ترجمة وتحرير نون بوست
كتب مختار عوض وصامويل تادرس*:
كان يبدو وكأنه يوم عادي مثل أي يوم آخر بالنسبة لـ بولا فوزي البالغ من العمر 18 عامًا، والذي يعمل في فرع دجاج كنتاكي KFC في بلدة قويسنا المصرية، بولا المتخرج حديثًا من المدرسة الثانوية، اضطر للعمل مثل الكثير من الشباب المصري بهدف مساعدة عائلته، ولكن في الساعات الأولى من يوم 5 فبراير وبينما كان يختتم مناوبته، توقفت دراجة نارية في الشارع وفتحت النار على واجهة المحل، ومن ثمّ سرعان ما ألقوا قنابل المولوتوف من خلال النافذة الأمامية، ونتيجة لذلك حوصر بولا في الطابق الثاني، ولم تكن لديه فرصة للنجاة، لذا كان مصير بولا فوزي المحتوم أن يحترق حتى الموت.
منذ بداية العام أصبحت الشركات متعددة الجنسيات والبنوك المملوكة للأجانب وشركات الهاتف الخلوي أحدث الأهداف في المعركة الجارية بين الإسلاميين والنظام المصري، حيث تبنت مجموعة من الشباب المصري غير المعروف والتي تطلق على نفسها اسم “حركة المقاومة الشعبية” و”حركة العقاب الثوري” هجمات KFC وغيرها من الهجمات بما في ذلك تفجيرات هذا الأسبوع المنظمة في وسط القاهرة والتي أسفرت عن مقتل أحد المارة، هذه الجماعات الشابة والتي لم تتقبل الوضع الراهن، تزعم بأنها لا تسعى للانضمام إلى المنظمات الجهادية التقليدية، وهي تؤيد العنف المنخفض المستوى كوسيلة لإسقاط النظام المصري، وبناء عليه استهدف هؤلاء الناشطون الشباب – ومن لف لفيفهم – منذ عدة أشهر وحتى الآن سيارات الشرطة ورجال الشرطة بهجمات قنابل مولوتوف، وهلل الإخوان المسلمون وباقي الشباب المسلم المتحمس لهذه الهجمات، وشدوا على يد مرتكبيها.
ولكن لماذا ركزت هذه الجماعات على مهاجمة الشركات المتعددة الجنسيات؟ ولماذا يعتقد بعض الإسلاميين أن إحراق KFC من شأنه أن يساعد على الإطاحة بالنظام العسكري للرئيس عبد الفتاح السيسي؟
إن الجواب على هذا السؤال يكمن في الشعار الذي استعملته حركة المقاومة الشعبية عندما تبنت التفجيرات، والذي تم استخدامه لأول مرة من قِبل المنظّر الجديد لتمرد الإسلاميين في مصر، وهو شخص يبلغ 43 عامًا، مدان بجريمة قتل، ويحمل الجنسية الأمريكية، اسمه شهيد كينج بولسين.
ينبع تأثير بولسين من جهوده المبتكرة لصهر الأيديولوجية المعادية للرأسمالية التي ظهرت في أوائل القرن الواحد والعشرين، مع التعاليم المحافظة السلفية الإسلامية، علمًا بأن افتتان الإسلاميين بأفكار اليسار الراديكالي ليس أمرًا جديدًا، كما أن تكتيك استهداف المصالح الاقتصادية لا يعد سياسة جديدة لدى الإسلاميين المتشددين، حيث استهدف التمرد الجهادي المصري في أوائل التسعينيات قطاع السياحة المصري.
