لأن أحلامنا الوطنية والشخصية ارتبطت بها كما ارتبط بها مصيرنا ومستقبلنا، ولأننا فقدنا أعزائنا من الإخوة والرفاق ما بين الموت والاعتقال في طريقها، أرى أنه لا بد أن نقف كثيرًا عند تفاصيلها وأحداثها وأن نستخرج منها العبر وأن ندرك أخطاءنا حتى ﻻ نكررها.
حينما خرجت الجماهير وفي مقدمتها الشباب إلى الشوارع والميادين تعبيرًا عن الغضب ومطالبين باسقاط النظام كانت المفاجأة التي لم يكن أحد مستعدًا لها، حتى هذه الجماهير تفاجأت بقدرتها على السيطرة على الشارع وهزيمة النظام وذراعه الأمني، لكن لسوء الحظ لم تكن هناك قيادة قادرة على إدارة الثورة وقيادة الجماهير نحو رؤية واضحة وخطة محددة لإتمام إسقاط النظام ومواجهة الثورة المضادة فضلاً عن بناء الدولة التي طالب بها الشعب الثائر، الأمر الذى استغلته الحلقة الأقوى في النظام وهي المؤسسة العسكرية؛ فاستوعبت الغضب والثورة بإزاحة الرئيس ثم نجحت في التلاعب بكل الثوار والقوى السياسية وأعادت ترتيب أوراق النظام ما مكنها من استعادة دولتها أقوى من حالتها قبل السقوط بعد ثلاث سنوات فقط وبتأييد قطاع كبير من هذه الجماهير!
الثوار الذين التقوا في الميدان لم يكونوا طرفًا واحدًا أبدًا بل لم تلتق أفكارهم ورؤاهم في الميدان على قدر ما التقت مطالبهم وغايتهم من إسقاط النظام وفقط، قبل الثورة وخلالها وبعدها كان لكل منهم حساباته الخاصة، فسريعًا ما بدأت الخلافات بين رفاق الميدان تظهر في ظل انخداع الجميع بالسقوط الوهمي للنظام والذي كان تعبيرًا عن غياب رؤية صحيحة للثورة، الأمر الثاني أنه لم ينجح فرد أو تيار ممن شاركوا في الثورة أن يقنع غالبية الجماهير بالتوحد خلفه وخلف رؤيته لقيادة الثورة.
لو تذكرنا مشهد اصطفاف التيار الثوري من غير الإسلاميين خلف الدكتور مرسي قبل انتخابات الإعادة وما مثله من عامل قوة في كسب الصراع وقتها ربما ندرك تأثير انفصال قوى الثورة بعد 11 فبراير وبعد انتخاب مرسي، وما شكله ذلك من نقطة ضعف للصف الثوري، نجح العسكر في غرسها في صفوف كل الأطراف باستغلال صراعات وأخطاء حقيقية موجودة لكن لم يكن هذا هو الوقت المناسب لخوضها أو لم يكن الصراع هو الوسيلة المناسبة لتصحيح تلك الأخطاء.
لكن يبدو أن هذا الاصطفاف لم يكن سوى لاضطرار مواجهة ممثل النظام في جولة الإعادة ومرة أخرى لم يكن التقاءً على رؤية وأفكار على قدر ما كان موقفًا موحدًا مما يبدو بوضوح عودة إلى الوراء.
لو تذكرنا أيضًا رؤية التيار الثوري وجزء منه القيادي الإسلامي حازم أبو أسماعيل من الوقوف ضد العسكر بوضوح خلال المرحلة الانتقالية وإلى رؤية الإخوان وما حولهم من التيار الثوري من الوقوف ضد الانقلاب بوضوح لأدركنا قيمة وضوح الرؤية والهدف خاصة لو شكلت إجماعًا ثوريًا في مرحلة ما وهو ما حاول العسكر تجنبه طوال الوقت.
إن غياب الرؤية ووضوحها وكذلك غياب القيادة القادرة على إقناع الجماهير وإدارة الثورة، فضلاً عن سرعة انفصال مكونات الثورة هو ما سهل من مهمة الثورة المضادة التي نجحت في استغلال الإعلام والمال فضلاً عن صبرها الطويل وعدم اليأس مع فشل عدة محاولات للانقلاب على الثورة بل وتغيير الوجوه حتى أُعلن النجاح الباهر للثورة المضادة في 30 يونيو لهو تأكيد على مفاجأة الثورة لكل الأطراف، وبالتالي كان التعامل مع الأحداث يتسم بالعشوائية وغير مبني على أرضية صلبة من رؤية إستراتيجية وهو ما كان سببًا في تعثر الثورة.
إننى أزعم أنه يومًا ما ستتحرك الجماهير مرة أخرى لإعلان الغضب والثورة وكل ما يمكننا فعله الآن هو تقريب ذلك اليوم والأهم الاستعداد له برؤية وقيادة تستفيد من التجربة المريرة وتعالج أخطائها حتى ﻻ نخسر الثورة القادمة.