في مقال لستيفين فيش، بروفيسور علوم سياسية في جامعة بيركلي كاليفورنيا، يتحدث فيه عما إذا كان الإسلام خطرًا حقيقيًا على الغرب، وجد أنه بين عام 1994 و2008 كان المسلمون المتطرفون مسؤولون عن 125 عملية تفجير، معظم العمليات تم تنفيذها في بلاد إسلامية وكان ضحيتها مسلمون، 40 من العمليات تم تنفيذها في إسرائيل والهند والفلبين، بينما 4 فقط من هذه العمليات تم تنفيذها في الغرب أو في أوروبا، واستنتج أن احتمالية موت أمريكي من عمل إرهابي خلال السنة هو 1 في 3.5 مليون والاحتمال كبير أن يكون العمل الإرهابي مُرتكب من غير المسلمين.
ومع ذلك، هناك حملة إعلامية واسعة في الغرب لاتهام المسلمين وتجريمهم، حيث تُستخدم كلمة الإرهاب لوصف أي عمل يرتكبه المسلمون ويتم اتهام الإسلام بكونه دين يدعو للعنف والإرهاب، بل حتى في الأوساط السياسية لا يكاد يخلو أي خطاب لرؤساء الغرب وأوروبا من الحديث عن خطر الإسلام المتطرف والجهاد المتطرف وعن خطر الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تستهدف بلادهم وشعوبهم.
الحكومات الغربية تعلم جيدًا أن الجماعات الإسلامية المتطرفة لا تمثل خطرًا عليها ولا على شعوبها، إلا أن هذا النوع من الخطابات يمكن استغلاله لتمرير قوانين تهدف إلى تقييد حريات الشعوب تحت مسمى قانون مكافحة الإرهاب، وأثبت هذا الاستغلال فاعليته في كسب الدعم والحصول على الموافقة لتمرير القانون وفرضه، وعند فرض هذه القوانين يتم إقناع الشعب بقبولها عن طريق تصوير الجماعات الإسلامية المتطرفة كخطر حتمي يقف على حدود دولتهم استعدادًا للقضاء عليهم، ولحماية الدولة والشعب فإنه يجب تمرير هذه القوانين التي قد تنتهك حقوق المواطنين إلا أنه لا مفر من ذلك ويجب التغاضي عن ذلك في سبيل مكافحة هذا الإرهاب.
في الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر القانون الوطني (Patriot Act) من أكثر القوانين صرامة حول العالم في مكافحة الإرهاب، وقد أثار منذ إعلانه ومازال يثير حتى اليوم جدلاً واسعًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية لكونه يعطي الحكومة سلطة عالية في القيام بعمليات تخل بمبادئ كثيرة منها الخصوصية في أمور لا تتعلق بالأمن الوطني، هذا القانون تم اعتماده بعد شهر فقط من أحداث 11 سبتمبر وأصبح أهم أعمدة القانون الأمريكي.
تم الإعلان عن القانون في إطار حماية المواطنين الأمريكيين من خطر الإرهاب والعمل على مكافحة الإرهاب بشكل فعّال، إلا أن القانون يعطي السلطات مجموعة واسعة من الصلاحيات للقيام بعمليات التجسس والمراقبة والإيقاف والتعامل مع غسيل الأموال، كما يسمح للمحققين بالقيام بعمليات بحث دون إعلام هدف التحقيق بذلك، ويلغي أيضًا حق المحكمة في التأكد من أن السلطة لم يتم استغلالها خلال هذه العمليات، وقد تصل عقوبة تهمة الإرهاب إلى 100 سنة أو أكثر.
مؤسسة الحدود الإلكترونية الأمريكية نشرت تحليلاً عن عمليات التجسس التي تقوم بها السلطات الفيدرالية، وكشفت عن ارتفاع حاد في عمليات التجسس منذ 2001 إلى 2003، وكشفت أيضًا أن هذه العمليات لا يتم القيام بها في الحالات الخاصة، كما هو معتمد في القانون، بل كوسيلة تحقيق اعتيادية، فبين عام 2009 و2013 كان معدل عمليات التجسس لمكافحة الإرهاب 5% فقط من مجموع عمليات التجسس التي تم تنفيذها، أي أن معظم عمليات التجسس التي نُفذت كانت لأغراض أخرى غير مكافحة الإرهاب.
في بريطانيا، وبعد أحداث 11 سبتمبر قامت الحكومة بإنشاء قانون جديد لمكافحة الإرهاب، إلا أنها واجهت نقدًا شديدًا بسبب وجود مواد تتعارض مع قانون حقوق الإنسان الذي تم اعتماده قبل أقل من سنة من 11 سبتمبر، مثل القانون الذي ينص على السماح باحتجاز المشتبه بهم دون إلقاء تهم.
