مع الإعلان عن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية، التي ستبدأ في 28 فبراير الجاري تتحول مؤشرات تبدل السياسة السعودية الخارجية إلى وقائع، فيما أنعشت زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، إلى الولايات المتحدة واللقاءات التي أجراها مع الرئيس باراك أوباما، علاقة الدوحة بواشنطن، واستعادت بعض ملامح الخطاب الأمريكي الداعم لقضية الشعب السوري، بعدما أجمعت التحليلات على أن واشنطن تخلت تمامًا عن هذا الخطاب لصالح المحادثات النووية مع طهران، وتشير هذه التحولات إلى أن المنطقة مقبلة على تحالفات جديدة، طال انتظارها على الرغم من مسيس الحاجة إليها.
اللافت في زيارة أردوغان أنه بمجرد الإعلان عنها رسميًا، أُعلن عن أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سيجري زيارة هو الآخر إلى الرياض، قد تتوج بلقاء مع العاهل السعودي الملك سلمان، قبل لقاء الأخير بأردوغان، على اعتبار أن الرئيس التركي سيقضي نحو أربعة أيام في الأراضي المقدسة، في مستهل الزيارة.
صحيفة اليوم السابع المحسوبة على نظام السيسي قالت إن الرئيس المصري سيبحث مع العاهل السعودي إحياء جهود المصالحة مع قطر التي كانت تقودها السعودية، وتوقفت بوفاة الملك عبد الله، وهو أول مؤشر يبرز حاجة القاهرة إلى المصالحة مع الدوحة لا العكس، على الرغم من تصاعد التوتر في العلاقة بين الطرفين مجددًا، ما يشي بأن نظام السيسي يتوجس من زيارة أردوغان للرياض كثيرًا، ويرجو من خلال فتح ملف كان موضع اهتمام السعودية إلى استحضار خطوطها الحمراء (القديمة) إلى الطاولة، لعله يعرقل مسار العلاقات التي تتحسن بإطراد بين أنقرة والرياض، وهناك من يرى أن النظام المصري وإن كان يخشى استمرار التحول الذي تشهده المنطقة، خاصة التقارب التركي السعودي، بيد أنه لا يطمع بأكثر من ضمان عدم تعرضه لعزلة إقليمية من جراء هذا التحول.
صحيح أنه من غير المرجح أن يكون التقارب بين تركيا والسعودية على حساب علاقة الأخيرة بمصر السيسي، إلا أن ما يدعو قادة النظام المصري للقلق هو أن إصلاح العلاقة بين المملكة وبين كل من قطر وتركيا كان أمرًا مرهونًا – بالنسبة للرياض – بالتطبيع مع السيسي وهو الشرط الذي يبدو أنه أصبح بحكم الملغى مع اكتمال تطبيع العلاقة بين الدوحة والرياض بالتزامن مع انهيار المصالحة بين قطر ومصر، وكذلك الحال بالنسبة لزيارة أردوغان للرياض.
وعلى صعيد زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، إلى الولايات المتحدة، فقد بدا أن الزيارة لم تكن عادية أو روتينية، بل تضمنت حديثًا حول أخطر القضايا الساخنة في المنطقة، من تنظيم الدولة وآلية القضاء عليه إلى توسع النفوذ الإيراني، والعراق وسوريا واليمن، واللافت أن الأمير القطري لم يقتصر في التعبير عن وجهة نظر قطر على الجلسات المغلقة، بل كتب مقالاً في جريدة نيويورك تايمز بعنوان “رسالة إلى أوباما”، انتقد فيها السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة في المنطقة، وتغاضيها عما يؤدي إليه استمرار الطغاة من أمثال بشار الأسد في سدة الحكم، والمعاناة الإنسانية المتواصلة من جراء ذلك، الأمر الذي يوفر البيئة الخصبة لانتشار التطرف ونمو التنظيمات العنيفة، وكذلك الحال بالنسبة للانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
وكتجاوب أولي على مقترحات أمير قطر، صرح أوباما، في مؤتمر صحفي ضم الزعيمين، أن سوريا “لا يمكنها أن تستقر تمامًا إلا برحيل الرئيس بشار الأسد”، ولفت في الوقت نفسه إلى أن كلا البلدين ملتزمان بهزيمة تنظيم الدولة، وتزامن ذلك مع تصريحات لوزير الخارجية، جون كيري، اتهم فيها إيران بالمساهمة في انقلاب الحوثيين باليمن، مؤكدًا أنها قدمت دعمًا ساهم بشكل كبير في سيطرة جماعة الحوثي على اليمن وانهيار الحكومة اليمنية، وذلك بخلاف المواقف الأمريكية التي دابت مؤخرًا على تجنب توجيه اتهامات مباشرة لطهران سعيًا لإنجاح مفاوضات الملف النووي.
