ترجمة من الفرنسية وتحرير نون بوست
يُنتظر أن تشهد الأسابيع القادمة وصول أولى شحنات الأسلحة للجيش اللبناني الذي يصنّفه الخبراء على أنه من بين أضعف الجيوش في المنطقة رغم أنه يتحمل مسؤولية الدفاع عن بلد تتهدّده الميليشيات.
هذا الجيش الذي أصبح هدفًا لهجمات متتالية لمقاتلي داعش وجبهة النصرة، ينتظر أن تصل شحنة الأسلحة في أبريل المقبل وهي أولى الدفعات بموجب عقد تسلّح تاريخي تموله السعودية وتتكفل به فرنسا، ويهدف هذا العقد حسب المحللين لتعزيز إمكانيات الجيش اللبناني أمام المجموعات الإرهابية دون أن يمس ذلك بتوازن القوى مع الجيوش المجاورة وخاصة التفوق الإسرائيلي في المنطقة، ودون تغيير العلاقات مع حزب الله.
المساعدات الأكبر في التاريخ
تم إمضاء هذا العقد في نوفمبر 2014 في الرياض بعد 11 شهرًا من التأخير والخلافات، وتبلغ قيمته 3 مليار دولار ستخصص 2.1 مليار منها لشراء الأسلحة و900 مليون دولار لتعهد هذه الأسلحة وتدريب الجنود على استعمالها، وتعود بدايات الفكرة إلى أكتوبر 2013 أثناء لقاء بين الملك عبد الله ووزير الدفاع الفرنسي جون إيف لودريان تم خلاله التطرق لمسألة الدعم العسكري للبنان وبعد شهرين من ذلك اللقاء تم الإعلان رسميًا عن التوصل لاتفاق أثناء زيارة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للرياض.
ويمكّن هذا الاتفاق الجيش اللبناني من مساعدات هي الأضخم في تاريخه بقيمة أكثر من ضعف ميزانية الدفاع التي ترصدها لبنان ويعد أيضًا واحدًا من أهم العقود المربحة التي حصلت عليها فرنسا، فحوالي عشرين مؤسسة مصنّعة فرنسية ستنتفع منه، ويمثل أيضًا حوالي نصف الصادرات السنوية للأسلحة الفرنسية التي ارتفعت من 4.8 مليار يورو سنة 2012 إلى 6.9 مليار يورو في 2013.
ما هي هذه الأسلحة وهل يمكنها تغيير قواعد اللعبة؟
بموجب هذا الاتفاق سيحصل سلاح الجو وهو الركن الأضعف في الجيش اللبناني على خمس عشرة طائرة هليكوبتر من نوع Gazelle المزودة بصواريخ موجهة عن بعد مضادة للدبابات ونوع Puma المخصصة لنقل الجنود ونوع Cougar As 532 وهي النسخة المطورة من طائرات Puma.
كما سيحصل الجيش البري على عربات مدرعة VAB وعربات خفيفة مدرعة VBL مزودة بنظام Anti-EEI المضاد للعبوات الناسفة والمصمّم خصيصًا لمكافحة الإرهاب، بالإضافة للمدرعات الهجومية VBC-90، كما تشمل المساعدات معدات أخرى من بينها شاحنات مزودة بصواريخ أرض-جو قصيرة المدى وطائرات بدون طيار ستعزز من قدرة الجيش على المراقبة وجمع المعلومات، فيما ستحصل القوات البحرية على قوارب متطورة لتسيير الدوريات من صنع شركة الصناعات الميكانيكية بنورماندي CMN.
