خرجت هيئة تنشيط السياحة في مصر بإعلان ترويجي عن السياحة المصرية بهدف تنشيط السياحة العربية، أثار الإعلان موجة من البلبلة بين مؤيد ومعارض لمضمونه في ظل الانقسام السياسي المصري الذي انسحب على كل شيء في الدولة.
هذا الفيديو الذي لقى احتفاءً وتأييدًا من أنصار الدولة المصرية الذين يشجعونها على طول الخط ويرون مبررات كافية لاستحسان أداء الدولة السياسي والاقتصادي بل والفني أيضًا في هذا المقطع الإعلاني، حيث بلغ عدد مشاهدي المقطع على موقع “يوتيوب” أكثر من نصف مليون شخص في أقل من 24 ساعة.
المقطع يشير إلى خليجي يخرج من المطار ليتجول في شوارع القاهرة ويرى أصنافًا مختلفة معبرة عن الشعب المصري من وجهة نظر مخرج هذا المقطع، لكن الأمر بحسب معلقين لم يعدو عن تعبير لصورة مصر كما يريد أن يراها الخليجيون وليست دعاية سياحية بأي حال من الأحول، حيث إن الإعلان تجاهل إبراز الجانب السياحي في مصر وأبرز جانبًا شعبويًا فسره البعض على أنه رسالة سياسية لاستجداء دعم الخليج لا أكثر.
كما استهجن البعض صناعة إعلان يتضمن سائح خليجي فقط وكأن السياحة العربية اقتصرت في الدول العربية على الخليج فقط، وكأن السياحة العربية هي السياحة الوحيدة التي تستثمر فيها مصر، فلم يظهر في الإعلان أي مظهر لسائح غربي أو عربي آخر سوى شخصية نمطية لسائح خليجي.
ما دعى البعض للتأكيد على أن هذا الإعلان رخيص للغاية وفقير في محتواه بالمقارنة بالإعلانات الترويجية السياحية التي يصنعها الخليج نفسه لبلاده، وأن هذا الإعلان هو مجرد مصالحة سياسية مع الكفيل الخليجي الذي شعر بالإهانة من التسريبات الأخيرة التي احتوت على ازدراء لدول الخليج من قِبل الجنرال السيسي ومدير مكتبه.
جدير بالذكر أن الدكتور سامي عبدالعزيز عميد كلية الإعلام والمقرب من دائرة الجنرال السياسية هو المستشار الإعلامي لهذا الإعلان؛ ما يعطي صورة ذهنية أن للسلطات المصرية يد في إنتاج مثل هذه الإعلانات التي تحمل صبغة سياسية وليست لمجرد ترويج سياحي كما يردد البعض، خاصة وأن العلاقة بين السلطات المصرية والدول الخليجية هي الأقوى منذ زمن وأن الخليج هو الداعم الاقتصادي الأول لمصر.
استكمل النقاد الفنيون حديثهم عن الإعلان ووصفه البعض بأنه تشويه لصورة مصر وذلك بسبب بعض أفكاره التي يبثها، كفكرة الفتاة التي تعطي السائح الخليجي وردة وتفسيرها أن لها دلالة ترتبط بإهانة المرأة المصرية كذلك الرقص الذي يشاهده الخليجي ويحمل نفس الإهانة كما في المشهد الآخر وهو أن المرأة المصرية سلعة لدى السائح الخليجي.
أما المنفذين لهذا الإعلان فقد تم تكريمهم من قِبل رئيس الوزراء إبراهيم محلب، وبالبحث حول بطل الكليب الشاب الخليجي؛ تبين أنه ليس خليجيًا وإنما شاب مصري هو من قام بأداء هذا الدور على عكس ما كان متوقع، إذ تمت الاستعانة بمطربين من الخليج في الإعلان ولم يتم الإستعانة بممثل خليجي؛ الأمر الذي كان مسار سخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذي يرون هذا دليلًا على عدم إتقانه بالشكل المطلوب وأن همه إظهار شكل نمطي خليجي ليس بالضرورة وجوده في مصر على هذه الهيئة.
وأما عن حرص الدولة المصرية على هذه العلاقة مع الخليج والسياحة الآتية منه وهل هذا الأمر له صدى على أرض الواقع بين المواطنيين والسلطة؟
تروي إحدى بنات داعية خليجي معروف أن الأمن المصري وضع لها كاميرات داخل غرفة نومها في أحد الفنادق المصرية أثناء زياراتها لمصر وقام بتصوريها عارية وهددها بهذه الصور بعد ذلك على خلفية انتماء والدها، فهذه إحدى طرق معاملة الأمن المصري مع السياحة الخليجية التي تريد مصر تنشيطها.
