“أنا عربي ولدي اسم، إنه أيمن عودة”، هكذا رد المحامي العربي أيمن عودة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش)، على أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الإسرائيلي ورئيس الجناح اليميني لحزب “إسرائيل بيتنا”، عندما أشار إليه ليبرمان دون ذكر اسمه في المناظرة التلفزيونية التي عُقدت يوم الخميس الماضي بين ثمانية من قادة الأحزاب الإسرائيلية التي ترشحت للانتخابات الإسرائيلية المقبلة والتي يفترض عقدها بداية النصف الثاني من شهر مارس الجاري.
ويعتبر أداء عودة في المناظرات التي حضرها إنجازًا شخصيًا على الرغم من أنه كان مجهولًا للكثير من الجماهير الإسرائيلية قبل بضعة أسابيع، بالإضافة إلى أنه ولأول مرة في تاريخ السياسة الإسرائيلية يرتقي سياسي فلسطيني إلى هذا المستوى الوطني مع عدم وجود أي حالة من حالات الخوف أو الكراهية تجاهه كما كان الحال مع من سبقوه كحنين زعبي العضوة السابقة في الكنيست الإسرائيلي.
كما هو الحال مع كثيرين في الحزب الشيوعي، كان عودة مترددًا حول إمكانية تشكيل قائمة مشتركة مع العناصر الدينية ممثلة في الحركة الإسلامية والقوميين العرب الناشطة في التجمع الوطني الديمقراطي (بلد)، حيث مثلت كل منهما عدوًا لدودًا للشيوعيين في السياسة الفلسطينية المحلية.
غير أنه وبعد انتخابه غيّر المحامي الأربعيني من وجهة نظره وعمل على وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق تاريخي نجح من خلاله في تشكيل قائمة توحد جميع الأطراف التي تمثل الأقلية الفلسطينية لأول مرة في تاريخ إسرائيل، وكأكبر حزب أُعطي للجبهة الديموقراطية “حداش” الحق في ترأس القائمة المشتركة؛ وبالتالي نجح عودة في تخطي الكثير من السياسيين العرب المخضرمين في القائمة مثل جمال زحالقة رئيس “البلد” وأحمد الطيبي من الحركة العربية للتجديد.
تتمثل أهمية ما فعله عودة مع بقية الأحزاب العربية في أنه سيعطي لكل حزب الفرصة في المشاركة في الكنيست بعد أن هدد القانون الأخير الذي ينص على وضع حد أربعة مقاعد للحزب لدخول البرلمان وهي النسبة التي تصعب على أغلب الأحزاب العربية في إسرائيل إذا دخلت كل منها الانتخابات على حدة.
في هذا السياق، أشار أيمن عودة إلى أن حصول “القائمة المشتركة” على 15 مقعدًا، في حال ارتفاع نسبة التصويت بين الفلسطينيين في إسرائيل، يمكن أن يمنع إقامة حكومة يمينية والتي تقوم بالتحريض اليميني المباشر على الفلسطينيين في إسرائيل، ابتداءً من شخص رئيس الحكومة الذي يعتبرهم خطرًا على الدولة، وصولًا إلى وزير خارجيته ليبرمان، الذي يريد طردهم من مربع المواطنة، وإعادة رسم الحدود بما يضمن إبقاءهم خارجها وذلك بمحاولة منعهم من دخول البرلمان عن طريق القانون الأخير الذي دفع تجاهه ليبرمان بنفسه، الأمر الذي شكل خطرًا وجوديًا على الفلسطينيين.
ويقول ميرون رابوبورت الكاتب الإسرائيلي المعروف واصفًا ما حدث بأنه أكثر من تجمع انتخابي، فقد أشار رابوبورت إلى أن ما حدث يبدو وكأنه إعلان الاستقلال من 1.7 مليون فلسطيني يعيشون في إسرائيل، والذين يعيشون تحت الحكم العسكري في السنوات الـ 20 الأولى بعد حرب عام 1948، معظم الفلسطينيين الذين بقوا تحت السيطرة الإسرائيلية صوتوا لصالح الأحزاب التي تسيطر عليها الأفكار الصهيونية، لكنه وبحلول السبعينات نجحت الأحزاب غير الصهيونية في كسب الغالبية الكاسحة من الناخبين الفلسطينيين لصفها، لكنها ظلت منفصلة عن بعضها البعض بل وكانت في الكثير من الأحيان في حالة حرب، مما يعطي المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل شعور بالتمكين يكاد يكون غير معروف لهم من قبل.
في نفس السياق قال مسعود غنايم، رئيس الحركة الإسلامية، من خلال المشاركة في تشكيل القائمة المشتركة فإنه بذلك يكون قد قام بدفع ثمن لمعاناة والده وجده في النكبة العربية عام 1948، كما أشار جمال زحالقة إلى أنهم ليسوا مجرد حزب، هم “ممثلي الشعب”.
لا يخفي عودة نيته بشأن تحويل القائمة المشتركة إلى معسكر ديمقراطي في المستقبل، على أن تكون هناك إمكانية لضم الأحزاب اليسارية اليهودية مثل “ميرتس”، بل إنه قام بالفعل بمد يده لأكبر حزب لليهود الشرقيين “شاس” وحث زعيمه أرييه درعي للانضمام إلى “تحالف المظلومين”، على حد تعبيره.
لكن ذلك التوجه الذي يسعى عودة إليه لن يرضي الجميع داخل القائمة المشتركة؛ فقد كان أكثرهم يفضلون أن تكون تلك القائمة، إن حققت نجاحًا جيدًا في الانتخابات المقبلة، بمثابة ورقة ضاغطة تستخدم قوتها لتمهيد الطريق أمام نوع من الحكم الذاتي القومي للعرب داخل إسرائيل والعمل على توفير نظام للمدارس المستقلة والجامعة العربية وهكذا دواليك حتى يحققوا نوعًا من أنواع الاستقلال لكتلة كبيرة تمثل حوالي 20% من إجمالي عدد السكان.