ولكن رسالة بولسين والتي يسعى لنشرها على نطاق واسع في وسائل الإعلام الاجتماعي في جميع أنحاء العالم العربي، لا تهدف فقط لاستهداف بعض المصالح الاقتصادية، بل تذهب أبعد من ذلك بكثير، حيث نجح بولسين في أسلمة خطاب أقصى اليسار حول الشرور العالمية لليبرالية الجديدة، وبدلاً من التركيز على الحكومات، اعتبر بولسين أن الشركات المتعددة الجنسيات هي الشر المطلق والأعداء الحقيقيين للمسلمين، حيث كتب في صفحته على الفيسبوك “مصر اليوم تتعرض للغزو والاحتلال من قِبل الليبرالية الجديدة الصليبية”.
ولد شانون موريس في بولدر بولاية كولورادو في عام 1971، ونشأ على التعاليم المسيحية الكاثوليكية من قِبل والدته، بعد أن تخلى الأب عن الأسرة في عام 1983 لممارسة مهنة كتابة السيناريو في ولاية كاليفورنيا، وتذكر عائلة شانون موريس – الذي أصبح بولسين فيما بعد – أنه في مرحلة شبابه، كان يشعر بالحنق والغضب نتيجة للظلم الاجتماعي والفجوة بين الأغنياء والفقراء في أمريكا.
شانون أمضى ساعات طويلة في المكتبة المحلية يقرأ عن غاندي ومارتن لوثر كينج جونيور، وعندما أنهى المدرسة الثانوية، درس العلوم السياسية في جامعة متروبوليتان ستيت في دنفر، وانخرط حينها في مشاريع اجتماعية مختلفة، ولاحقًا استطاعت قصة الرحلة السياسية والدينية لمالكوم إكس أن توقظ الإسلام في نفس شانون، وفعلاً في أوائل عام 1997 اعتنق الإسلام، وعزا ذلك – كما أشار لاحقًا – إلى كرم الإسلام تجاه الفقراء.
بعد إسلامه، تم اقتراح اسم “شهيد” من قِبل شخص باكستاني يرتاد ذات المسجد المحلي الذي يرتاده بولسين، أما اسم “كينج” فاستعمله بولسين في اسمه الجديد تيمنًا بمارتن لوثر كينج، و”بولسين” هو اسم عائلة والدته، ومن المثير للاهتمام، أن بولسين توقف الآن عن استخدام الاسم الأوسط “كينج” كون الأخير يؤكد على سياسية اللاعنف، وبذا فإنه يقف في تناقض صارخ مع شخصية بولسين الجديدة.
عمل بولسين مراسلاً لصحيفة روكي ماونتن نيوز، وهي صحيفة محلية لم تعد تصدر أعدادها حاليًا، وهناك التقى بزوجته آسيا التي تكبره بثماني سنوات، وهي فلسطينية من غزة استطاعت الفوز بزمالة إلى الولايات المتحدة، وكانت تتدرب في ذات الصحيفة التي يعمل بها بولسين، وفعلاً سرعان ما وقعا في الحب وتزوجا في حفل أقيم في غزة في يونيو من عام 1997.
في تلك الفترة بدأ بولسين بدمج وجهات نظره المعادية للرأسمالية مع إيمانه الديني الجديد، وكتاباته في هذه الفترة تتراوح بين المادة التي كتبها في عام 1999 والتي توضح كيف يسيطر صندوق النقد الدولي على باكستان، إلى المادة الشديدة اللهجة التي كتبها في أبريل من عام 2001 والتي تهاجم إسرائيل، وفي عام 2001 سافر بعائلته إلى آن أربور في ولاية ميشيغان، في محاولة للعيش ضمن المجتمع الإسلامي الموجود في المدينة، وهناك استطاع العمل مع الجمعية الإسلامية في أمريكا الشمالية، حيث أشرف على جهود التوعية لغير المسلمين، وأصبح يؤم صلاة الجمعة في السجون المحلية، كما أدار أيضًا موقع الأخبار والمعلومات الإسلامي IANARadio، وفي يونيو 2001 سافر بولسين إلى لندن، حيث ألقى هناك خطابات حول فلسطين.
