الصورة: ماجد نواز: الجهادي السابق ومدير مؤسسة كويليام، مع فرانك كيلوفو مدير معهد سياسات الأمن القومي
ترجمة وتحرير نون بوست
في كل مرة يحصل فيها هجوم إرهابي يصل إلى عناوين الصحف المحلية، تطفو ذات الشخصيات المتحدثة على سطح المشهد، لتثرثر بذات الكلام الممجوج في جميع أرجاء وسائل الإعلام، حيث تتنوع هذه الشخصيات من ناقدي التلفزيون السطحيين إلى محللي الصحف المثقفين.
قبل بضع سنوات، استضافت قناة بي بي سي في برنامج نيوزنايت لقاء تحاوري ما بين ماجد نواز مدير مؤسسة كويليام لمكافحة التطرف الديني في بريطانيا، وأنجم شوداري رئيس المجموعة الإسلامية المحظورة المعروفة سابقًا باسم جماعة “المهاجرون”، والتي ظهرت بأشكال جديدة مرارًا وتكرارًا منذ حظرها، وأحد آخر أشكالها هي منظمة الإسلام لبريطانيا “Islam4UK“.
نواز وشوداري تلقيا اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام الكبرى، حيث ظهرا في عناوين الصحف، وساهما في لقاءات الأخبار المتلفزة، وشاركا في المحافل الحوارية الكبرى، ولكن الأمر الذي لا يعلمه أغلب الأشخاص، هو أن ما يجمعهما هو شيء مشترك واحد: الأجهزة الأمنية في بريطانيا، وصدقوا أو لا تصدقوا أن هذه الحقيقة الغريبة تفسر كيف استطاع السفاح وقاطع الرؤوس الشهير في الدولة الإسلامية المواطن اللندني السابق محمد الموازي – الذي يعرف باسم “الجهادي جون” – الوصول إلى تنظيم داعش.
حكاية جهاديين
بعد تخليه عن عضويته في حزب التحرير الإسلامي، شارك ماجد نواز في تأسيس مؤسسة كويليام مع زمليه السابق في حزب التحرير إد حسين.
أسس نواز وحسين مؤسسة كويليام بدعم مالي كبير من الحكومة البريطانية، كما ازدادت شعبية المؤسسة بشكل هائل بعد إطلاق مذكرات إد حسين التي رواها في كتابه “الإسلامي“، والذي أصبح بسرعة من أكثر الكتب مبيعًا، وأثار المئات من التحليلات والمقابلات والمقالات.
يروي كتاب إد حسين رحلته المتمثلة في التحول من شاب مسلم مظلوم إلى ناشط إسلامي، ويفضي الكتاب بالمحصلة إلى الرفض التام للفكر الإسلامي المتطرف، وهذا الكتاب يماثل كتاب ماجد نواز “راديكالي” الذي صدر في الآونة الأخيرة، وأثار ضجة كبيرة في الأوساط الإعلامية.
“الإسلامي” و”راديكالي” كتابان يعتمدان على رحلة التحول لدى الكاتبين والتي تقدم رؤى مستفزة وحقيقية، ولكن الأمر الذي لا يعترف به الكاتبان أو الحكومة البريطانية بشكل رسمي، هو أن الحكومة البريطانية لعبت دورًا أكثر مباشرةً في صياغة تلك التحولات.
الحكومة هي الكاتب الخفي
في أواخر عام 2013، قابلتُ باحث كبير ومسؤول سابق في وزارة الداخلية البريطانية، كشف لي أن كتاب إد حسين “الإسلامي” كتبته الحكومة البريطانية بشكل خفي، حيث أشار المسؤول أنه في عام 2006، أُبلغ من قِبل زميل له في الحكومة تربطه علاقات وثيقة مع جاك سترو – وزير خارجية بريطاني سابق – وجوردون براون – رئيس حكومة بريطاني سابق – أن مشروع كتاب حسين تم تنقيحه من خلال مساهمات حكومية، كما أشار الموظف الحكومي أنه رأى خمسة مسودات من الكتاب على الأقل، وآخر واحدة كانت مختلفة بشكل كبير عن الأولى.
