خرج عقيلة صالح رئيس برلمان طبرق “المنحل” الذي يتخذ من شرق البلاد مقرًا له ليعلن عن ترقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر قائدًا عامًا للجيش بعد ترقيته إلى رتبة فريق ليقود القوات الموالية للبرلمان المنحل ضد قوات فجر ليبيا المدعومة من المؤتمر الوطني الليبي في طرابلس.
هذا الأمر سيؤدي بلا شك إلى تعقيد مساعي الأمم المتحدة التي ترنو إلى توحيد الجبهتين في البلاد تحت حكومة ائتلافية واحدة، وهو تصعيد جديد من حكومة طبرق وبرلمانها ضد المؤتمر الوطني في طرابلس الذي يتمسك بشرعيته ويرى في تحركات حفتر وبرلمان طبرق انقلابًا متكامل هدفه إفشال الثورة الليبية.
شهد مجلس النواب المنحل في طبرق خلافات على هذا القرار خوفًا من هيمنة المليشيات على السياسيين في طبرق خاصة وأن حفتر ليس له صفة رسمية في الجيش الليبي طوال هذه المدة إلا من خلال هذا البرلمان، ودائمًا يحتاج إلى ظهير سياسي ليبرر حملته العسكرية التي يقودها من الشرق وحينما يعين قائدًا عامًا للجيش فإنه بذلك اكتسب الدعم السياسي ولم يعد بحاجة إلى برلمانيي طبرق وهو ما كرس انقسامًا حادًا بينهم؛ بين مؤيد ومعارض لهذه الخطوة.
حيث ذكر المتحدث باسم عملية الكرامة محمد حجازي أن مجلس النواب المنعقد بطبرق أقر قانونًا رسميًا لمنصب القائد العام للجيش، وأكد أن القانون يوضح مهام وصلاحيات واختصاصات من سيشغل منصب القائد العام وبيّن أنه جاء تمهيدًا لتعيين قائد ما يطلق عليها إعلاميًا عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منصب القائد العام للمليشيات هناك.
حفتر العائد للقتال ضد قوات القذافي إبان ثورة 17 فبراير، أُحيل إلى التقاعد مرة أخرى من قِبل المؤتمر الوطني الليبي بعد انتهاء الحرب ومقتل القذافي، هو وعسكريون سابقون محسوبون على نظام القذافي؛ ما أثار غضبه وحنقه على الإسلاميين المسيطرين على المؤتمر الوطني آنذاك.
وفي 16 مايو الماضي دشن حفتر عملية عسكرية تسمى “الكرامة” ضد كتائب الثوار وتنظيم أنصار الشريعة، متهمًا إياهم بأنهم من يقف وراء تردي الوضع الأمني وسلسة الاغتيالات التي طالت أفراد الجيش والشرطة وناشطين وإعلاميين، بينما اعتبرت أطراف حكومية آنذاك ذلك “انقلابًا على الشرعية كونها عملية عسكرية انطلقت دون إذن من الدولة”.
لكن بعد انتخاب مجلس النواب في يوليو الماضي الذي أعلنت المحكمة الدستورية حله بعد ذلك، أبدى المجلس، الذي يعقد جلساته في مدينة طبرق، دعمًا للعملية التي يقودها حفتر، وصلت إلى حد اعتبار قواته جيشًا نظاميًا وضمت عملية الكرامة لعمليات الجيش المعترف بها فيما أعاده رئيس البرلمان للخدمة العسكرية مرة أخرى.
وتعاني ليبيا أزمة سياسية زادت حدتها مؤخرًا بين تيار محسوب على الليبراليين المدعومين من الغرب وآخر محسوب على الإسلاميين؛ ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منهما مؤسساته الأول: البرلمان المنعقد في مدينة طبرق، والذي صدر في حقه مؤخرًا قرار ببطلان انتخابه من قبل المحكمة الدستورية العليا، وحكومة عبد الله الثني المنبثقة عنه.
أما الجناح الثاني للسلطة فيضم، المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته مؤخرًا)، ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش جاد الله العبيدي (الذي أقاله مجلس النواب بطبرق).