بحلول عام 2003 شعر بولسين بالإحباط من حياته في أمريكا، وحينها أشار أنه يريد أن يعيش ويربي أولاده في بلد مسلم، ولكن لاحقًا زعم أنه تمت ملاحقته من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي هناك -على الرغم من عدم وجود أي أدلة تدعم هذا الزعم-، وفعلاً في مارس 2003 انتقل بولسين وزوجته وأطفاله الثلاثة إلى الإمارات العربية المتحدة.
الحياة هناك كانت جيدة في البداية، حيث افتتح مقهى للإنترنت، واستأجر فيلا ليعيش فيها، ولكن سرعان ما فشلت أعماله، وبدأ المال ينفد، ولم يستطيع حينها بولسين العثور على عمل لنفسه، لذا قامت زوجته بالحصول على وظيفة كمترجمة للمساعدة في نفقات المعيشة، وتم إرسال الأطفال إلى المدارس العامة، واضطرت العائلة للانتقال إلى شقة صغيرة للعيش فيها، ومع تنامي المشاكل المالية، بدأ بولسين يشعر بالإحباط من الحياة في دولة الإمارات العربية المتحدة، كون إمارة دبي العالمية كان بعيدة كل البعد عن المدينة الفاضلة الإسلامية التي كان يتصورها، ومع ازدياد شعوره بالإحباط، التفت إلى مدونته الشخصية “البلوج” – المتوقفة عن العمل حاليًا -، حيث كتب فيها مقالات جريئة وصاخبة حول السياسات في الشرق الأوسط والإمبريالية الجديدة، ولكن يأسه المتزايد أصبح يؤثر سلبًا على صحته، حيث بدأ يعاني من الصداع والاكتئاب والأرق.
في أوائل عام 2006، قام بولسين بإنشاء صفحة على موقع فيسبوك استعمل فيها شخصية خادمته، حيث قام بتصوير نفسه ضمن هذه الصفحة على أنه امرأة تعيش في دبي وتبحث عن علاقة جنسية مع رجل غربي، حينها قام مارتن هربرت شتاينر وهو مهندس ألماني انتقل لتوه إلى دبي من سنغافورة، بالاتصال بالحساب الوهمي الذي يديره بولسين خفية، وجرى تبادل لرسائل البريد الإلكتروني ورسائل الهاتف، وتم الاتفاق على اللقاء في منزل بولسين، وحينها كانت زوجته وأطفاله يزورون العائلة في غزة.
في اعترافاته اللاحقة التي أدلى بها أمام الشرطة، ادعى بولسين أنه أراد من اللقاء إقناع شتاينر أن طريقه كان خاطئًا فقط، ولكن ما حدث بالضبط داخل المنزل لايزال غير واضح، حيث زعم بولسين أنه لم يكن ينوي قتل شتاينر، وأنه استخدم قطعة قماش مبللة بالكلوروفورم لتخدير شتاينر، بعد أن حاول الأخير الاعتداء على الخادمة التي كان بولسين يستخدم صورتها في حساب الفيسبوك الوهمي، من جهتها شهدت الخادمة في وقت لاحق أنه بعد أن قتل شتاينر، قال لها بولسين: “لا داعي للقلق، ولكن قولي: الله أكبر، لقد مات الكافر”، أما حاليًا يسرد بولسين القصة ويقول ببساطة أن مارتن كان يهوديًا وأن “الله قتله”.