يقول المصدر إن مشروع الكتاب تم التلاعب به من قِبل أكثر من مصدر سياسي، ليصبح مواليًا للحكومة بشكل واضح، واللجنة التي كان تعدل على كتاب حسين قبل نشره رسميًا، شملت كبار المسؤولين الحكوميين من شارع 10 داوننغ ستريت، والمركز المشترك لتحليل الارهاب، والمخابرات البريطانية، ووزارة الخارجية، ووزارة الداخلية.
عندما قمتُ بإرسال هذا الحقائق مرارًا وتكرارًا إلى حسين للتعليق على صحة هذه الادعاءات، لم يرسل لي أي جواب، كما قمت بسؤال نواز فيما إذا كان على بيّنة من دور الحكومة في تحرير كتاب حسين بشكل خفي، وسألته إن كان قد مر بتجربة مماثلة أثناء كتابة “راديكالي”، ولكنه لم يرد على تساؤلاتي أيضًا.
في الوقت الذي كان فيه حسين ينسق مع المسؤولين في الحكومة والمخابرات البريطانية لإخراج كتاب “الإسلامي” منذ 2006 وحتى صدور الكتاب في مايو عام 2007، كان صديقه نواز في السجن في مصر، وعندما أُطلق سراح نواز في نهاية المطاف في مارس 2006، أعلن انسحابه من حزب التحرير قبل شهر فقط من نشر كتاب حسين، وحينها قال حسين إنه صاحب التأثير الأكبر على قرار نواز، وبحلول نوفمبر 2007 أسسا مؤسسة كويليام وأصبح نواز مديرًا للمؤسسة وحسين نائبًا له، ووفقًا للأخير فإن نواز لعب دورًا في تعديل أجزاء من نص كتاب “الإسلامي”، في ذات العام الذي كان يجري فيه تحرير الكتاب من قِبل المسؤولين الحكوميين، حيث قال حسين “قبل نشر الكتاب، تناقشت مع صديقي وشقيقي في الإيمان ماجد حول بعض المقاطع في الكتاب”، ويقصد هنا المقاطع التي كانت بحاجة إلى التحقق من تفاصيلها في فترة وجود نواز وحسين في حزب التحرير.
هذه التصريحات تظهر الانقطاع في التسلسل الزمني ما بين حسين ونواز، حيث أشار نواز بشكل متكرر وفي مقابلات حول عملية اجتثاث التطرف التي عالج بها نفسه، أنه رفض بحزم وبشكل حاسم أيديولوجية حزب التحرير الإسلامية منذ كان في السجن في مصر، ولكن الواقع يشير أنه عند الإفراج عنه وعودته إلى بريطانيا، لم يظهر نواز أي علامة على بلوغه هذا القرار، وبدلاً من ذلك فعل العكس؛ ففي أبريل 2006، قال نواز في برنامج هارد توك “Hardtalk” على قناة بي بي سي إن سجنه في مصر “أقنعه بشكل أكبر بالحاجة إلى إنشاء الخلافة الإسلامية في أقرب وقت ممكن”، وفي ذاك الحين كان نواز يشغل مركز عضو اللجنة التنفيذية لحزب التحرير، وشارك في عشرات المحادثات والمقابلات التي روج فيها بشدة للحزب.
التقيتُ نواز للمرة الأولى في 2 ديسمبر عام 2006 ضمن مؤتمر نظمته الحملة المضادة لتجريم المجتمعات حول موضوع “استعادة حقوقنا”، وفي هذا المؤتمر تحدثت في حلقة نقاشية حول النتائج التي قدمتها في كتابي “تفجيرات لندن: تحقيق مستقل“، وتكلمت حول تواطؤ الدولة البريطانية مع المتطرفين الإسلاميين الذي سهّل تفجيرات 7/7 في لندن، وكان نواز حاضرًا في هذا الحدث كأحد الجمهور مع ناشطين آخرين من كبار نشطاء حزب التحرير، وهناك تكلمنا بشكل موجز، وركز حينها نواز في حديثه على عمله المستمر مع حزب التحرير.
