أصدرت محكمة مصرية حكمًا يقضي بتصنيف حركة المقاومة الإسلامية حماس كمنظمة إرهابية في خطوة تصعيدية مصرية جديدة ضد الحركة الحاكمة للقطاع المتاخم للحدود الشرقية المصرية (قطاع غزة)، وفي أول رد فعل رسمي للحركة على هذا الحكم أكدت أن مثل هذا الحكم يستهدف المقاومة الفسلطينية بشكل صريح، مؤكدة على لسان المتحدث الرسمي باسم الحركة سامي أبو زهري أن الحكم صادم وخطير وعار كبير من خلال التصعيد ضد الشعب الفلسطيني في محاولة للهروب من الأزمات الداخلية في مصر وتصديرها للمقاومة.
هذا الحكم ليس الأول من نوعه ضد الحركة عقب انقلاب الثالث من يوليو، ففي مارس 2014 أصدرت محكمة أخرى حكمًا بحظر أنشطة الحركة في مصر ومصادرة جميع مقراتها، كذلك صدر حكمًا منذ شهر تقريبًا يعتبر كتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري للحركة) منظمة إرهابية، وهو ما يعطي صورة لطبيعة التصعيد المصري منذ الانقلاب الذي قاده الجنرال عبدالفتاح السيسي في يوليو 2013، في محاولة واضحة للزج بالحركة في معترك الخصومة السياسية بين الدولة وحركة الإخوان المسلمين في مصر باعتبار حماس أحد روافد الإخوان بفلسطين، ما دعى الحركة دومًا لنفي أي تدخل في الشأن الداخلي المصري.
دأب الإعلام المصري على ترديد اسم الحركة منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير واتهامها بالتدخل في الشأن المصري عبر ذراعها العسكري مع ترديد رواية اقتحام السجون وغيرها، حتى اختفت هذه الرواية في عز سطوة الثورة التي حاولت أن تحكم في مصر، ومع الهجوم المرتد للثورة المضادة والردة إلى عصر مبارك وما قبله بعد الانقلاب العسكري عاد هذا السيناريو ليُطرح من جديد ولكن بطريقة تصفية الخلافات وهي لا شك أشد شراسة من جانب دولة الجنرالات هذه المرة، حيث تم اتهام الحركة بقتل الجنود المصريين في سيناء وتهريب السلاح عبر الأنفاق إلى المتطرفين هناك.
هذه الإستراتيجية التي يتعامل بها الجنرال السيسي وسلطته في مصر مع الحركة تبدو مفهومة جدًا في إطار التنسيق الأعلى تاريخيًا بين القاهرة وتل أبيب، حيث تبني الأجندة الأمنية لإسرائيل من جانب القاهرة والذي ظهر بصورة غير مسبوقة في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والتعنت المصري أثناء مفاوضات وقف إطلاق النار مع الجانب الفلسطيني وتبني شروطً تبدو وكأنها أكثر تطرفًا من الجانب الإسرائيلي، كذلك تتضح الصورة أكثر في عملية تشديد الخناق على قطاع غزة من الجانب المصري بغلق الأنفاق والاستمرار في إغلاق معبر رفح دون سبب واضح وفي هذا تبني لمطالب إسرائيلية بالضغط على حركة حماس، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فعقيدة الصراع بدأت بالتغير لدى أجهزة الدولة المصرية من اتخاذ مواقف حيادية على الأقل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني المتعلق خاصة بقطاع غزة.
عملية تهجير أهالي رفح وإنشاء منطقة عازلة لم يكن مقترحًا مصريًا هابطًا من السماء على رأس القيادة المصرية بل من المعروف أنه مقترحًا إسرائيليًا قديم للسيطرة على المنطقة الحدودية بين مصر والقطاع وغلق الأنفاق وبناء جدار عازل يكرس عملية الحصار ويسهل السيطرة عليه أمنيًا وهو ما شرعت القاهرة في تنفيذه بالفعل على عدة مراحل، لتتغير البوصلة العدائية بالفعل لدى الجنرالات من العدو الإسرائيلي إلى توهم العداء مع فصيل فلسطيني مقاوم.
الجنرال السيسي يتحدث عن مواجهة طويلة الأمد مع التشدد الديني، مشيرًا أن هذه المواجهة من شأنها أن تأخذ وقتًا طويلاً، وهي في حقيقتها مواجهة مع الإسلام السياسي في المنطقة ككل كأحد أجندات النظام حاليًا مدعومًا بالتمويل الخليجي ملتقيًا بالمصالح مع الكيان الإسرائيلي الذي يدعم الخطوات المصرية بكل ما أوتي من قوة لاسيما التي تُتخذ ضد حركة حماس.