في اليوم التالي لقتل شتاينر قام بولسين باستخدام بطاقات الائتمان العائدة لشتاينر لشراء إلكترونيات بقيمة 20.000 دولار، وبعد ذلك بوقت قصير وضع جثة شتاينر في حقيبة ووضعها داخل سيارته بنية السفر بها إلى عمان، على أمل أن يستطيع الهروب باستخدام جواز سفر القتيل، ولكنه غيّر رأيه أثناء تنفيذ الخطة، وقام بدفن الجثة على جانب الطريق وغطاها بالتراب، ثم قاد سيارته متجهًا نحو الشارقة، واستمر هدوء بولسين لمدة عشرة أيام لم يحدث فيها أي شيء، ولكن بعدها أُلقي القبض عليه بعد أظهرت لقطات فيديو تورط بولسين بالجريمة، وفي 25 يونيو قاد الشرطة نحو المكان الذي أخفى فيه الجثة، وحاول بولسين إقناع المحكمة برغبته بدفع الدية لعائلة شتاينر للحصول على حريته، ولكن هذه المساعي لم تفلح في البداية، وفعلاً في 23 اكتوبر 2007 حكمت عليه محكمة محلية بالإعدام.
تم صياغة العديد من القصص المبالغ بها حول قصة بولسين في الصحافة المحلية، حيث تم تصويره على أنه كان يتنكر في زي رجل مثلي الجنس ويعرض نفسه على وسائل الإعلام الاجتماعية، وأنه دخل الإمارات بجواز سفر بريطاني مزور، وأنه متزوج من امرأة ثانية – ريطانية من الصومال -، وأنه يدير شبكة دعارة ويستخدم المال من أعمال الجنس لتمويل تنظيم القاعدة.
في السجن الإماراتي أصبح بولسين إمامًا، وأطلق مسابقة للقرآن الكريم بين المساجين الآخرين المعتقلين بأحكام الإعدام، وتم نشر قصته من قبل العديد من المنتديات الإسلامية، مما دفع المتعاطفين معه إلى إطلاق موقع على شبكة الإنترنت من أجل التساهل في قضيته، وفي هذه الأثناء انتقلت زوجته وأطفاله إلى كولورادو، حيث يعيشون اليوم.
تم استئناف الحكم القاضي بإعدام بولسين، وقضت محكمة الاستئناف بإلغاء واعتبار القتل غير متعمد، مما سمح لبولسين بدفع الدية – مبلغ 55.000 دولار – وفي أكتوبر 2013 أطلق سراح بولسين من السجن وتم ترحيله من الإمارات، وانتقل بعدها بسرعة إلى تركيا، حيث بدأ بنشر آرائه على صفحته الشخصية على الفيسبوك، وفي البداية لم يكن لهذه الآراء أي وقع أو أثر، ولكن الانفراج الحقيقي والشهرة جاءت عندما بدأ محمود فتحي – سلفي مصري معروف – بالترويج لآراء بولسين، حيث كانا يعيشان سويًا في شقة واحدة في أول فترة قدومها إلى تركيا، ومن غير المعروف كيف تقابلا في البداية.
محمود فتحي السلفي الثوري، هو مؤسس حزب الفضيلة، وهو أول حزب سلفي يؤسس بعد الثورة المصرية عام 2011، حيث تم دعم الحزب بالبداية، ولكن سرعان ما انقسم بعد تراجع الداعمين، لرفضهم لأفكاره وتنديدهم بها ووصفها بأنها متطرفة، وفعلاً في العامين التاليين للثورة، انجذب حزب الفضيلة إلى الأفكار المتطرفة على نحو متزايد، وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2012، أيد الحزب الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وهو محافظ هاجم الحكومة العسكرية المؤقتة، وألقي القبض عليه في وقت لاحق في صيف عام 2013، وفي أعقاب الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر عام 2013، تمكن فتحي من الفرار من مصر إلى تركيا، حيث بدأ من هناك بالدعوة إلى العنف ضد النظام الجديد، عن طريق قتل الجنود وضباط الشرطة، وسرعان ما اكتشف فتحي اشتراكه مع بولسين بالعديد من وجهات النظر.
