسية للصراع الطائفي في المنطقة بمهارة منقطعة النظير، والمملكة السعودية تدرك أنه يجب عليها جمع تحالف واسع من العرب السنة لمحاربة هذه الجماعة المتشددة بنجاح؛ وهذا ما اضطر الرياض إلى إعادة التفكير في جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد الخصم الرئيسي للحركة الجهادية والحليف المحتمل للتحالف السني.
ثمن إعادة التقارب
المملكة العربية السعودية سبق لها التعامل مع الإخوان المسلمين؛ فخلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عملت الرياض مع الحركة الإسلامية لاحتواء خطر القوى الوطنية اليسارية العربية، وأبرزها حركة جمال عبد الناصر، مؤسس الحكومة العسكرية في مصر، ونتيجة لهذا نجد اليوم عناصر سعودية وأجنبية داخل حدود المملكة متعاطفة مع الإخوان المسلمين، والرياض يمكنها الاعتماد على هذه العناصر للتوصل إلى تشذيب علاقة جديدة مع الإخوان، ولكنها مع ذلك تخاطر بقيامها بهذا الإجراء، كون جماعة الإخوان قد تضع ثمنًا باهظًا لتحقيق هذا التعاون؛ فمن المرجح أن تطلب جماعة الإخوان المسلمين من المملكة العربية السعودية الضغط على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتخفيف حملته العسكرية والإعلامية على الحركة، ولكن الرياض لا تسعى لتقوية جماعة الإخوان ضمن مسعاها لمحاربة الدولة الإسلامية، كما أنها لا تريد إضعاف الحكومة المصرية.
إن الكراهية المستشرية لجماعة الإخوان داخل المؤسسات السياسية والدينية السعودية، تضع المملكة أمام معضلة أخرى قد تؤدي إلى خلافات داخلية حول الخيارات السياسة السعودية، وبذات الوقت تُبدي القاهرة قلقها حول التقارير الأخيرة التي تلمح إلى سعي الملك السعودي الجديد إلى تغيير سياسة السعودية تجاه الإخوان؛ فعلى الرغم من أن مصر تدرك أن هذه الخطوات هي عبارة عن خطوات تكتيكية، إلا أنها لاتزال متخوفة من احتمالية إضعاف الحكومة العسكرية المصرية في الوقت الذي تكافح فيه لدعم الاقتصاد السياسي بالاعتماد على دول الخليج.
مصر قلقة أيضًا من أن عناصر من داخل مؤسستها الأمنية، قد عملت على تسريب أحاديث سرية لمسؤولين حكوميين، إلى المؤسسات الإعلامية التي تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين ووكالات الأنباء الدولية المتعاطفة مع الجماعة، هذه التسريبات جاء فيها بصوت السيسي أن دول مجلس التعاون الخليجي “معاهم فلوس زي الرز”، ولـمّح إلى أن مصر تستحق حصة من هذه الثروة، وفي التسجيل يظهر صوت اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، حيث يصف دول الخليج بأنها “أنصاف دول” عليها أن “تدفع”، لأنهم “عايشين حياتكم بالطول والعرض وفلوسكم متلتلة ومتكدسة قد كده”، وعلى الرغم من أن هوية المسرِّب والنية خلف التسريب ماتزال غير معروفة بعد، إلا أن هذه التسريبات يمكن أن تفاقم ذعر القاهرة، وخصوصًا في ظل ما يبدو على أنه إعادة نظر للسعودية في سياستها تجاه الإخوان المسلمين.
إن التحول في السياسة السعودية تجاه الإخوان والذي يتم تشجيعه من قطر والكويت – اللتان لم تتخذا موقفًا صريحًا ضد الجماعة – قد يهدف إلى تعزيز الوساطة ما بين القاهرة والإخوان، حيث يرى الملك السعودي وحلفائه أن الجماعة يمكن أن تتم السيطرة عليها من خلال الحفاظ على العلاقات معها بدلاً من عزلها، ومع ذلك، فإن مثل هذه السياسة ستخلق خلافات بين الرياض والقاهرة، وكذلك بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة؛ فالأخيرة على عكس السعودية، لا تعتمد هيكليتها على الطابع السلفي؛ مما ساعدها على حفظ موقعها ككيان مضاد لجماعة الإخوان المسلمين، حيث عملت الإمارات خلال الفترة الماضية على تضييق الخناق على خلايا الإخوان المسلمين المتواجدة ضمن أراضيها.
بناء على ما تقدم، فإن دخول الرياض في تنسيق تكتيكي مع الإخوان المسلمين سيكون أمرًا صعبًا؛ فعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين قد تكون أداة مفيدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن أي تحول في الموقف السعودي تجاه الإخوان سيحمل معه الكثير من المخاطر، لهذا السبب، من غير المرجح تطور نضال المملكة العربية السعودية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
المصدر: ستراتفور