وفي هذا السياق يقول آرام نارغيزيان، الخبير العسكري في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في واشنطن: “رغم أن هذه الأسلحة قد لا تغير كليًا من القدرات الهجومية للجيش اللبناني، فإنها تمثل مساعدات هامة ومؤثرة، وهي كافية لمواجهة المجموعات الإرهابية وتطوير القدرات الدفاعية للجيش وفي نفس الوقت لا تمثّل تغييرًا في قواعد اللعبة في المنطقة خاصة فيما يخص الصراع مع إسرائيل”، كما تساءل هذا الخبير العسكري عن مدى فاعلية بعض الأسلحة التي يتضمنها الاتفاق والتي يمتلكها الجيش اللبناني مسبقًا على غرار طائرات الهليكوبتر Gazelle وقال “إن قائمة الأسلحة التي طلبتها لبنان هي الآن محل مراجعة مستمرة وبعض الأسلحة سيتم تعويضها بأخرى”.
بين باريس بيروت والرياض: مثلث المصالح المشتركة
رغم أن الهدف المعلن رسميًا لهذا الاتفاق الثلاثي هو محاربة التكفيريين في الداخل وعلى الحدود السورية، فإنه يخفي وراءه أهداف ومصالح منها المشتركة ومنها المتضاربة.
فهو يمثل بالنسبة للمملكة السعودية فرصة لإضعاف تأثير حزب الله وبالتالي إضعاف نفوذ إيران في إطار الصراع الإقليمي بين البلدين، ومن مظاهر هذا الصراع أن إيران بدورها لم تتأخر في الرد عبر عرضها في أكتوبر 2014 لمساعدات عسكرية للجيش اللبناني رغم أن هذا المقترح لم يتم لأسباب مختلفة من بينها الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن على صادرات الأسلحة الإيرانية، كما تريد الرياض من خلال هذا العقد الحصري مع فرنسا إرسال رسالة واضحة للولايات المتحدة بأنها غير راضية عن سياستها في الملف السوري وعدولها عن قرار التدخل العسكري ضد بشار الأسد مقابل موافقة فرنسا على ذلك، رغم أن هذا الخلاف حول التعامل مع الأسد يقابله توافق تام في الموقف من سلاح حزب الله.
أما بالنسبة لفرنسا التي تتفق مع السعودية في هذه الأهداف يمثل الاتفاق فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وتعزيز حضورها كلاعب إستراتيجي في المنطقة في إطار سياسة التدخل واستعمال القوة التي باتت فرنسا تعتمدها في المشرق وفي منطقة شمال أفريقيا أيضًا على غرار ليبيا ومالي.
أما بالنسبة للجانب اللبناني فتمثل هذه المساعدات فرصة ذهبية بعد 25 سنة من الحرب الأهلية التي تركت الجيش يعاني من الهشاشة ونقص التجهيزات، وتمكّنه من تعزيز المؤسسة العسكرية التي تعدّ من المؤسسات القليلة التي حافظت على مصداقيتها ودورها الجامع في ظل الانقسامات الداخلية في لبنان والصراعات المسلحة في دول الجوار.
القضية الشائكة: حزب الله
تبقى قضية حزب الله الأكثر تعقيدًا في تفاصيل هذا الاتفاق الثلاثي؛ فالحزب يملك نفوذًا سياسيًا وعسكريًا ويحافظ على علاقات ودية وغامضة مع الجيش اللبناني، ويتمنى صانعو هذا الاتفاق من خلال هذه المساعدات زيادة القدرات العسكرية للجيش مقارنة بهذا الحزب الشيعي وهو ما يمكن أن يؤدي كما يأملون إلى بسط السيطرة على التراب اللبناني ونزع سلاح الحزب وهو مطلب نادت به عدة أطراف لبنانية منذ الانسحاب الإسرائيلي في سنة 2000.