فتحي يمتلك أرضية صلبة في الأوساط السلفية، كما أنه على معرفة وثيقة بالمشهد المصري، ولكنه – كمعظم الإسلاميين الغاضبين – يفتقر إلى وجود إستراتيجية محددة لإسقاط السيسي، وهنا جاء دور بولسين الذي استطاع سد هذه الفجوة عن طريق دعوته النشطة لنظريته الفوضوية المعارضة للعولمة، ومع مرور الوقت، جاء بولسين بإستراتيجية اقترحت مهاجمة الشركات متعددة الجنسيات لإسقاط النظام المصري، حيث حدد تكتيكات هذه الإستراتيجية بدقة، ووفر معلومات حول استهداف هذه الشركات، بما في ذلك العناوين وأرقام الهواتف لهذه الشركات.
جاء أول ظهور كبير لبولسين في مايو 2014 في مقابلة له حول الوضع في مصر، حيث تم التعريف به حينها على أنه “كبير المحللين” لمنظمة الحملة العالمية لمقاومة العدوان، وهي منظمة انطلقت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، وكان يرأسها رجل الدين السعودي المتطرف سفر الحوالي، وتشمل أعضاء سلفيين بارزين مثل الكويتي حاكم المطيري، ولكن القوة الدافعة الرئيسية لهذه المنظمة كانت بالقطري عبد الرحمن النعيمي، والذي تم تصنيفه من قبل حكومة الولايات المتحدة في وقت لاحق من عام 2013 كممول للإرهاب، وخلال سنوات التمرد العراقي، لعبت المنظمة دورًا أساسيًا في تمويل الزعيم السني العراقي حارث الضاري والمتطرفين السنة.
رسالة بولسين للثوريين الإسلاميين في مصر بسيطة، حيث يشير من خلال صفحته على الفيسبوك أن برنامج الليبرالية الجديدة يشكل خطرًا أكبر على مصر، وعلى الحركة الإسلامية، من عبد الفتاح السيسي، ويقول بولسين إن الرد على هذه البرنامج الليبرالي الخطير ينبغي أن يتمثل بحملة لتعطيل البرنامج عن طريق استهداف الشركات متعددة الجنسيات، هذا الاستهداف من شأنه تخفيض أرباح الشركات، وزيادة تكلفة ممارستها لأعمالها التجارية داخل مصر، وهذا سيجبرها على سحب دعمها للسيسي، والأخطر مما سبق، هو قول بولسين إن هذا النموذج لا ينطبق فقط على مصر، ولكن أيضًا يمكن استعماله في نضال الإسلاميين في أماكن أخرى.
إن نمو شعبية بولسين على وسائل الإعلام الاجتماعية، لم تساعده فقط على مد إستراتيجيته إلى الجماعات الإسلامية مثل حركة المقاومة الشعبية وحركة العقاب الثوري، بل إن أفكاره ألهمت أيضا حملة على الإنترنت تمت تسميتها بـ “مؤتمر الخاسرون“، وهي حملة تهدف إلى إفشال قمة المستثمرين المقبلة التي تروج لها حكومة السيسي على نطاق واسع، من خلال تشجيع استهداف وتهديد الشركات التي تخطط للمشاركة في هذه القمة الاقتصادية.
إن تحديثات الحالة الشخصية على موقع الفيسبوك التابع لبولسين ومقالاته، يتم ترجمتها بدقة إلى العربية من قِبل أنصاره الذي يقومون بنشر وتعميم رسالته، والبعض من هذه الترجمات تم نشرها من قبل موقع عربي 21 – الموقع الإخباري الممول من قبل قطر -، وليس من المستغرب أن تلاقي راديكالية بولسين المشبعة بنظرية المؤامرة ترحيبًا بين جمهور الإسلاميين المصريين، وخاصة بين جيل الشباب سريعي التأثر، والذين يتسوقون لأفكارهم من سوق الأفكار المزدحمة بالأيديولوجيات المتطرفة، ويمكن القول إن الخطاب الراديكالي والإستراتيجية المتطرفة لبولسين مؤيدان ضمنًا من قِبل جماعة الإخوان المسلمين، التي استضافته مرتين على قناة مصر الآن التابعة لها، كما أهملت الجماعة – بشكل فاضح – إدانة الهجمات التي قام بها الشباب المصري والتي دعا لها بولسين من خلال كتاباته.