بحلول يناير من عام 2007، انضم نواز إلى محتجي حزب التحرير الذين اعتصموا أمام السفارة الأمريكية في لندن، لإدانة العمليات العسكرية الأمريكية في العراق والصومال، وهناك ألقى نواز كلمة قوية للمطالبة بإنهاء التدخل الاستعماري في العالم الإسلامي، ودعا إلى إنشاء خلافة إسلامية للوقوف في وجه هذه الإمبريالية وإنهاء الدعم الغربي للدكتاتوريين.
على الرغم مما تقدم، ورغم التحريض الواضح الذي عرَضَه للعامة بالنيابة عن حزب التحرير من منتصف عام 2006 وصاعدًا، يرفض نواز الأيديولوجية التي كان يعِظ بها بشدة، وفي الواقع، وفي هذه الفترة، يزعم نواز أنه كان ينسق مع صديقه إد حسين – الذي كان لايزال في جدة حينها- ويساعده على تنقيح نص حول محاربة حزب التحرير في كتابه “الإسلامي”.
إن علاقة الحكومة البريطانية الحميمة والسرية مع حسين في العام الذي سبق نشر كتابه في عام 2007، تبيّن -وخلافًا لسيرته الذاتية الرسمية- أن مؤسس كويليام كان جزء لا يتجزأ من الحكومة البريطانية، قبل فترة طويلة من ظهوره كشخصية إعلامية علنية، ولكن كيف استطاع حسين تأسيس اتصالاته على هذا المستوى الرفيع؟
إسلاميو المخابرات البريطانية
وفقًا للدكتور نعمان حنيف، وهو محاضر في الإرهاب الدولي والإسلام السياسي في كلية بيركبيك في جامعة لندن، وخبير في شؤون حزب التحرير، فإن وجود الحزب في بريطانيا ساعد على توفير العديد من الفرص للمخابرات الغربية لاختراق الحزب أو للتأثير عليه.
الدكتور حنيف، الذي كانت أطروحة الدكتوراة التي قدمها حول حزب التحرير، يشير أن فترة وجود حسين داخل الحزب تزامنت مع قيادة عمر بكري محمد فستق للحزب، وهو رجل دين مثير للجدل، ترك الجماعة في عام 1996 لتأسيس جماعة “المهاجرون” الجماعة المتشددة الناشطة حتى يومنا هذا والمرتبطة بالمؤامرات الإرهابية الكبرى في بريطانيا.
ويشير الدكتور حنيف أن حزب التحرير تحت قيادة بكري كان في أوج انحرافه عن مفاهيمه، وفي قمة تحوله الحاد عن أفكاره الأساسية، بسبب دعوة بكري إلى العنف وتركيزه على إقامة دولة إسلامية في المملكة المتحدة، هذه الأهداف التي تتعارض مع مبادئ حزب التحرير.
يقول جون لوفتوس ضابط استخبارات سابق في الجيش الأمريكي والمدعي العام لوزارة العدل الأمريكية، إنه عندما انسحب بكري من حزب التحرير وأنشأ جماعة “المهاجرون” في عام 1996، تم تجنيده مباشرة من قبل المخابرات البريطانية – المكتب السادس “MI6” لتسهيل الأنشطة الإسلامية في البلقان، ولم يقتصر الأمر على بكري، بل تم أيضًا تجنيد أبو حمزة المصري، الذي أدين مؤخرًا في الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالإرهاب.
وعندما أسس بكري جماعة “المهاجرون” في عام 1996 بمباركة من الأجهزة الأمنية في بريطانيا، كان شريكه المؤسس هو أنجم شوداري، الذي شارك بشكل وثيق في برنامج سري لتدريب وإرسال البريطانيين للقتال في الخارج، وبعد ثلاث سنوات تباهى في حديث له لصحيفة صنداي تلغراف “أن بعض التدريب كان ينطوي على استخدام الأسلحة والذخيرة الحية”، وهنا يوثق المؤرخ مارك كورتيس، في عمله البارز “شؤون سرية: التواطؤ البريطاني مع الإسلام الراديكالي” كيف تم هذا الاتفاق، حيث قام بكري بتدريب المئات من البريطانيين في مخيمات المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وأرسلهم للانضمام إلى المقاتلين التابعين لتنظيم القاعدة في البوسنة وكوسوفو والشيشان.