هذه المواجهات مع الإسلام السياسي ألقت بظلالها على ليبيا بعد التدخل العسكري المصري ضد المسلحين الإسلاميين الذين يقودون المؤتمر الوطني في طرابلس لمحاولة إضعافهم لمصلحة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذين يقود انقلابًا مدعومًا من دول غربية وعربية لمنع توغل الإسلاميين على السلطة في ليبيا، تذرع الجنرال السيسي بقضية داعش في ليبيا لإعلان تدخله العسكري الجوي هناك لقصف مواقع قيل إنها تابعة لتنظيم الدولة هناك الأمر الذي يصعب التأكد منه خاصة مع وقوع ضحايا مدنيين جراء القصف المصري.
الجدير بالذكر أن القصف المصري لليبيا قد تحدثت عنه أذرع إعلامية تابعة للمخابرات المصرية قبيل هذا الأمر بشهور ولم يلتفت إليهم أحد حتى وقع الأمر بل ومع احتمالية تطوره بريًا إذا ما وجد الجنرال الغطاء المالي الكافي لذلك، كذلك كان الحديث عن ضربات موجهة إلى غزة باتت إرهاصاتها تظهر في هذه الآونة في إشارة لاحتمالية التدخل العسكري المصري في غزة على غرار الحاصل في ليبيا حاليًا، وهو ما أكدته مواقع عبرية أبرزها موقع “ديبكا” المعروف بصلاته الاستخبارية، الذي توقع أن تستمر الحملة العسكرية المصرية على ليبيا مع التوسع فيها بريًا من خلال قوات كوماندوز مصرية مدعومة بقصف جوي، وتابع الموقع أنه “من المتوقع أن يغير الطيران المصري أثناء هجومه على معاقل المتطرفين في سيناء ويكون من بينها أهداف تابعة لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس بقطاع غزة والتي يؤكد المصريون أنها تتعاون مع مسلحين في سيناء.
يُذكر أن ثمة مناوشات حدثت على الحدود المصرية مع قطاع غزة بعد إطلاق عناصر من الجيش المصري النار على موقعين للأمن الوطني الفلسطيني على الحدود الجنوبية للقطاع بشكل مباغت ودون أي مبرر أو وجود خروقات من الجانب الفلسطيني؛ ما اعتبره البعض جر للطرف الفسلطيني إلى الرد واتخاذ ذلك ذريعة لتصعيد الأوضاع عسكريًا.
حيث صرح إياد البزم المتحدث باسم الداخلية الفلسطينية التابعة للقطاع أن وزارته “تعتبر ما جرى مؤشرًا خطيرًا يستوجب فتح تحقيق عاجل ومحاسبة المتورطين في ذلك”، وأشار إلى “إجراء العديد من الاتصالات مع الجانب المصري احتجاجًا على ما جرى ومطالبتهم بفتح تحقيق في الحادث”.
الرد الفلسطيني على هذه الأحكام وهذه الاستفزازات المصرية والتهديد بضربات عسكرية كان دائمًا وأبدًا يدور في سياق أن بوصلة المقاومة الفلسطينية لن تنحرف أبدًا تجاه مواجهة أي من الأشقاء لاسيما الجارة مصر باعتبار أن الأوضاع تشير إلى تراشق إعلامي لا أكثر، أما في هذه المرة فقد خرجت مسيرات منددة في غزة بهذا الحكم الصادر مؤخرًا باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية، وصرحت قيادات عدة من حركة حماس أن هذه محاولات من السلطات المصرية لتصدير أزمات الداخل إليها، وتصاعدت نبرة التصريحات ردًا على التهديد بالتدخل العسكري إلى الحد الذي تحدثت فيه بعض قيادات الحركة أن اليد التي ستمتد إلى الشعب الفلسطيني سيتم الرد عليها أيًا كان مصدرها في إشارة إلى التهديدات المصرية بضرب القطاع وهي نبرة جديدة لم تعرفها الحركة في تصريحاتها على مدار السنتين الماضيتين في ظل تنامي موجة التحريض ضدها الآتية من مصر.
ولكن يبدو وأنه قد جاءت الأنباء لقيادة الحركة بأن الجانب المصري بات غير مأمون وأن التهديدات لم تعد محل شك بل قد تنفذ في إطار حروب متوهمة من السلطة المصرية تبدو وأنها مقبلة عليها الفترة القادمة؛ لذلك قالت مصادر مقربة من كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة إنهم لم يعودوا ليقبلوا بالقاهرة وسيطًا بينهم وبين العدو الإسرائيلي كما كان في السابق لتغير البوصلة المصرية تمامًا، في حديث يشير إلى اقتراب المواجهة المصرية مع غزة.