لم يعد سرًا أنه أصبح هناك عدد متزايد من الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن أو السمنة في هذه الأيام، ولكن السؤال يبقى عن السبب الذي يجعل هذه المعدلات تتزايد على الرغم من انتشار الوعي حول الصحة العامة ومدى أهمية تناول الأطعمة الصحية وممارسة الرياضة، وفي حين أن الإفراط في تناول الطعام ليس إدمانًا من الناحية الفنية، إلّا أنه بالتأكيد يعكس وجود اضطرابات في العديد من النواحي، لذلك فقد استطاعت الدراسات والأبحاث التي تم إجراؤها على الدماغ والسلوك توفير بعض الأدلة فيما يخص موضوع البدانة، وهذا قد لا يكون مستغربًا جدًا، لأن الدماغ في النهاية هو من يسيطر على الشهية للطعام وليس البطن، وبناء على ما تقدم قام الباحثون بإجراء الدراسة الجديدة التي تقدم تقييمًا رسميًا عن الأطعمة التي تسبب الإدمان أكثر من غيرها بالنسبة للبشر.
في الدراسة الجديدة التي تم نشرها في مجلة (PLOS ONE)، يبين الباحثون أن الطعام مثل المخدرات، فكلما تمت معالجة الطعام بشكل أكبر كلما أصبح تأثير الطعام أكثر “قوة”، وبالتالي يسبب الإدمان، فعلى سبيل المثال، مضغ أوراق الكوكا لوحدها لا يسبب نشوة قوية جدًا، ولكن تكثيفها في الكوكايين وجعلها قابلة للشم يفعل ذلك بالتأكيد، وكذلك الأمر مع الأطعمة التي تحتوي على عناصر مكررة ومركبة بمختلف الطرق الذكية حتى تصبح ذات فعالية عالية للغاية.
يشير مؤلفو الدراسة الجديدة أن المواد التي تسبب الإدمان نادرًا ما توجد في حالتها الطبيعية، فإما أن يكون قد تم تعديلها أو تم معالجتها بطريقة تزيد فعاليتها المؤذية، فعلى سبيل المثال، تتم معالجة العنب ليتحول إلى نبيذ ويتم أيضًا تكرير الخشخاش ليتحول إلى الأفيون، وبشكل مماثل يتم إجراء التعديلات على الغذاء ليصبح أكثر تأثيرًا.
للبحث في تأثير المواد الغذائية المصنعة على البشر، قام الفريق بقياس ميول المشاركين في الدراسة نحو الإدمان على الطعام عن طريق ملء استمارة لجامعة ييل خاصة بقياس الإدمان على الطعام، وهي استمارة تطلب من الأشخاص تقديم تقييم لعبارات مثل، “مع مرور الوقت، وجدت أنني بحاجة لتناول المزيد والمزيد من بعض الأطعمة للحصول على شعور الذي أريده، مثل التقليل من المشاعر السلبية أو زيادة المتعة” أو ” أقضي الكثير من الوقت وأنا أشعر بالتعب أو ثقل الحركة من الإفراط في تناول الطعام”، وبالإضافة إلى ذلك تتضمن الاستمارة أيضًا سلسلة من الخيارات التي تطلب تحديد أحد خيارين من الأطعمة التي يشعر الشخص بأنها الأكثر صعوبة للمقاومة بالنسبة له، مثل الكعك مقابل سمك السلمون، ومن خلال هذه النتائج، تمكّن فريق البحث من وضع قائمة بالأطعمة مرتبة من الأكثر إلى الأقل تسببًا بالإدمان.
المثير للاهتمام هو أن الأطعمة التي تصدرت القائمة كانت الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الكربوهيدرات والدهون المكررة معًا، مثل البيتزا والشوكولاته ورقائق البطاطس والكعك والآيس كريم، أما منتصف القائمة فقد احتلتها الأطعمة التي تحتوي إما على نسبة عالية من الدهون أو نسبة عالية الكربوهيدرات، مثل الأرز البني والتفاح والفاصوليا، وبقية الأطعمة مثل الجزر، والخيار جاءت في أسفل القائمة.
يبين ترتيب الأطعمة في اللائحة أن مزيج الدهون والكربوهيدرات هو المسبب الأساسي للشعور بالإدمان على الطعام، وهذا على الأغلب راجع إلى أن عقولنا ليست معتادة على الأطعمة التي تحتوي نسب عالية من الدهون والسكريات في وقت واحد، حيث إن الأطعمة الطبيعية عادة ما تكون غنية بإحدى هاتين المادتين فقط، لذلك فإن وضع هذين المكونين معًا في مزيج عجيب وساحر يستطيع التلاعب بالدماغ، ويعطي تأثيرًا مماثلاً تمامًا لتأثير تعاطي المخدرات، كما يضيف المؤلفون أن هذه الأطعمة المصنعة قد تكون أكثر قدرة على استهداف الاستجابات البيولوجية والسلوكية التي تحرض على الإدمان، وذلك نتيجة للمستويات العالية التي تقدمها من المكافأة.
ولجعل الأمور تصبح أسوأ، فإن الأطعمة المصنعة غالبًا ما تحتوي على إضافات يمكن أن تكون سببًا في زيادة الوزن ولكن بشكل آخر، فمؤخرًا بيّنت دراسة جديدة تم نشرها في مجلة (Nature)، أن المستحلبات – وهي مركبات تستخدم للحفاظ على الأطعمة مثل المايونيز من الانفصال إلى الأجزاء الأساسية المكونة لها مثل الزيت والماء – تسبب اضطراب هائل لبكتيريا الأمعاء حتى في الجرعات المنخفضة، وقد بيّنت الدراسة أيضًا أن هذه المركبات تؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسمنة ومتلازمة الأيض، ومرض التهاب الأمعاء، وبما أن هناك العديد من البحوث التي تؤكد أهمية بكتيريا الأمعاء بالنسبة للصحة والحفاظ على وزن الجسم، فإن هذه الدراسة الجديدة تضيف دليلاً مثيرًا للاهتمام لهذا الغز، حيث إنها تشير إلى أن هناك بعض الإضافات الغذائية المعينة التي قد تلعب دورًا أيضًا في صحة هذه البكتيريا.
لذلك قم باستبدال الأطعمة الصناعية قدر الإمكان بالأطعمة الطبيعية، وحاول تناول الأطعمة التي تحتوي على القليل أو المنزوعة من الإضافات، أو على الأقل حاول اختيار الأطعمة التي تحتوي على واحد فقط من المكونات الدهنية أو السكرية، فإذا قمت بتناول الأغذية التي تحتوي على كميات عالية من هذه المكونات، فإن عقلك سيتعامل معها على أنها مخدرات، ويجعلك تطلب المزيد منها.