قبل تفجيرات لندن عام 2005 بفترة وجيزة، أشار رون سوسكيند الصحفي المحقق في صحيفة وول ستريت جورنال الفائز بجائزة بوليتزر، أن مسؤول كبير في المخابرات البريطانية، المكتب الخامس “MI5″، أخبره أن بكري عمل كمخبر لفترة طويلة في الخدمة السرية وساعد المكتب الخامس في العديد من تحقيقاته، ويضيف سوسكيند في كتابه “طريق العالم” أن بكري اعترف على مضض بعلاقته مع الاستخبارات البريطانية في مقابلة له في بيروت، ولكن سوسكيند لم يعطِ أي مؤشر على انتهاء علاقة بكري مع المخابرات البريطانية.
إضافة لما سبق، أخبرني أحد المحامين الكبار في لندن وهو مختص في شؤون الإرهاب وتوكل عن العديد من العملاء في عدة قضايا رفيعة المستوى متعلقة بالإرهاب، أن كلاً من بكري وشوداري كانا يحضران اجتماعات منتظمة مع ضباط مكتب الاستخبارات البريطاني الخامس “MI5” في التسعينيات، المحامي الذي يعمل لحساب شركة محاماة رائدة تتصل بشكل منتظم مع مكتب الاستخبارات الخامس “MI5” لإدارة جلسات المحكمة المغلقة التي تنطوي على أدلة سرية، قال لي “عقد عمر بكري أكثر من 20 اجتماعًا مع “MI5″ منذ عام 1993 وحتى نهاية التسعينيات، أما أنجم شوداري فقد شارك في هذه الاجتماعات على ما يبدو في نهاية القرن الماضي، وفي الواقع هذه المعلومات كانت معروفة للعديد من كبار الزعماء الإسلاميين في بريطانيا في ذلك الوقت”.
وفقًا للدكتور حنيف، من المرجح أن تكون علاقة بكري مع أجهزة الاستخبارات بدأت خلال ترأسه لحزب التحرير في بريطانيا لمدة ست سنوات، كون استلامه لهذا المنصب من شأنه أن يسهل على الاستخبارات البريطانية مهمة اختراق الحزب على نطاق واسع، وبالفعل كان حزب التحرير خارج بريطانيا موضوع تحت مراقبة مكتب الاستخبارات البريطاني السادس “MI6” بسبب مستوى الدعم الجوهري الذي يحصل عليه من الأردن، وبسبب مستوى نشاطه الثابت ضمن مناطق في الشرق الأوسط منذ أكثر من خمسة عقود.
إن بعض أعضاء حزب التحرير هم على بيّنة من اتصالات بكري مع الاستخبارات، بما في ذلك -على ما يبدو- إد حسين نفسه؛ ففي أحد مقاطع كتابه “الإسلامي” (ص 116)، يروي حسين: “كنا نشعر بالقلق إزاء طلب عمر للجوء السياسي في بريطانيا، وقد أثرتُ هذا الموضوع مع بيرني، عضو آخر في حزب التحرير”، ويتابع حسين “البريطانيون ماكرين كالثعابين، إنهم يختارون مناوراتهم بعناية، هم بحاجة إلى عمر في بريطانيا، وعلى الأرجح سيكون عمر سفيرًا لدولة الخلافة هنا في بريطانيا، الكفار يعرفون أن السماح لعمر بالبقاء في بريطانيا سيمنحهم بداية ممتازة، وهذه البداية هي ميزة دبلوماسية ستلعب دورًا مهمًا عندما يكون عليهم التعامل مع الدولة الإسلامية، وإن وجود عمر يخدمهم في المستقبل، المكتب الخامس MI5 يعرف بالضبط ما نقوم به، ولأي الأهداف نخطط، ومع ذلك أعطونا الضوء الأخضر للعمل في بريطانيا”.
