قام فريق دولي من الفلكيين برصد أسطع كوازار في المراحل المبكّرة للكون حتى الآن، والبالغ سطوعه 420 تريليون ضعف سطوع الشمس، كما اكتشفوا الثقب الأسود الفائق الذي يغذّيه، والذي تصل كتلته إلى 12 مليار ضعف وزن الشمس، وقد نشروا نتائجهم في ورقة بحثية بدورية نيتشر في 26 فبراير.
الكوازارات هي نواة مجرات ثقيلة جدًا تغذيها الثقوب السوداء الفائقة الموجودة في قلبها، إذ تقوم الجاذبية الشديدة للثقب الأسود بمراكمة المادة من محيطه وبالتالي إطلاق طاقات هائلة فيما يُعرَف بالكوازار، وهو أسطع شيء نعرف عنه في الكون، وغالبًا ما يكون بعيدًا جدًا عن الأرض، وبطبيعة الحال، كلما كان الجسم المرصود في الكون أبعد، كان الضوء القادم منه أقدم، وبالتالي فإنه يعطينا معلومات عن مراحل مبكرة جدًا في الكون.
هذا الكوازار الساطع بالتحديد، والذي تمت تسميته SDSS J0100+2802، تشكّل بعد 900 مليون سنة فقط من الانفجار الكبير، والذي وقع منذ حوالي 13.7 مليار سنة طبقًا للتقديرات الحالية، وبالتالي سيساعد العلماء على فهم مرحلة هامة من تطور الكون المرئي، لاسيما وأن عدد الكوازارات القديمة/ البعيدة جدًا المرصودة لا يتعدى الأربعين.
كيف يعرف العلماء أعمار الكوازارات وغيرها من أجسام بشكل عام؟
يقومون بقياس الانزياح الأحمر الخاص بها Red Shift، والانزياح هو تغيّر في طول موجة الضوء المرصود نظرًا لتمدد الكون، وحين تتجاوز قيمة الانزياح 6، فإن هذا يعني أن الجسم المرصود بعيد وقديم جدًا، ويعود للفترات الأولى من عُمر الكون.
في حالة الكوازار الساطع المرصود مؤخرًا، كانت قيمة الانزياح الأحمر 6.30، وهو ما أتاح للعلماء معرفة المسافة بيننا وبين الكوازار، والبالغة 12.8 مليار سنة ضوئية، أي أن عمره حوالي 12.8 مليار سنة، مما يعني أنه تشكّل بُعَيد مرحلة “إعادة التأيُّن” (Reionization)، وهي المرحلة التي أنهت “عصور الظلام” الكونية وبدأ فيها تشكّل النجوم، ليصبح الكون ما هو عليه الآن.
“هذا الكوازار بمثابة فنارة كونية تدور لتسلّط الضوء على الكون القديم، إنه كوازار فريد للغاية، وقد أثار دهشة وإثارة بالغة بين الباحثين”، هكذا تحدث شويه بينج أُو، الباحث بجامعة بكين، وبمعهد كافلي للفلك والفيزياء الفلكية في كاليفورنيا، والمؤلف الرئيسي للورقة البحثية، والذي يقود فريقًا نجح في تطوير طريقة لاختيار الكوازارات البعيدة بعناية باستخدام البيانات المتاحة من مرصد “سلوان للمسح الرقمي للسماء” Sloan Digital Sky Survey، ومن القمر الصناعي وايز WISE التابع لناسا.
“تم اكتشاف هذا الكوازار أول مرة بتِلِسكوب ليجانغ في ولاية يونّان بالصين، وهو تِلِسكوب يبلق قطره 2.4 متر فقط، ليكون الكوازار الوحيد الذي يتم اكتشافه بهذه الإمكانيات البسيطة، ونحن فخورون للغاية بهذا الإنجاز”، هكذا قال فَيجَه وانغ، طالب الدكتوراة بجامعة بكين، والذي يشرف عليه شويه بينج، مضيفًا أن السطوع الشديد للكوازار سيتيح قياسات غير مسبوقة لمعالم كثير من مرحلة إعادة التأين، مثل الحرارة والمحتوي المعدني للفضاء بين المجرات.
