ترجمة وتحرير نون بوست
أصدر حزب السلام والديمقراطية الكردي يوم السبت الماضي بيانًا مشتركًا مع الحكومة التركية حول اتفاق جديد بشأن عملية السلام بين تركيا وحزب العمال الكردستاني “البي كي كي”، حيث شكل هذا البيان مفاجأة كبيرة، كونه على الرغم من أن عملية السلام ووقف إطلاق النار ما بين الحزب والحكومة مستمرة منذ عام تقريبًا، إلا أن جهود المحادثات والوصول إلى اتفاق بدت -حتى يوم السبت – وكأنها متوقفة ومتعطلة بسبب عدم رغبة أي طرف من الأطراف اتخاذ أي خطوة إيجابية.
الحركة الكردية والحكومة لديهما الآن جدول أعمال مشترك لتطبيقه حتى حلول موعد الانتخابات العامة التركية المقبلة في 7 يونيو القادم، حيث قد تؤثر نتائج هذا الاتفاق على الانتخابات، خاصة لجهة حصول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أغلبية برلمانية كبيرة كافية لتمكّينه من إدخال صلاحيات تنفيذية للنظام الرئاسي في البلاد.
إن المحرك الأساسي لهذه الخطوة هو عبد الله أوجلان، زعيم حزب البي كي كي وقائد الحركة الكردية في تركيا بدون منازع، وعلى الرغم من كونه مسجون في سجن بجزيرة جنوبي إسطنبول منذ اعتقاله في نيروبي في عام 1999، إلا أنه يمارس نفوذًا سياسيًا متناميًا من داخل زنزانته، حيث يقوم بنشر الكتب والمقالات، ويلتقي بكبار السياسيين من حزب السلام والديمقراطية بانتظام، وكان أحدث هذه الاجتماعات هو الاجتماع الذي جمع أوجلان مع الحزب الكردي يوم الجمعة الماضي، حيث عقد الحزب بعد هذا اللقاء مؤتمرًا في إسطنبول ظهر يوم السبت، أما الموافقة الحكومية الرسمية فقد تم لمسها من خلال المكان الذي عُقد فيه المؤتمر في قصر دولما باهتشة وهو المنزل السابق للسلاطين العثمانيين، والشخصيات الحكومية التي حضرت الاجتماع مثل نائب رئيس الوزراء يالجين أكدوغان مسؤول العلاقات الكردية في الحكومة، وإفكان ألا وزير الداخلية.
سري سريا أوندار نائب في البرلمان عن حزب السلام والديمقراطية، قرأ ضمن المؤتمر رسالة من أوجلان وجهها إلى حزب العمال الكردستاني، رغم أنه منذ وقت ليس بالبعيد، كان يعتبر اقتباس أقوال الزعيم أوجالان بأي شكل من الأشكال جريمة جنائية يعاقب عليها القانون، لكن هذا الأمر أصبح مقبولاً الآن كونه يعتبر ضمن القالب السياسي، وجاء في رسالة أوجالان لأتباعه “أدعو حزب العمال الكردستاني للدعوة إلى مؤتمر استثنائي في الربيع لاتخاذ قرار إستراتيجي وتاريخي حول إنهاء الكفاح المسلح”.
على الرغم من أن هذا التوجه سيكون موضع ترحيب للجناح المدني في حزب العمال الكردستاني، كونه يأمل باستقطاب الأصوات اليسارية الوسطية غير الكردية في انتخابات البرلمان القادمة، إلا أن هذه الرسالة من المحتمل أن يتم تلقيها بردود فعل متباينة ضمن أجزاء أخرى من الحركة الكردية، أما بالنسبة للزعماء الأكراد المنفيين في المدن الأوروبية فسيشجعون هذه الخطوة بالغالب، كونها ستؤمن لهم خطوة هامة لإزالة حزب العمال الكردستاني من قائمة المنظمات الإرهابية، وألمانيا التي مازالت تعتبر حزب العمال الكردستاني من الأحزاب الإرهابية، ستغير موقفها من الحزب بمجرد اتخاذ قرار رسمي بإنهاء الصراع المسلح.
مسلحو حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في شمال العراق، ضغطوا منذ عام تقريبًا لاستئناف هجمات الحزب ونفذوا عدة غارات خلال فصل الخريف، وتوقفت هجماتهم بعد نداء السلام الذي أطلقه أوجلان، والاتفاق الجديد مع الحكومة التركية يعني أن المقاتلين المتبقين في تركيا يجب عليهم مغادرتها ليتم تعزيز تطبيق وقف إطلاق النار، وبناء على هذا الواقع فإنه من المتوقع أن يضع قنديل وأتباعه ثمنًا باهظًا في مقابل تسليمهم لأسلحتهم، وربما قد يتضمن هذا الثمن إصدار عفو عن المنفيين وتقرير حق العودة لهم، هذه الشروط التي ستكون مثيرة للجدل في معظم أنحاء تركيا التي تعيش حدادًا متواصلاً على قتلى الحملات الإرهابية الجارية منذ ثلاثة عقود ما بين عامي 1984 و2013.