وبهذا يسير اللواء المتقاعد خليفة حفتر العائد إلى الحياة العسكرية والسياسية من منفاه في الولايات المتحدة بخطى ثابتة تجاه السيطرة على معسكر طبرق السياسي والعسكري في ظل دعم إقليمي وغربي خاصة مع الاستقواء بالطرف المصري الذي يدعمه على طول الخط منذ انطلاق عمليته العسكرية ضد الإسلاميين في طرابلس وهو أمر أشبه بالانقلاب العسكري على ثورة 17 فبراير .. فمن هو خليفة حفتر؟
ولد خليفة بلقاسم حفتر سنة 1943 في مدينة أجدابيا بليبيا، التحق بالكلية العسكرية الملكية بمدينة بنغازي سنة 1964، وتخرج منها عام 1966، شارك مع العقيد معمر القذافي في الانقلاب الذي أطاح بالملك إدريس السنوسي في سبتمبر 1969، فتولى بعد ذلك مهام متعددة في القوات المسلحة الليبية، وقاد القوات البرية الليبية تحت مظلة القذافي، شارك حفتر ضمن القوات الليبية في حرب أكتوبر لذلك يتمتع بعلاقات طيبة مع دوائر في الجيش المصري ما يفسر دعم الجنرالات في مصر له، ثم انشق حفتر عن القذافي بعد أن وقع في الأسر في أحد المهمات داخل الأراضي التشادية بعد تخلي القذافي عنه .
اُتهِم حفتر بأن له علاقات قوية ببعض الدوائر السياسية والاستخباراتية الغربية، خاصة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي أي) التي دعمته وفق ما نقلت “رويترز” عن مركز أبحاث أمريكي.
بعد التدخل الأمريكي والمصري للإفراج عن اللواء حفتر من الأسر في تشاد، سافر اللواء المتقاعد إلى الولايات المتحدة، وبقي فيها إلى ما بعد اندلاع الثورة الليبية في 2011، فعاد إلى بنغازي للمشاركة في العمل العسكري والسياسي لإسقاط القذافي.
بعد خلافات مع حكومة المؤتمر الوطني أعلن في 14 فبراير 2014 سيطرة قوات تابعة له على مواقع عسكرية وحيوية في البلاد، وأعلن في بيان تلفزيوني “تجميد عمل المؤتمر الوطني (البرلمان المؤقت) والحكومة”، ومن هنا نشأ الصراع بين طبرق وطرابلس بعد انضمام برلمان طبرق لجبهة حفتر في مشهد عده البعض انقلابًا على المؤتمر الوطني الذي رفض الاستسلام وأطلق عملية فجر ليبيا ردًا على هذا التصرف .
حفتر الذي ينسق مع الجنرالات في مصر بطريقة علنية الآن لقصف مواقع تابعة لقوات فجر ليبيا ومسلحين آخرين ينتمون لفصائل إسلامية، يعمل على إحكام السيطرة على الوضع في ليبيا خاصة مع إلحاح المجتمع الدولي في ضرورة التوصل إلى حل بين الحكومتين في طرابلس وطبرق.
فعقب قصف الجيش المصري لدرنة أعلن عسكريون تابعون لقوات حفتر أن الأمر تم بالتنسيق معهم لضرب معاقل الإرهاب في ليبيا، كذلك لم يكن هذا التدخل العسكري الأول لمصر أو غيرها لنصرة حفتر؛ فالإمارات ومصر متورطتان في قصف جوي على معاقل للثوار في طرابلس من قبل، كما تشير تسريبات أذاعتها قناة فضائية ليبية من داخل مكتب الجنرال السيسي إلى أن هناك تدخلاً مصريًا على الأرض في ليبيا لصالح قوات حفتر .
بعدما نشرت مواقع عدة أخبارًا عن نية الجيش المصري الدخول في حربًا برية داخل الأراضي الليبية أبرزها موقع ديبكا العسكري الإسرائيلي الذي نشر أن هناك تنسيقات بين قيادات عسكرية مصرية وقوات اللواء خليفة حفتر لتنفيذ عملية عسكرية للسيطرة على درنة بقوات عسكرية مشتركة بينهما وهو ما قد يفسر الإعلان عن منصب رسمي للواء خليفة حفتر في هذه الأيام يحمل صبغة سياسية ليبرر التدخل المصري على الأراضي الليبية.
وهو الأمر الذي يؤكد أن حفتر لا يريد أي تسوية سياسية برعاية الأمم المتحدة رغم وجود دعم غربي لذلك وأنه يفضل الحل العسكري على الأرض بدعم مصري، لكن الأوضاع حتى هذه اللحظة لم تتضح بعد ما إذا سيسمح الغرب لمصر وحفتر بفتح جبهة حرب في ليبيا في ظل الحديث دوليًا عن فتح جبهة للحرب في العراق ضد داعش.