حسين ترك حزب التحرير بعد مغادة بكري للحزب في أغسطس 2007، ويقول فيصل حق، موظف بريطاني في الحكومة المدنية وعضو سابق في حزب التحرير، إن إد حسين خلال فترة وجوده في الحزب كان على علاقة شخصية وثيقة مع بكري، وأشار حق أن حسين لم يترك الحزب لأسباب أيديولوجية، بل بسبب علاقته الشخصية الوثيقة مع عمر بكري التي حفزته على مغادرة الحزب بعد طرد بكري منه.
حسين عمل لبعض الوقت في الشرق الأوسط، فمن عام 2003 وحتى عام 2005، عمل حسين في المجلس الثقافي البريطاني في دمشق، وخلال تلك الفترة، اعترف بشكل شخصي أنه بلّغ عن أعضاء بريطانيين آخرين من حزب التحرير كانوا يقومون بالتحريض ضد نظام بشار الأسد، حيث عملت السلطات السورية حينها على ترحيلهم إلى بريطانيا، وفي هذا الوقت كانت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والمكتب الاستخبارتي البريطاني السادس يتعاونان بشكل روتيني مع الأسد على برامج الترحيل السري.
بعد دمشق، عمل حسين في المجلس الثقافي البريطاني في جدة بالمملكة العربية السعودية، من أواخر عام 2005 وحتى نهاية عام 2006، وطوال هذا العام – وفقًا لما أفادني به المسؤول السابق في وزارة الداخلية البريطانية- ، كان حسين على اتصال مباشر مع كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية التي كانت تدقق كتابه “الإسلامي”، وفي نوفمبر من عام 2006 نشر حسين على موقع دين بورت – منتدى للمناقشة الدينية على الإنترنت – تعليق تم حذفه حاليًا، يشير فيه إلى الأعمال الاستخباراتية داخل حزب التحرير بقوله “حتى داخل حزب التحرير في بريطانيا اليوم، هناك انقسام كبير بين دعاة التحديث والجهات المتطرفة، والاستخبارات السرية تأمل أن يروض المحدثون المتطرفين، أما أنا فأتوقع انقسام آخر، والله أعلم، لقد قلت أكثر مما كان ينبغي أن أقوله حول هذا الموضوع، ومن الآن فصاعدًا، سأغلق فمي”.
بعد فترة وجيزة، يعلن ماجد نواز تركه لحزب التحرير، ويؤسس لمؤسسة كويليام مع عدة أشخاص آخرين من الحزب، كثير منهم – وفقًا لنواز – عملوا معه ومع حسين كفريق وراء الكواليس.
خبراء الجهاد الذين لم يكونوا جهاديين
ربما كانت أكبر مشكلة بادعاءات حسين ونواز بخبرتهما بالإرهاب هي أنهما لم يكونا في يوم من الأيام من الجهاديين، كون حزب التحرير هو حركة غير عنيفة تهدف لإقامة “الخلافة” العالمية من خلال النضال الاجتماعي، مع التركيز على الحاجة إلى النشاط السياسي في العالم الإسلامي، ومهما كانت العيوب الأيديولوجية والسياسية التي ارتكبها الحزب، إلا أنه ليس له أي علاقة ظاهرة بإرهاب تنظيم القاعدة.
ومع ذلك، حسين ونواز، جنبًا إلى جنب مع الحكومة البريطانية، مقتنعين أن تجاربهما الشخصية بالتطرف واجتثاث التطرف يمكن أن يتم تطبيقها في الحرب الحالية على الإرهاب، رغم أن أيًا منهما في الواقع ليس لديه أدنى فكرة عن ديناميات الشبكة الإرهابية الفعلية، وعملية التطرف التي تؤدي في نهاية المطاف إلى العنف، وبالنتيجة آراء حسين ونواز مضللة بشكل كبير ومهووسة بدون أدلة، واقتصرا على تصوير الأيديولوجيات المتطرفة غير العنيفة ورفضها باعتبارها الوسيلة الأنجع لمنع الإرهاب.
