كانت البدايات من خلال موقع الفيسبوك على منوال ثورات الربيع العربي في تونس ومصر، عندما أعلن نشطاء مغاربة عن جملة من الأهداف التي التف حولها طيف واسع من الشعب المغربي مواطنين وشخصيات ومنظمات وهيئات مدنية وحزبية.
فالحركة كما عرفت نفسها سنة 2011 تقول إن أعضاءها هم من المغاربة الذين يطالبون بجملة من الإصلاحات السياسية والاجتماعية، وهدفهم العيش بكرامة في “مغرب حر وديمقراطي”، وتؤكد استقلاليتها عن كل التنظيمات والأحزاب السياسية.
وقد طالبت الحركة في بيان لها نُشر يوم 17 فبراير 2011، بدستور جديد يمثل الإرادة الحقيقية للشعب، وحل الحكومة والبرلمان وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تخضع لإرادة الشعب، كما طالبت بقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة من وصفتهم بالمتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب ثروات البلاد، والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، مع الاهتمام بالخصوصية المغربية لغة وتاريخًا وثقافة، بالإضافة إلى الدعوة إلى إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وإطلاق الحريات، وتشغيل العاطلين عن العمل، وضمان حياة كريمة والحد من غلاء المعيشة ورفع الأجور وتعميم الخدمات الاجتماعية.
وأنهت البيان بدعوة عامة إلى جعل يوم 20 فبراير يومًا وطنيًا سلميًا للكرامة، والتزامها بالعمل مع الجميع لتوحيد الجهود من أجل الكرامة والعدالة والمواطنة.
زيادة التحركات أدت كما نعلم جميعًا إلى جملة من الإصلاحات لعل أبرزها التعديل الدستوري وحل البرلمان وإقالة الحكومة، ورغم مرور 4 سنوات على إطلاقها، تختلف النخبة المغربية في تقييم هذه التجربة حسب نسبة رضا كل فئة على المنجز ومقارنته بالمنشود.
ثمار حركة 20 فبراير .. حمل كاذب!
نقلت مجلة الميدل إيست انطباع محمد المسير، وهو صحفي وعضو مؤسس في تنسيقية حركة 20 فبراير في مدينة الرباط وعضو منظمة “أطاك ATTAC” المناهضة للعولمة الليبرالية، قوله إنه لا يشعر بوجود تغيير حقيقي في البلاد بل إن الدولة عادت إلى غطرستها، على حد تعبيره، وبأن الدولة تأخذ بيسراها اليوم ما قدمته باليمنى من تنازلات للنشطاء الذين طالبوا بالإصلاحات، كما قال إن الحركة فقدت بريقها والدليل أن الاحتفال بذكراها الرابعة لم يتم إلا في عدد قليل من المدن ولم يُؤثّثه سوى بعض المئات من الأفراد.
تجدر الإشارة إلى أن التقاط الملك لإشارات التحركات الشعبية التي تلت الإعلان عن أهداف الحركة وخروجه يوم 9 مارس بخطاب استجاب فيه لبعض مطالب الحركة وعلى رأسها إخراج دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها، وهو ما رحبت به قطاعات واسعة من المجتمع السياسي والمدني المغربي بل وانخرطت في تنزيل مضمونه، إلا أن قوى اليسار الراديكالي وجماعة العدل والإحسان المحظورة لم تنسحب من الشارع إلى حين تنظيم الانتخابات التي دفعت نتائجها الجماعة الإسلامية إلى الانسحاب من الحركة ليجد اليسار نفسه غير قادر على التعبئة وهو ما دفعه هو الآخر إلى ترك الشارع وبالتالي إعلان حالة الموت السريري لهذه الحركة، وإن كان بعض مكوناتها غير مقتنعين بمدى توفقها في تحقيق أهدافها.
وبحسب الصحيفة ونقلاً عن أرقام للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، اعتقلت السلطات قرابة 2000 ناشط في الفترة التي تلت موجة التحركات، أغلبهم تم إطلاق سراحهم بعد ساعات من الاعتقال، إلا أن العشرات تم الاحتفاظ بهم في مراكز الإيقاف، ثم محاكماتهم بقضايا حق عام كتهم استهلاك المخدرات والاعتداء على المراكز الأمنية رغم إنكار السلطة لوجود محاكمات سياسية لمغرب ما بعد التعديل الدستوري.
في المغرب إذن يوجد نفس متشائم لا ينظر بعين الرضا لما تحقق، بل إن هناك من يعتبر أن المخزن (نسبة لسلطة الملك) نجح في امتصاص تلك الهبة الشعبية وبأن البلاد سائرة للعودة إلى ما قبل 20 فبراير.
نظرة أقل تشاؤمًا
نظرة أقل تشاؤمًا لمسناها عند الناشط السياسي المغربي الشاب بلال كركيكش الذي اتصلت به نون بوست لمعرفة تقييمه لما تحقق خلال 4 سنوات، فحسب تقديره، كشفت الحركة في بدايتها عن فشل الرهان على التغيير من داخل مؤسسات غير ذات تمثيلية شعبية وصلاحيات حقيقية ومصداقية، وأقنعت قطاعًا واسعًا من المجتمع بأن التغيير العميق يبدأ من الشارع الذي يفرض تغييرًا حقيقيًا؛ مما خلق حركية سرعت في وتيرة الإصلاح والتغيير في البلاد من خلال فتح ورشات إصلاح الدستور ونظام الانتخابات وإجراء انتخابات سابقة لأوانها أفضت إلى إعادة تشكيل موازين القوى من جديد حسب الحضور الشعبي والسياسي لكل طرف.
وفي تعليقه على الوضع الحالي لمجريات الأمور، قال بأنه يمكن الجزم بوجود تعثر أو تراجع بالمقارنة مع ما طالب به الشباب المغربي، وأضاف أنه لا يحبذ الحديث عن فشل في المسار، وبأن ما تشهده المغرب اليوم من ممارسات وارتدادات مؤشر على عدم قدرة النخب والهيئات على سد الفراغ الذي تركته الحركة في الساحة، ومؤشر على أن السلطة لم تكن جادة في تبنيها للخيار الديمقراطي بكل تبعاته، وكذلك على عودة عدم الثقة الشعبية في العملية السياسية برمتها.
كما حمل الحركة نفسها (20 فبراير) جزء من المسؤولية لأنها عجزت عن تحقيق انصهار حقيقي لمكوناتها يرتقي بالعمل المشترك من مجرد التقاء موضوعي وميداني أفرزته لحظة تاريخية إلى قوة مجتمعية تتجاوز منطق الاحتجاج إلى منطق اقتراح خارطة طريق لدمقرطة السلطة والمجتمع، وبالنسبة إليه فإن أصل المشكلة يعود إلى فشل الحركة في تجنيب مكوناتها، خلال لحظات حاسمة، النقاش الهوياتي ومخلفات صراعات الماضي وطغيان حسابات المستقبل، لصالح نقاش عمومي يستحضر متطلبات كل مرحلة على حدة.