تستمر مظاهرات المعلمين الأحوازيين القادمين من عدة مدن للتظاهر أمام الدائرة العامة للتربية والتعليم في الأحواز الشمالية، مطالبين بزيادة الرواتب التي لم تعد مناسبة للزيادة الشديدة في الأسعار والتي أضرت بوضعهم الاقتصادي وأثرت على مستوياتهم المعيشية بشكل سلبي بالغ جعل من أغلب المعلمين في تلك المنطقة يلجأون إلى العمل في مكان آخر بعد إنهاء العمل في المؤسسات التعليمية، لكن غلاء الحياة وارتفاع مصروفاتهم اليومية ومصروفات أطفالهم أصبح فوق طاقتهم حتى مع 16 ساعة عمل يوميًا.
والأحواز أو الأهواز هي عاصمة ومركز محافظة خوزستان والتي تقع شمال غرب دولة إيران ويخترق المدينة نهر كارون، وتتركز الأقلية في عربية والتي تمثل 2% من النسبة الكلية لسكان إيران في تلك المدينة التي يقطنها حوالي اثنين مليون نسمة؛ مما يجعلها أكبر مدينة في خوزستان.
كانت التظاهرات قد بدأت السبت من هذا الأسبوع وسط حالة من الإصرار الشديد من المعلمين على الاستمرار في التجمع والتحصن أمام مقر الدائرة العامة للتربية والتعليم وساندتهم في مظاهراتهم العديد من الفئات المختلفة والتي شاركتهم همومهم.
جعلت تلك الأوضاع الاقتصادية السيئة في إيران من المعلمين الشريحة الأكثر معاناة في الدولة التي تعاني من أزمات اقتصادية فادحة بسبب هبوط أسعار النفط العالمية؛ مما دفع بالعديد من المعلمين إلى العمل كسائقين للتاكسيات أو باعة جائلين أو حتى في المزارع والمصانع.
إلا أنه وبالرغم من كل هذا فإن هناك مشاكل أخرى أكثر خطورة وعمقًا في تلك المدينة التي تسكن فيها نسبة كبيرة من الأقلية العربية الموجودة في إيران، حيث يعاني أبناء المدينة العرب من مشاكل جوهرية تتعلق بالهوية والثقافة واللغة، فأبناء العرب في تلك المدينة يتعلمون في منازلهم اللغة الأولى وهي العربية حتى يصلوا إلى مرحلة دخول المدارس ليجدوا أن كل المواد تُدرس باللغة الفارسية والتي تقضي على لغتهم وثقافتهم العربية كلما تقدموا في السنوات الدراسية.
ويحاول العديد من الآباء والأمهات العرب مساعدة أبنائهم في الحفاظ على هويتهم العربية بشتى الوسائل الممكنة حتى وإن تطلب الأمر إحضار مدرس خاص لتعليم اللغة والثقافة العربية، إلا أن حالة التمييز التي تعاني منها الأقلية العربية في إيران جعلت من افتضاح هذا الأمر سببًا في تعرضهم لأشد العقوبات وللمساءلة القانونية والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى عقوبات بالإعدام على الرغم من عدم وجود ما يمنع من تعليم اللغة العربية خارج المدرسة في القانون الإيراني، لكن الواقع الذي تم رصده من قِبل نشطاء ومراكز حقوقية في إيران يؤكد وجود نسبة كبيرة من العقوبات التي صدرت في حق العرب في مدينة الأحواز بسبب اتهامات أغلبها ملفقة.
بشكل عام تعاني الأقليات في إيران من الاضطهاد القومي، فكل من الأكراد والتركمان والأذريين والعرب يعانون من أشكال مختلفة من العنصرية الصريحة تجاههم على الرغم من أن الدستور الإيراني ينص على احترام الأقليات وأن لكل فئة من فئات الشعب الحق في المحافظة على ثقافتها وهويتها ولغتها الخاصة بها، ويعاني أهالي مدينة الأحواز في إيران من عبء إضافي وذلك بسبب اللغة المعادية للعرب والتي تنتشر بشدة في وسائل الإعلام الإيرانية.
في نفس السياق، كان أحد المعلمين المحتجين في المدينة قد أشار إلى أن فقر المعلم سيسبب فاجعة للأطفال نظرًا لضرورة فراغ باله للتدريس وتركيزه على المادة التي يحتاجها الطفل خصوصًا في الجانب التربوي، ومع انتشار المخدرات والجريمة والبطالة في المدينة فإن المعلمين خصوصًا والمثقفين عمومًا هم القادرون على إصلاح المجتمع في الأحواز، لكن هذه الأوضاع الاقتصادية والحالة النفسية العامة الموجودة في الشارع الأحوازي تسببت في ترك الكثير من الأطفال مدارسهم واللجوء للعمل لمساعدة عائلاتهم أو بسبب فشلهم الدراسي مع هبوط مستوى التدريس والإجبار على أن تبدأ الدراسة من الصف الأول باللغة الفارسية ومنع اللغة العربية بالمدرسة على الرغم من أن بعض الأطفال لا يعرفون الفارسية أصلًا، فهناك بعض الإحصائيات التي تشير إلى أن أكثر من 8% من الأطفال سنويًا يتركون المدارس في الشهرين الأوائل للسنة الدراسية و3% يتركونها بعد ذلك في وسط السنة الدراسية؛ مما يبين أن أزمة مجتمعية كبيرة موجودة في الأحواز بسبب سوء تعامل الدولة مع الأزمة الاقتصادية بالإضافة إلى تعنتها فيما يتعلق بتدريس اللغة العربية.
علاوة على ذلك، فقد أشارت صحيفة “الرياض” إلى الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان التي تمارسها الحكومة الإيرانية بحق الأسرى العرب، حيث تعتقل طهران المناضلين الأحوازيين بطريقة وحشية بعد أن يتم خطفهم ويتم نقلهم إلى معتقلات سرية خاضعة للحراسة المشددة والتي يتم فيها تهديد السجين أثناء استجوابه من أجل أخذ معلومات قابلة للتحوير حتى تستخدمها ضدهم لتنفيذ حكم الإعدام ولإصدار أحكام طويلة بالسجن، أو يقوم حينها جهاز المخابرات الإيراني باستخدام أسلوب التهديد باعتقال عوائل الأسرى للزج بهم في زنازين النظام، وهذا التهديد غالبًا ما يكون له أثر بالغ على معنويات الأسرى الأحوازيين وفي كثير من الأحيان يؤدي إلى القبول بالتهم الملفقة من أجل الحفاظ على عوائلهم وعدم تعرضهم للخطر.