إن أفكار حسين ونواز الجوهرية حول التطرف غير العنيف التي تم طرحها من خلال مؤسسة كويليام، أثرت إلى حد كبير في الخطابات الرسمية لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم الغربي، وبالطبع يعزا هذا التأثير إلى الأموال الطائلة التي نثرتها الحكومة لتمويل أفكار حسين ونواز وتغطيتها إعلاميًا بشكل مكثف، كما عملت الحكومة على دفع مدراء وموظفي مؤسسة كويليام لتقديم “تدريب اجتثاث التطرف” للموظفين الحكوميين والأمنيين في الولايات المتحدة وأوروبا.
في المملكة المتحدة، تم اعتماد نهج مؤسسة كويليام من قبل المؤسسات الفكرية اليمينية واليمنية الوسطية، مثل مركز التماسك الاجتماعي (CCS) الذي لعب دورًا كبيرًا في التأثير على برنامج الحكومة البريطانية المتمثل بـ”منع التطرف العنيف“، ومن الواضح أن هذه السياسية توضح مدى إفلاس ويأس الحكومة حول هذا الموضوع، ويمكننا لمس هذه السياسة من خلال تعبير رئيس الوزراء ديفيد كاميرون عن فهمه لخطر التطرف غير العنيف، واعتباره السمة الرئيسية لقانوني الحكومة الائتلافية الجديدة المتعلقان بمكافحة الإرهاب والأمن، حيث يمنح قانون الأمن الجديد سلطات غير مسبوقة للمراقبة الإلكترونية، كما يوفر قاعدة لـ “واجب المنع” الذي يدعو جميع مؤسسات القطاع العام لمسك سجلات شخصية لتقييم مخاطر الأفراد الذين يعتبرون معرضين لخطر الانجراف نحو ايديولوجيات التطرف غير العنيف.
في كلمته التي ألقاها العام الماضي في الأمم المتحدة، أوضح كاميرون أن تدابير مكافحة الإرهاب يجب أن تستهدف الأشخاص الذين قد لا “يشجعون على العنف، ولكن نظرتهم إلى العالم تبرر استخدامه”، واستخدم كاميرون أمثلة عن الأفكار الخطيرة التي تعتبر السبب الجذري الإرهاب، مثل أفكار نظريات المؤامرة التي تتمثل بـ”فكرة أن المسلمين يتعرضون للاضطهاد من السياسة الغربية في جميع أنحاء العالم بشكل متعمد”، وبعبارة أخرى، يرغب السيد كاميرون بالقول، إنك إذا كنت تعتقد، على سبيل المثال، أن القوات الأمريكية والبريطانية قد أجرت عمدًا عمليات عسكرية وحشية في جميع أنحاء العالم الإسلامي أدت إلى وفاة أعداد متوقعة وكبيرة جدًا من المدنيين الأبرياء، فأنت متطرف غير عنيف.
وتعلق خبيرة الإرهاب الفرنسية والضابط في وزارة الداخلية كلير أرينيس على هذا الموضوع، من خلال بحث أكاديمي نشر العام الماضي، أشار إلى أن: “لا يمكن للمرء أن يعرف فيما إذا كان التطرف عنيف أم غير عنيف إلا بعد وصول المتطرف إلى نقطة العنف في نهاية العملية التطرفية، لذلك ولكوننا لا نستطيع تحديد نهاية التطرف بشكل مسبق، فإن السياسة التي تهدف إلى محاربة التطرف العنيف بشكل مسبق، تنطوي على نزعة هيكلية لمحاربة أي شكل من أشكال التطرف”.
اللعبة المزدوجة
هنا تظهر مقابلة نواز وشوداري في برنامج نيوزنايت ليس فقط بمظهر الهزلية، بل كرمز عن تغذية واستغلال أزمة الأمن القومي من قِبل المؤسسة الاستخباراتية البريطانية.