وعلى المستوى الشعبي تروى مئات القصص التي تبرز كيف يرى المصريون الخليجيين والعكس منها، قصة حقيقية تناقلتها وسائل الإعلام المصرية والسعودية على حد سواء عن علاقة السياح من منطقة الخليج بالمصريين، عندما أدى حادث مروري إلى الإيقاع بسيدة مصرية متخصصة في النصب على السعوديين والخليجيين باستخدام الإغراءات الجنسية، وتفاصيل القصة تأتي بعدما صدمت سيارة سيدة مصرية طفلاً صغيرًا ووقعت في قبضة الشرطة التي بدورها شكت في مطابقتها لمواصفات سيدة قامت بالنصب على مجموعة من السياح الخليجيين، وصرحت المتهمة عقب إلقاء القبض عليها أن حكايتها تبدأ مع سعودي فر بعد 15 يومًا من الزواج بها تاركًا جنينا في بطنها؛ مما دفعها للانتقام من كل منتمٍ إلى منطقة الخليج، بعد ذلك وجدت المتهمة ضالتها في شاب مصري أقنعها بالتعاون معه لتأسيس شبكة توقع الخليجيين الطالبين للمتعة الحرام، وكان دور المتهمة متمثلاً في اقتياد الهدف إلى المكان المتفق عليه، حتى يدخل الشاب متقمصًا دور زوج المتهمة، متوعدًا ومهددًا الشخص طالب المتعة حتى يتم ابتزازه وسرقة ما بحوزته راضيًا خوفًا من الفضيحة في شكل درامي أشبه بالأفلام، وتروي المتهمة تفاصيل تطوير الشبكة وتحويلها إلى شكل مؤسسي، حيث تم إنشاء شركة للتسويق العقاري تنصب على الخليجيين والمصريين الراغبين في شراء عقارات في مصر، وبعد النشاط العقاري اللامشروع بدأت البلاغات تتكاثر في ملفات السلطات الأمنية، ومن البلاغات المدونة في ملفات السلطات الأمنية ما تقدم به سعودي نهبت منه المتهمة 225 ألف جنيه، وسيدة إماراتية تدّعى أنها نهبت منها 220 ألف جنيه.
هذه القصة على سبيل المثال تعطيك صورة ذهنية عن مصر القريبة من الخليج، فزواج المتعة بين السياح من الخليج والفتيات المصريات صغيرات السن انتشر في مصر منذ التسعينات، حتى إن الأفلام المصرية أخرجت هذه الصورة إلى العلن بشكل واضح معبرة عن الواقع الذي تفشى فيه هذا الأمر بين الفقراء خاصة الذين يزوجون بناتهم الصغيرات لسياح من الخليج مقابل مبلغ من المال، وما إن تنتهي أجازة السائح حتى يتركها دون أية حقوق، حيث حذّر رئيس القسم القنصلي لشؤون الرعايا بسفارة المملكة السعودية بالقاهرة إبراهيم بن حمد الحميد، السياح السعوديين القادمين إلى جمهورية مصر العربية من مغبة الوقوع في نفق الزواج العرفي خاصة بعد صدور القانون الجديد في مصر (قانون حماية الطفل وقانون الإتجار بالبشر) والذي يُجرم الزواج بأي فتاة مصرية تقل عن 18 سنة حتى لو كان بموافقة ولي الأمر وأهلها، والذي يستوجب فيه الحبس لمدة تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات.
وكشف الحميد عن استحداث قسم خاص في السفارة يعنى برعاية مصالح المواطنين السعوديين تحت مسمى شؤون الرعايا، مشيرًا إلى أن عدد الزوار السعوديين لمصر والذي يقارب المليون زائر سنويًا تطلّب أن يكون هناك قسم خاص في السفارة يعنى برعاية مصالحهم، و شدد الحميد على السياح السعوديين بعدم الانجراف خلف مشاكل “التايم شير” بلا استثناء والذي تستغله بعض الشركات لخداع السياح السعوديين وأكل أموالهم بالباطل، مؤكدًا أن هذا الأمر مطبق في أوروبا بنجاح لأن فيه مصداقية كبيرة، لكن تطبقه بعض الشركات في مصر بقصد النصب والاحتيال على الزائر وأخذ مبالغ مالية ودفعات والحصول على توقيعه على إيصالات دفع بدون مقابل، هكذا يرى الخليج مصر القريبة.
كما تعطيك هذه الروايات حقيقة كيف يرى المصريون السياح من الخليج على هيئة “أجوال من الرز متحركة” على طريقة الجنرال من كثرة صرف أموالهم ببذخ في مصر، فكانت ظاهرة النصب عليهم من قِبل مجموعات منظمة دائمًا ما تتحدث عنهم سجلات شرطة السياحة إذا ما أرادت توثيق هذا الكلام بمحاضر رسمية ثابتة، كما تبرز هذه القصص والمئات غيرها كيف يرى السائح الخليجي مصر عن طريق خلفيته الذهنية التي لا ترى في مصر سوى الراقصات والكباريهات المنتشرة في شارع الهرم وغيره والتي يعتبر معظم روادها من الخليج، وإذا أردت أن تتأكد من هذا أيضًا عليك بجولة ميدانية في شارع الهرم عقب انتهاء سهراتهم في الخامسة صباحًا لتراهم أفواجًا.
ناهيك عن سجلات السفارة السعودية في مصر التي تبرز كيف يتعامل بعض المصريين مع السائح الخليجي من كثرة البلاغات المقدمة من مواطنين سعوديين يشتكون من تعرضهم للنصب من قِبل شباب مصري انتحلوا صفة ضباط شرطة وأخذوا أموالهم تارة أو نصبوا عليهم في استئجار عقارات تارة أخرى، وغيرها من مئات البلاغات التي تظهر مصر القريبة من الخليج.
لا يمكن أن يتم إطلاق أحكام عمومية بهذا الأمر، لكن من الواضح أن السياحة الخليجية في مصر لا تحتاج إلى مثل هذا الإعلان، بل تحتاج إلى الضبط الداخلي حتى لا يتم تشويه سمعة المصريين ولا يتم استغلال السائحين القادمين من الخليج والذي يستوجب أيضًا على الحكومة المصرية مراقبة أنشتطهم التي تضر بمصالح الدولة في مصر، لكن من المؤكد أن الأموال الخليجية التي لا تنقطع عن دعم هذا النظام لن تجعله يفكر في شيء سوى استجلاب مزيد من هذا “الرز” أو هذه الأموال بأي طريقة سياحية كانت أو غيرها.