يُصر بولسين على أن حملته تتجاوز مجرد معارضة الانقلاب العسكري في مصر، حيث يصيغ هذه الحملة على أنها إستراتيجية حاسمة للمشروع الإسلامي العالمي، ويقول إن مصر لديها الفرصة لريادة مسار جديد في النضال الإسلامي، والعالم بأسره يحتاج إلى هذا النموذج الجديد من المواجهة ضد نظام القوة العالمي، ويؤكد بولسين أن الإسلام هو العدو الحقيقي لإمبراطورية القوة الليبرالية الشيطانية الجديدة التي تسعى للاستيلاء على أراضي المسلمين الغنية بالموارد، حيث يشير إلى أن إقامة النظام الإسلامي يتطلب الاستقلال من الليبرالية الجديدة كشرط لازم له، ويوضح بولسين أن النموذج الرأسمالي هو مؤامرة من قوى الغدر الوثنية، التي تسعى لنشر دين الرأسمالية القائمة على الكفر، ويجب على جميع المؤمنين بالتوحيد الإسلامي محاربة هذا المشروع.
يصف بولسين “جهاده البديل” كشكل من الأشكال الأقل عنفًا والأكثر فعالية للمقاومة، في حال تمت مقارنة هذا الجهاد بـ”الإرهاب التقليدي”؛ فبولسين لا يشجع استهدف قوات الأمن، لأنه يقول إن محاربة الاستهداف “هو الشيء الذي تستعد له هذه القوات”، وبدلاً عن ذلك يطرح بعض الأفكار مثل رمي بعض العقبات الحادة تحت شاحنات النقل لشل سلاسل التوريد التابعة للشركات متعددة الجنسيات، والاتصال بهواتف الشركات والتهديد بوجود قنابل وهمية لتقليل كفاءة عملها، وعلى الرغم من أن هذه الأفكار تبدو غير ضارة نسبيًا، إلا أن بولسين بارك بالتفجيرات والهجمات الإرهابية التي استهدفت هذه الشركات، رغم أنه كان حريصًا على إبداء أسفه على الأبرياء الذين قضوا نتيجتها، كما وحث على الاحتراز عند مهاجمة الشركات وإحراقها.
في ذات الوقت نفسه، يقدم بولسين رسالته بشكل واضح تمامًا، حيث يحث على ضرورة المواجهة بغض النظر عن الثمن الذي يمكن أن يتم دفعه في المقابل، حيث يقول في أحد منشوراته “إذا قام عبيد المزارع بالثورة وأحرقوا منزل السيد، فإن العبيد الذين كانوا في المنزل سوف يضطرون للبحث عن مكان آخر للعيش فيه، ولكن هذا العمل ساعد على تحريرهم جميعًا من العبودية، وهو ثمن ضئيل مقابل فائدة عظيمة، ولكن نعم، هذا الثمن يجب أن يُدفع”، كما يقول بولسين إنه يمكن للمسلمين أن يجدوا مصدر الإلهام في حربهم ضد الشركات ضمن التاريخ الإسلامي، حيث يضرب مثالاً بالقبيلة اليهودية التي تعارك معها المسلمون الأوائل في القرن السابع الميلادي، ويشير أن حرق أشجار نخل بنو النضير حقق مالم تستطع إنجازه السيوف والسهام، والمسلمون الذين تبرر لهم الشريعة الكفاح المسلح، يمكن لهم أن يكافحوا ضد هيمنة الشركات الغربية في بلادهم.