وبعد أن قضت الدول العربية، وخاصة الخليجية، أكثر من عام ونصف في موقع المنتظر لموعد اتفاق القوى العظمى وإيران على تقليص برنامجها النووي، إلا أنه موعد يبدو أنه لايزال بعيد الوقوع، وتبدو حالة الترقب والانتظار، مراعاة للسياسة الأمريكية، بدأت تعود بالويلات على المنطقة وضاعفت أزماتها، نظرًا لشعور إيران بالتفوق وعدم وجود حلف إقليمي يتصدى لتوسعها المخيف، ومع زوال فوبيا الإخوان، نسبيًا، التي كانت تطبع سياسة السعودية مع وفاة الملك الراحل، أصبح الطريق ممهدًا أمام إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية القائمة.
ونظرًا لأن التوسع الإيراني يشكل العامل الأبرز في تشكل التحالفات الجديدة، فإن تجلياته في العراق وسوريا واليمن تشكل أيضًا عاملاً إضافيًا، فتركيا وقطر، وهو المحور الذي كان مناقضًا لمحور السعودية – الإمارات – مصر، أصبح يملك اليوم علاقات أفضل مع السعودية، رأس التحالف الثاني، بحكم اتفاق وجهات النظر على حل الأزمة السورية، من خلال رحيل الأسد، وحل الأزمة العراقية من خلال فرض حضور قوي للسنة في الحكومة ودعم العشائر السنية في محاربتها لتنظيم الدولة، والمطالبة بحل الميلشيات الشيعية الموالية لإيران.
وعلى الرغم من أن جميع الدول الخليجية تتفق على خطورة التوسع الإيراني وضرورة كبح جماحه إلا أن أولويات كل دولة قد تتفاوت تبعًا للمصالح المباشرة لها، أما في مصر، فلا يبدو أن السلطة ترى فيه خطرًا أو تهديدًا، بل ربما تجد نفسها أمام حتمية التحالف مع طهران، كما أن أولويات القاهرة تبدأ بإزاحة أي خطر يهدد الحكم القائم، ومن ثم تبقى جماعة الإخوان على رأس قائمة الأخطار.
وبما أن تركيا ذات تأثير حاسم في الصراع السوري، ويمكن أن تلعب دورًا يسهم في معالجة الأزمة العراقية، وتتمتع بعلاقات وطيدة مع قطر، فإن تحالفًا يضم كل من السعودية وتركيا وقطر، على أرضية المعطيات السابقة، يبدو وشيكًا، فيما ستتجه مصر نحو إيران بحسب أغلب التحليلات، أما الإمارات التي لعب دورًا أساسيًا في دعم الثورات المضادة في دول الربيع العربي فإن أقرب السيناريوهات تقول إنها ستبقي على علاقة متميزة مع مصر السيسي، وتكتفي بدور الداعم للتوجهات الخليجية العامة، دون الدخول في تحالفات.
وبغض النظر عن مدى دقة هذا التحليل وانطباقه على مآل التحالفات القائمة في المنطقة، فإن تأثير التحالف الجديد المتوقع لن يقتصر على الملفات التي قام على أساسها، كسوريا واليمن والعراق، بل سيتعدى ذلك إلى ملفات أخرى، كليبيا، حيث تتمتع تركيا بعلاقات مع طرفي النزاع؛ مما قد يمهد لجهد مشترك يحتوي الأزمة الليبية، وتونس حيث سيتعين على التحالف الجديد دعم استقرار الديمقراطية التونسية الوليدة.
يبقى التحدي أمام هذا التحول الواسع في التحالفات الإقليمية في مدى تجاوب الولايات المتحدة مع نتائجه وإفرازاته، وفيما لو أصرت الأخيرة على سياستها الحالية، هل يمكن أن يضعنا هذا التحول الإقليمي أمام نموذج جديد من علاقة واشنطن بالإقليم؟