ولكن يقول ديديي لوروا، الباحث في المدرسة العسكرية الملكية البلجيكية: إن “هذه الآمال تبقى مجرد أحلام صعبة التحقيق، خاصة وأن الفارق في موازين القوى بين الطرفين كبير فحزب الله يملك نفوذًا على الجيش أكثر مما يملكه الجيش على الحزب”، وذكّر حادثة إسقاط مقاتلي حزب الله لطائرة هليكوبتر سنة 2008 بعد أن دخلت منطقة يسيطر عليها التنظيم الشيعي؛ وهو ما أدى لتوتر بين الطرفين دون أن يؤدي ذلك لإنهاء التعاون الأمني والمعلوماتي بينهما، وتعززت هذه العلاقات بعد الدعم الذي قدمه حزب الله للجيش في يونيو 2013 أثناء معارك صيدا ضد مجموعة أحمد الأسير وفي الصيف الماضي في عرسال أثناء معاركه ضد متطرفي داعش وجبهة النصرة، ويرجح الخبراء أن تتعزز هذه العلاقات في قادم السنوات بما أن الطرفين يواجهان نفس الأعداء وهما إسرائيل والتنظيمات المتطرفة.
كما شكّل عدم اعتراض إسرائيل على هذا الاتفاق مفاجأة بما أنها تعودت على رفع الفيتو ضد أي تعزيز لجيوش المنطقة، ولكن يفسر الخبير آرام نارغيزيان عدم الممانعة بأن “هذه الأسلحة لا تمثل أي تحد بالنسبة لإسرائيل لا في العتاد ولا في التكنولوجيا، فالفارق بين البلدين كبير جدًا، فعقد بثلاثة مليارات دولار لا يغطي حتى فارق سنة واحدة في ميزانية التسلح بين البلدين، كما أن الارتياح الإسرائيلي لهذا الاتفاق يعود لسبب آخر وهو اعتبار لبنان بالإضافة للأردن مناطق عازلة تفصل بين الدولة العبرية ومناطق سيطرة تنظيم داعش، وبالتالي فإن تدعيم الجيش اللبناني يعني إبعاد خطر التنظيمات المتطرفة”، ويُذكر أن إسرائيل مارست رغم ذلك ضغطًا من أجل عرقلة وصول بعض الأسلحة التي تتضمنها الصفقة مثل أنواع من الصواريخ والقذائف المتطورة مخافة أن تنتهي بين يدي حزب الله.
كما يأتي هذا الدعم العسكري كتكملة للدعم الاستثنائي التي تقدمه الولايات المتحدة منذ سنوات للجيش اللبناني، وفي هذا السياق يقول آرام ناغيزيان إن “الدعم الأمريكي للجيش اللبناني ظل شبه غائب حتى سنة 2004 ثم بدأ بالتطور تدريجيًا ليصل لذروته مع تزويده بأسلحة ثقيلة ومتطورة منذ بداية الحرب ضد تنظيم داعش، وقد خصصت الولايات المتحدة بين 2006 و2015 حوالي 1.18 مليار دولار للجيش اللبناني بالإضافة لتخصيص مبلغ 22 مليون دولار للتدريب”.
وتسلم الجيش اللبناني في بداية شهر فبراير الجاري 27 مدفع وأكثر من 25 مليون قطعة من القنابل وقذائف الهاون وذخيرة الأسلحة الأوتوماتكية وعدة طائرات مقاتلة دفعت السعودية جزءًا من ثمنها، كما ستصل مئات الصواريخ المضادة للدبابات في شهر مارس المقبل وهو ما يبين الدعم الأمريكي الغير مسبوق للجيش اللبناني.
وفي خضم هذه الأحداث تتواصل معاناة الجيش اللبناني من نقاط ضعف عديدة رغم الدعم الكبير من الرياض وباريس وواشنطن الذي بلغ مجموعه خمسة مليار دولار خلال عشر سنوات، في ظل غياب إرادة سياسية قوية تسمح له بالاضطلاع بدوره كما يجب؛ فلبنان مازالت بدون رئيس منذ 25 مايو 2014 فيما بلغت الانقسامات السياسية والعقائدية ذروتها منذ اندلاع الحرب في سوريا.
المصدر: مجلة سليت الفرنسية