يشير أوجلان بوضوح أنه لا يفكر في وضع شروط من جانب واحد، حيث لم يعمد إلى إثارة قضية الحكم الذاتي الكردي – وهو أمر ليس من المنتظر قبوله بتاتًا من قِبل حزب العدالة والتنمية -، بل عمد أوجلان إلى وضع أجندة مكونة من 10 نقاط يدعو فيها إلى إدخال السياسة الديمقراطية ضمن الحكومة، وإلى وضع تعريف للأبعاد الوطنية والمحلية للحل الديمقراطي، كما تشمل الأجندة ضمانات لحقوق المواطنة الحرة وحقوق المرأة، والبحث عن تلك البيئة والثقافة القادرة على تقبل هذه الحقوق، والأهم من ذلك كله ما نصت عليه الأجندة من ضرورة صياغة دستور جديد، يعيد تحديد مفاهيم الديمقراطية والأمة.
لا يوجد شك أن النقاط الـ10 التي تم وضعها هي نقاط غامضة جدًا وبشكل متعمد، ولكن يبدو أن هذه النقاط تعمل بالاتجاه المعاكس تمامًا للكثير من السياسات التي يعمل حزب العدالة والتنمية عليها حاليًا، والتي تركز على تعزيز الصلاحيات التنفيذية وعلى وجه الخصوص تعزيز صلاحية قوى الأمن الداخلي، وهي السياسة التي هاجمها حزب السلام والديمقراطية منذ أن تم عرضها في صورة مشروع قانون سلطات الأمن في فبراير الماضي، كونها تهدف إلى منح قوات الشرطة والحكام المحليين سلطات واسعة جدًا لقمع المظاهرات والمعارضين، كما ألمح الزعيم الكاريزمي للحزب الديمقراطي والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية صلاح الدين دميرتاز في مؤتمر صحفي، أن التشريع الجديد يقطع الطريق أمام المرحلة الأخيرة من عملية السلام.
ولكن على الرغم من أن هذه النقاط تبدو صعبة التقبل من قِبل حزب العدالة والتنمية، إلا أن كلا الجانبين يبدوان على قناعة أن هذا البيان المشترك يمثّل تقدم تاريخي، حيث أشاد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو على الفور بهذا الاتفاق، وأشار إلى أنه يفتح الطريق أمام سياسة ديمقراطية أكثر عمقًا في تركيا.
يرى المراقبون أن التناقضات في عملية السلام، يمكن أن تتراجع بواسطة هذا الاتفاق الذي يهدف بوضوح لإفساح المجال للتهدئة والسلام بين حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية قبيل بداية الانتخابات في يونيو القادم، حيث يحتاج الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى أصوات من خارج الحزب للتمتع بأغلبية الثلثين في البرلمان القادم، والأصوات الكردية كافية لتحقيق هذا الغرض، كما أن حزب العمال الكردستاني يسعى إلى رفع الحظر عن الحزب والدخول إلى البرلمان ضمن كتلة برلمانية خاصة به، ولكن تحقيق هذا الأمر قد يصطدم بالقانون التركي الذي يتطلب لدخول الأحزاب ضمن التشكيلة البرلمانية تحقيقها لنسبة 10% من مجمل الأصوات على الأقل.
إذا تم التوصل إلى اتفاق قبل يونيو القادم وتمسك الجانبان بالصفقة، فإن حزب العمال الكردستاني سيدخل الانتخابات وهو مطمئن أنه سوف يحصل على زيادة في القوى المحلية تخوله دخول البرلمان، كما أن حزب العدالة والتنمية سيطمئن أيضًا أنه بغض النظر عن وجود أو عدم وجود مجموعة من نواب حزب السلام والديمقراطية ضمن البرلمان، سيكون لديه فرصة جيدة لتقديم الدستور الجديد الذي يلائم متطلبات الحزب الساعية لزيادة الصلاحيات التنفيذية على مستوى النظام الرئاسي.
ولكن بذات الوقت قد يكون كلا الجانبين يقدمان على خطوة خطيرة، كون الاتفاق قد لا يدوم، والكشف عن تفاصيله قد يحمل نتائج كارثية من الناحية السياسية؛ فالرأي العام التركي قد يرفض تقديم تنازلات للأكراد من قِبل الحكومة، وقد لا تتصرف كتلة حزب العمال الكردستاني ضمن البرلمان كما هو متوقع لها، ولكن بجميع الأحوال من غير المرجح أن يكون إعلان يوم السبت قد صدر بدون وجود اتفاق مسبق بين الجانبين على الإطار الأساسي للتعديلات الدستورية.
المصدر: ميدل إيست آي