فيما بعد، قام الفريق العلمي، والذي يقوده علماء من جامعة بكين الصينية وجامعة ولاية أريزونا الأمريكية، باستخدام تِلِسكوبيّ مالتي ميرور Multi Mirror Telescope ولارج باينوكيولار Large Binocular Telescope في أريزونا، وتلسكوب ماجيللان Magellan في شيلي، وتلسكوب جِمايني Gemini في جزر هاواي، لدراسة الكوازار بالتفصيل، وهو ما أثني عليه كريسيتان فاي مدير تلسكوب لارج باينوكيولار، قائلًا إنه دليل واضح على قوة التعاون الدولي بين الباحثين بين البلدان المختلفة، وأهمية استخدام منشآت عدة منتشرة حول العالم في مجال الفلك.
“لقد أتاحت لنا أجهزة رسم الطيف الحساسة لدى تلسكوب لارج باينوكيولار قياس مسافة الكوازار وكتلة الثقب الأسود الواقع في مركزه”، هكذا قال شياوهوَي فان، أستاذ الفلك بمرصد ستيوارد في جامعة أريزونا، وهو مؤلف رئيسي مشارك في الورقة البحثة، ويرأس اللجنة الاستشارية العلمية لتلسكوب لارج باينوكيولار صاحب الباع الطويل في اكتشاف ثقوب سوداء أخرى ثقيلة تعود للكون المبكر.
سيكون هذا الكوازار الآن تحت أعين العلماء لدراسة الطريقة التي تطور بها ثقب أسود فائق مع المجرة المضيفة له في هذه المرحلة، لاسيما وأن بعض البحوث تشير إلى هذا النوع من الثقوب السوداء نما بشكل أسرع من المجرات المضيفة في الفترات المبكرة للكون، مقارنة بالثقوب السوداء الأحدث/ الأقرب، وفقًا لما يقوله يوري بيتيلسكي من مركز كارنيجي في واشنطن، والمؤلف المشارك أيضًا بالورقة البحثية.
“لقد نجح الثقب الأسود في قلب الكوازار أن يراكم كتلة مهولة في فترة قصيرة، وهو أمر يصعب تفسيره في إطار النظريات الموجودة حاليًا”، هكذا قال فويان بان، الأستاذ بالجامعة الوطنية الأسترالية، ومؤلف مشارك بنفس الورقة، وعضو بالفريق الدولي الذي عكف على دراسة الكوازار الساطع.
“كيف تكوّن كوازار شديد السطوع بهذه الدرجة، مع ثقب أسود فائق الكتلة، في وقت مبكّر من عمر الكون، وفي فترة مبكرة جدًا بعد نشأة النجوم والمجرات الأولى؟ وما هي العلاقة بين الثقب الأسود وكل ما يحيط به، بما في ذلك المجرة المضيفة؟ كل تلك أسئلة ستجيب عنها المزيد من البحوث”، هكذا علّق فان على هذا الاكتشاف غير المسبوق، “لنستطيع المقارنة بالمجرة المتواضعة التي نعيش فيها، يكفيك أن تعلم أن الثقب الأسود في القلب من مجرّتنا تبلغ كتلته 4 ملايين ضعف كتلة الشمس، وهو ما يعني أن الثقب الأسود الفائق الذي يغذي الكوازار المُكتَشَف مؤخرًا أثقل 3000 مرة”.
بالطبع، وبالنظر لكون الضوء المرصود قد انطلق من الكوازار منذ 12.8 مليار سنة، فإننا لا نعرف ما إذا كان الكواراز لايزال موجودًا الآن، ولكننا على يقين من أنه الأسطع والأثقل في المرحلة الكونية التي رُصِد فيها، وهي الكون المبكر؛ في المليار سنة الأولى من عُمر الكون، عدا ذلك، لا يهم العلماء كثيرًا أن يكون الكوازار على قيد الحياة اليوم.