تبعًا لما تقدم، يكون الهجوم على الامتيازات التجارية مثل KFC – الشركة التي خصها بولسين مرارًا وتكرارًا – هو خط المواجهة الأول في هذه المعركة، حيث يقول في أحد منشوراته “عندما تضرب KFC، أو أي من شركاتها، رسالتك تذهب مباشرة إلى قمة الهرم”، وذلك في إشارة إلى المجموعات الاستثمارية التي تمتلك أسهمًا في الشركة الأم لكنتاكي “يام براندس“، كما ظهر على حائط الفيسبوك في حساب بولسين صورة معدلة لمحل كنتاكي وهو يحترق كتب فوقها عبارة “أعمالك التجارية مقابل دمائنا”، وعلى الرغم من أن فكرة استهداف الإسلاميين لسلاسل الامتيازات التجارية “الفرنشايز” قد تبدو فكرة سخيفة، إلا أن هذا الشكل الجديد من أشكال الإرهاب يبشر باتجاه مشؤوم يُحتمل أن يؤدي إلى المزيد من القتلى المدنيين.
إن ظهور بولسين كمفكر إسلامي مؤخرًا، لا يمكن اعتباره من قبيل الصدفة، كون أفكاره تتشابك مع التيار الآخذ في الصعود داخل الإسلام السياسي، والمعروف باسم “الثورة السلفية”؛ فقبل وقت طويل من الثورة المصرية في عام 2011، ظهر أحد أعضاء الرعيل الأول لحركات الجهادية السلفية في مصر، وهو رفاعي سرور، والذي بدأ يروج لنسخة إسلاموية عنيفة جديدة تندمج فيها العقائد السلفية مع المبادئ الجهادية والمنهجية الثورية، وفعلاً تشربت الجذور السلفية لبعض الشباب المسلم هذه الأفكار، والذين كانوا متحمسين للعمل ولكنهم محبطين تحت قيادة الزعماء الدينيين التقليديين، وخلال الثورة التف الكثير من هؤلاء حول القائد حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي تزعم مجموعة رفضت أي تعاون مع الجيش خلال الفترة الانتقالية لما بعد الثورة، ودعت إلى تطبيق الشريعة الإسلامية فقط.
الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ومجزرة رابعة – التي قضى فيها مئات المتعاطفين مع الإخوان في شوارع القاهرة – استطاعا فعل ما كان يبدو مستحيلاً، وهو الحقن الثوري وإدخال أفكار معاداة الرأسمالية لدى فكر الإسلام السنة في مصر، وبطريقة أو بأخرى يمكن القول إن مفكري الثورة السلفية يتبعون خطى علي شريعتي، المفكر الإيراني الذي جمع بين الخطاب الماركسي الجديد المناهض للاستعمار وبين المفاهيم الحية والعميقة للإسلام السياسي.
وفاة رفاعي سرور لأسباب طبيعية في عام 2012، ترك السلفية الثورية دون منظر، في حين أن اعتقال حازم أبو إسماعيل بعد الانقلاب حرمها من زعيمها، والفجوة التي تركها غياب هاتين الشخصيتين في المجتمع السلفي الثوري كبيرة وهائلة، وتحاول عشرات الجماعات والأفراد سد هذا الفراغ الآن، كون السلفية الثورية، هي عقيدة مؤمنة بالتغيير ولديها القدرة على تنشيط الحركات الإسلامية، وهي الآن تنتظر لينينها الجديد.
ولكن يمكن أن نفترض عثور هذه الحركة بالفعل على الشخص المنشود في بولسين، والذي ثبت أن مزيجه من الإسلام ومعادة الرأسمالية يحدث أصداء مدوية، وإن تمثل لينين السلفية الثورية الجديد بشخصية قاتلة وعلى شفير الجنون، يشهد على عمق الأزمة التي يعاني منها الشباب المسلم السلفي في مصر، واستعدادهم لقبول أي شخصية راديكالية، حتى لو كانت على هيئة رجل لا يتحدث اللغة العربية.
صامويل تادرس: باحث بمعهد هادسون للحريات الدينية
مختار عوض: باحث بفريق الأمن القومي والسياسات الدولية بمركز التقدم الأمريكي
المصدر: فورين بوليسي