صوتت لجنة الاتصالات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية البارحة على فرض قوانين لضمان حيادية الإنترنت التي تمنع مزودي خدمة الإنترنت من حجب أو حصر بيانات الإنترنت أو إعطاء أولية لخدمات الويب في مقابل دفع مبلغ مالي.
حيادية الإنترنت تعني أن يكون الإنترنت مفتوح، توفر فيه الشركات المزودة للإنترنت خدماتها دون تمييز وبطريقة متساوية وبدون تسهيل الوصول لمواقع على حساب مواقع أخرى أو فرض مبالغ مالية على خدمات الويب ليحصلوا على سرعة تصفح أكبر لمستخدميهم، ولذلك إذا تم فرض مثل هذه القوانين أو ما شاكلها من قبل الشركات المزودة للإنترنت يصبح الإنترنت متحيزًا حينئذ وليس حياديًا.
هذا الاقتراح لفرض قوانين على شركات الاتصالات الأمريكية لضمان حيادية الإنترنت جاء من رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية توم ويلر، ويهدف إلى تحسين الخدمات للمستخدمين الذين يعانون من احتكار بعض الشركات المزودة للإنترنت، فيجبر هذا القانون مزودي خدمة الانترنت على معالجة تدفق البيانات من جميع المواقع بطريقة متساوية بحيث تنحصر مهمة مزودي الخدمة في التركيز على إرسال البيانات بدون التحقق من مصدرها أو نوعها.
ولاقى القانون استحسانًا كبيرًا من العديد من شركات التقنية والعامة، بالتحديد من شركات مثل تويتر ونيتفليكس والتي يعتمد عملها على ضمان الوصول لمواقعها على الإنترنت دون تعطيل.
وتحدث الرئيس أوباما عن موقفه من حيادية الإنترنت العام الماضي، مؤيدًا لقرار لجنة الاتصالات باتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على حيادية الإنترنت بعيدًا عن سلطة معينة.
وقال توم ويلر: “الإنترنت مهم جدًا ولا يمكن السماح بمزودي خدمة البرودباند بوضع القوانين”، كما كتب في مقال على موقع وايرد: “باستخدام هذه السلطة، فإنني أقدم لزملائي أفضل حمايات الإنترنت المفتوح من أي وقت مضى من قبل لجنة الاتصالات الفيدرالية، هذه القواعد الواضحة واجبة النفاذ سوف تحظر تحديد الأولويات المدفوعة، وحجب المحتوى والخدمات القانونية، أقترح أن تُطبق هذه الخطوط العريضة بشكل كامل على موبايل برودباند، يؤكد اقتراحي حقوق مستخدمي الإنترنت للذهاب إلى حيث يرغبون، وقتما يرغبون، وحقوق المبدعين لتقديم منتجات جديدة بدون طلب إذن من أحد”.
على مدار العام الماضي تداخلت العديد من الحكومات وشركات التقنية وحتى عامة الناس في نقاشات ومناظرات حول حيادية الشبكة والقانون الجديد الذي حاولت لجنة الاتصالات الفيدرالية فرضه، والذي يسعى إلى إعادة تصنيف البرودباند إنترنت كمنفعة عامة ويعطي اللجنة مزيد من السلطة التنظيمية في هذه العملية.
ولم يلق القانون دعمًا من الشركات المزودة لخدمة الإنترنت، ومن المتوقع أن تقوم بعض الشركات المزودة للإنترنت مثل فيرايزون بمقاضاة اللجنة، لأن القرار لا يجري في صالحها، بل قد يقودها إلى خسائر مالية، وذلك لأن شركات الاتصالات الأمريكية تقوم بوضع قوانين على خدمة الإنترنت التي تقدمها لزيادة الربح، مثلما فعلت شركة كومكاست الأمريكية عندما فرضت مبالغ مالية على موقع نيتفليكس لزيادة سرعة الاتصال الخاصة بهم.
وقد نجحت شركة فيرايزون العام الماضي في منع لجنة الاتصالات من فرض قوانين لضمان حيادية الإنترنت في جلسة قضائية عُرفت بالمعركة القضائية.
حيادية الإنترنت مهمة لأنها تضمن حرية انتشار وتبادل المعلومات بين المواقع؛ مما يجعل البقاء للأكثر مصداقية وليس للأكثر سلطة، فبدون الحيادية تتمكن الشركات الكبيرة ذات النفوذ العالي من الدفع لمزودي خدمة الإنترنت لزيادة سرعة الاتصال، وبذلك تصبح الشركات المزودة للإنترنت محتكرة للإنترنت، هذا الأمر لن يكون مؤثرًا على الشركات الكبيرة ذات السيولة المالية العالية، ولكن المتضرر الرئيسي سيكون المواقع الجديدة أو الصغيرة التي لن تستطيع المنافسة.
العديد من المحللين يتفقون على ضرورة حيادية الإنترنت، إلا أنهم لا يتفقون إذا ما كان يجب فرض قوانين لذلك وما هي القوانين التي يجب فرضها، البعض يقول بعدم وضع قوانين إطلاقًا، إلا أن ذلك يسمح لمزودي الإنترنت بالاستغلال، ومعظم المواقع وخصوصًا الاجتماعية والموزعة للمحتوى الرقمي ترى بضرورة حيادية الإنترنت لضمان سهولة وصول خدماتها لمستخدميها.
أما المعارضين لحيادية الإنترنت فيرون أن بعض الخدمات تستحق أن تكون لها الأولوية في الوصول إليها داخل شبكة الإنترنت، مثل خدمات الصحة والطوارئ.
ونظرًا لهذا الجدل الواسع في موضوع حيادية الإنترنت هناك 3 دول فقط قامت بوضع قوانين صارمة تضمن حيادية الإنترنت هي تشيلي وسلوفينيا وهولندا، وقرار لجنة الاتصالات البارحة لن يضمن حيادية الإنترنت في أمريكا، فالمتوقع أن يثير القرار جدلاً خصوصًا من شركات تزويد الإنترنت.
أما في دول العالم العربي فحيادية الإنترنت تخضع لسلطة الدولة وسلطة الشركات المزودة للإنترنت، حيث تقوم الدول العربية بحجب المواقع السياسية أو المعارضة، أو حجب بعض المواقع والتطبيقات الاجتماعية كما حصل خلال الربيع العربي عندما حجبت بعض الحكومات العربية موقع فيسبوك، وتقوم الشركات المزودة للإنترنت بفرض قوانينها على المستخدمين مثل سياسة الاستخدام العادل والتي تحدد لجميع المستخدمين عدد محدد من البيانات في الشهر لا يمكن تجاوزه.