على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، وفي الفترة التي عملت فيها بريطانيا على استمالة أشخاص مثل نواز وحسين ليخرجوا على وسائل الإعلام المصنوعة أمنيًا للتحذير من تهديد التطرف غير العنيف، كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمخابرات البريطانية تنسق التمويل الذي تضطلع به السعودية لتغذية المتطرفين المنتسبين لتنظيم القاعدة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأسيا الوسطى لمواجهة النفوذ الشيعي الإيراني.
منذ عام 2005 وصاعدًا، دعمت مخابرات الولايات المتحدة والمخابرات البريطانية مجموعة من العمليات السرية لدعم الجماعات الإسلامية المعارضة، ومن بين هذه الجماعات متشددون على صلة بتنظيم القاعدة، وذلك بهدف تقويض النفوذ الإيراني والسوري في المنطقة، وبحلول عام 2009، تم تحويل تركيز هذه العمليات نحو سوريا.
ويشير تحقيق برلماني جرى في المملكة المتحدة في عام 2010، أن أحد المستفيدين من هذا التمويل ليس سوى عمر بكري، الذي قال لأحد الصحفيين في عام 2010 “اليوم، السنة اللبنانيون الغاضبون يطلبون مني تنظيم جهادهم ضد الشيعة، إن تنظيم القاعدة في لبنان هو الوحيد الذين يستطيع هزيمة حزب الله”، وفي ذات الوقت كان بكري يعمل بانتظام على الاتصال مع نائبه أنجم شوداري عبر الإنترنت، كما قام بإلقاء خطب على الإنترنت محفزًا أتباعه في بريطانيا للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية وقتل المدنيين، وحاليًا تم اعتقال بكري من قبل السلطات اللبنانية بتهمة تأسيس خلايا إرهابية في البلاد.
بكري اضطلع بتدريب المجاهدين في المخيمات على الحدود السورية وأيضًا على الجانب الفلسطيني، وكان من ضمن المتدربين أربعة إسلاميين بريطانيين من ذوي الخلفيات المهنية الذي انضموا بعد التدريب إلى الحرب في سوريا، وادعى بكري أيضًا أنه منذ وصوله إلى لبنان درب العديد من المقاتلين من مختلف الجنسيات بما في ذلك أشخاص من ألمانيا وفرنسا، وكان محمد الموازي “الجهادي جون”من بينهم، وفي العام الماضي، أكد أحد أتباع بكري أن خمسة مسلمين أوروبيين – على الأقل- لقوا حتفهم في القتال ضمن سوريا، كانوا من أتباع بكري.
ورغم كل ما ذكر، ورغم معرفة بريطانيا بهذه التفاصيل، قام ديفيد كاميرون في عام 2013 برفع الحظر المفروض على توريد الأسلحة لدعم المتمردين في سوريا، حيث ذهبت معظم المساعدات العسكرية البريطانية لتنظيم القاعدة والإسلاميين التابعين لهذا التنظيم، الذين يتمتعون بصلات متينة مع المتطرفين في الداخل البريطاني، علمًا بأن الحكومة البريطانية نفسها اعترفت أن عدد كبير من البريطانيين الذين كانوا يقاتلون في سوريا، سيسعون لتنفيذ هجمات ضد المصالح الغربية أو ضمن الدول الغربية، وعلى الرغم من هذه المخاطر، غضت السلطات البريطانية الطرف عن سفر الجهاديين إلى سوريا، رغم توافر الأدلة الواضحة على جرائمهم هناك، والسبب بذلك يعود إلى ملائمة هذه السياسية مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة وبريطانيا المناهضة للأسد.