إلا أن الحكومة البريطانية استطاعت تمرير القانون، وبموجبه تمكنت من استغلاله لفرض قيود على المجتمعات المسلمة في بريطانيا وعلى الأقليات، جدول 7 من القانون يسمح لسلطات الحدود احتجاز الأفراد والتحقيق معهم، ومنذ عام 2011 ما يقارب 70% من الاعتقالات تحت قانون مكافحة الإرهاب كانت لغير البيض.
ثيريزا ماي، رئيسة الداخلية البريطانية، حصلت على موافقة ملكية الشهر الماضي لقانون مكافحة الإرهاب الذي اقترحته، هذا القانون يمنح السلطات صلاحيات أقوى في منع الأشخاص المشتبه بهم من السفر للخارج للقتال ومصادرة جوازاتهم لمدة تصل إلى 30 يومًا، ويجبر شركات الاتصالات على إنشاء سجلات ليسهل تعقب المستخدمين وتسليمها للشرطة عند الطلب، كما يفرض على الجامعات وضع قوانين لمنع الخطابات والعروض المتطرفة.
في خطابه بداية العام تحدث رئيس الوزراء الكندي ستيفين هاربر عن “الجهاد العنيف” الذي يُعد خطرًا على الكنديين في كندا وحول العالم قائلاً: “في خلال السنوات الماضية ظهر شر عظيم محدق بعالمنا، هذا الشر مازال ينمو ويصبح أكثر قوة، إنه الجهاد العنيف، بأعمالهم هؤلاء الجهاديون قد أعلنوا الحرب على كندا، وبكلماتهم يشجعون الأخرين للانضمام لحملتهم الإرهابية ضد الكنديين”.
في خلال الخطاب قام رئيس الوزراء بتقديم قانون جديد لمكافحة الإرهاب يعطي وكالات التجسس الكندية السلطة لاعتقال المشتبه بهم مع عدم وجود رقابة مستقلة، وحجزهم لمدة تصل إلى 7 أيام دون توجيه تهم، كما يسمح بتوجيه تهم إجرامية لمن يشجع على القيام بإعمال إرهابية، ويمنح وكالة المخابرات الكندية القدرة على “مكافحة الرسائل” أو “تعطيل المواقع الراديكالية وحسابات تويتر” سواء في كندا أو في أي مكان آخر.
تم تقديم هذا القانون لزيادة قدرة المخابرات الأمنية الكندية في مكافحة الإرهاب، والدافع الأقوى لذلك هو مقتل جنديين كنديين في أكتوبر من العام الماضي، وتظن الحكومة الكندية أن الحادثتين تم تحفيزهما من قبل تنظيم الدولة الإسلامية، بالرغم من عدم وجود أدلة تثبت ذلك كليًا.
وفي جميع الدول المذكورة أعلاه يوجد معارضة شديدة لقوانين مكافحة الإرهاب التي تفرضها حكوماتهم، فالشعوب تعي جيدًا أن الأمن يمكن تحقيقه دون الإخلال بحقوقهم.
وفي ظل هذه الأنظمة التي تحارب الإرهاب تبقى المشكلة الرئيسية في ما هو تعريف الإرهاب، فكلمة الإرهاب مازالت لا تعني شيئًا محددًا يمكن لجميع الناس أن يتفقوا عليه، فهل يمكن اعتبار أي عمل يتم فيه سفك الدماء إرهابًا، أم هل هو تعريف للأعمال ذات الدوافع السياسية فقط، ولأنه توجد اختلافات في تحديد معنى الإرهاب يسهل استغلال هذا المصطلح، وهكذا، عندما تفرض الحكومات قوانين لمكافحة الإرهاب فإن الحكومة هي التي تقرر ما هو الإرهاب ومن الذي يمكن اعتباره إرهابيًا.
ففي المجتمعات الديموقراطية حيث يمتلك الشعب صوتًا، أصبحت الجماعات الإسلامية المتطرفة وسيلة فعّالة ومقنعة لفرض مزيد من القيود على الشعوب وقمعهم بطريقة غير مباشرة.
توني بين، عضو سابق في البرلمان البريطاني، قال: “أعتقد أنه يوجد طريقتين يمكن التحكم بالناس من خلالهما، أولاً قم بتخويفهم، ثم جردهم من الثقة”، وهذا هو ما يفعله الغرب.