هذه السياسة مكّنت الأشخاص مثل محمد الموازي من السفر إلى سوريا والانضمام إلى الدولة الإسلامية، على الرغم من كونه على قائمة الإرهابين الذين تتم مراقبتهم من قبل المخابرات البريطانية، حيث تم غض النظر عن انتقاله للقتل في سوريا، رغم أنه تم حظره من قِبل أجهزة الأمن من السفر إلى الكويت في عام 2010، ويقول تشارلز شوبيردج الذي كان ضابطًا في الجيش البريطاني قبل أن ينضم إلى شرطة العاصمة لمكافحة الإرهاب، إن سلطات المملكة المتحدة لم تبدأ في اتخاذ خطوات جادة لمعالجة تدفق الجهاديين البريطانيين إلا في أواخر عام 2013، وذلك عندما باشر إرهابيو الدولة الإسلامية بقتل المتمردين المفضلين لدى الغرب، وربما تم اتخاذ هذا القرار عندما أحست بريطانيا أن سياستها الخارجية الداعمة لتوريد الإرهابيين إلى سوريا، تتناقض مع ارتفاع مخاطر رد الفعل الإرهابي السلبي داخل البلاد.
إن دعم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المباشر والضمني للجهاديين، يقول شوبيردج، جعل سوريا المكان الأكثر أمانًا للإرهابيين الإقليميين الذين يخشون من هجمات الطائرات بدون طيار، ولأكثر من عامين كانت سوريا المكان الوحيد الذي يستطيع فيه الجهادي البريطاني القتال دون خوف من الطائرات الأمريكية بدون طيار، ودون خوف إلقاء القبض عليه عند عودته إلى الوطن، بخلاف ما إذا ذهب إلى اليمن أو أفغانستان على سبيل المثال، كون ذهاب الجهادي إلى سوريا مسموح ضمنيًا لأنه يناسب سياسة الدولة المعادية للأسد.
ولكن بعد أن شاهدت المملكة المتحدة سياساتها الخارجية تنهار أمام الدقة المرعبة في سلسلة الفظائع الإرهابية التي ترتكبها الدولة الإسلامية ضد الرهائن والأهداف الغربية، تعمل الحكومة الآن على استغلال الفوضى، للدفاع عن نظريتها الفاشلة في مكافحة التطرف، والتي يروج لها الخبراء الذين تم اعدادهم من قبل الدولة مثل حسين ونواز.
إن الوصفة الطبية التي تتبعها المملكة المتحدة لعلاج الأمور حاليًا، تتمثل بتوسيع صلاحيات الأمن لتحديد واجتثاث التطرف من كل شخص يعتقد أن السياسة الخارجية البريطانية في العالم الإسلامي قاسية وأنانية وغير مبالية بمقتل المدنيين، وتؤكد مصادر حكومية أن مداخلات نواز وأفكاره لعبت دورًا رئيسيًا في فكرة ديفيد كاميرون حول التطرف الغير عنيف وفكرة برنامج منع التطرف العنيف الذي أقرته الحكومة، بينما تم في العام الماضي تعيين حسين ضمن فريق استشاري في وزارة الخارجية مختص بأمور حرية الدين والمعتقد.
وفي ذات الوقت، لايزال الشوداري على الأرض البريطانية يعمل ضمن وسائل الإعلام البريطانية بدور رجل الدين الإرهابي، علمًا بأن الشرطة قامت باتخاذ إجراء متأخر يتمثل بمصادرة جواز سفره بعد اعتقال لا طائل منه -لم يتم فيه توجيه أي تهمة له-، ومازال الشوداري حرًا ليبث أفكار التطرف برأس المسلمين البريطانيين ويحثهم على الانضمام لداعش، على أمل أن يعمل خطاب الكراهية الذي يبثه على نطاق واسع، على تأجيج الشكوك حول المسلمين البريطانيين.
أخيرًا، لو كنا قادرين على جمع أعضاء مؤسسة كويليام وجماعة “المهاجرون” سويًا، ولو تمكنا من وضعهم على متن قارب يبحر بهم بعيدًا إلى وسط اللامكان، حيث يمكنهم أن يستمتعوا قدر ما يشاؤون بلعبة بناء التطرف واجتثاثه، ربما قد نحظى حينها ببعض السلام في بلداننا، وربما سنكون بحال أفضل في حال استطعنا إرسال قادتهم معهم أيضًا.
المصدر: ميدل إيست آي