أعلن عبد المجيد ذنيبات، المراقب العام السابق لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن والمفصول منها، قبول الحكومة الأردنية، أمس الإثنين، طلبًا كان قد تقدم به هو ومجموعة أطلقت على نفسها “اللجنة التحضيرية لإصلاح الجماعة”، بإعادة تصويب أوضاع الجماعة القانونية، دون الحصول على موافقة مسبقة من قيادة الإخوان، وسط تحذيرات الجماعة من التدخل في شؤونها الداخلية، أو العبث بالوضع التنظيمي لها، في خطوة وصفتها الجماعة “بالانقلاب”.
فهل ما حصل هو مجرد “انقلاب” كما تصفه قيادات الاخوان، أم هو إعادة تصويب بالفعل، أم هو بداية ناعمة لحل الجماعة لنفسها على طبق من ذهب للنظام الأردني؟
تاريخ الإخوان والدولة الأردنية
منذ أكثر من 70 عامًا، ومنذ بداية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الأردن في منتصف أربعينيات القرن الماضي، كانت العلاقة بين النظام الملكي والجماعة تسير بشكل توافقي ومصالح متبادلة ومشتركة في بعض الأحيان، حيث لا يعكس تأزم العلاقة بين الدولة والجماعة الإخوان المسلمين في الآونة الأخيرة، الشكل الطبيعي بين التيار السياسي الأكثر بروزًا في الشارع الأردني، والنظام الأكثر استقرارًا في المنطقة.
جماعة الإخوان التي تعتبر نفسها امتدادًا للحركة الأم في مصر، مع تأكيدها على استقلالها التنظيمي، افتتح مقرها العام كجمعية خيرية في عمّان عام 1945 برعاية الأمير عبدالله الأول الذي أظهر تعاطفًا معها، تجلى بدعوته مؤسس الجماعة حسن البنا لزيارة الأردن، وعرضه عليه ترشيح عضو الجماعة المصري عبدالحكيم عبادين لتقلد حقيبة وزارية في سادس حكومة من عمر الإمارة.
واستمر هذا “التعاطف الملكي” مع الجماعة حتى عهد الملك الحسين بن طلال، وبخاصة مع التقاطعات السياسية بينهما في خميسنات وستينات القرن الماضي، فقد وقفت “جمعية الإخوان” بجانب النظام خلال الأزمات التي شهدها آنذاك، حيث ساندت قرارات الملك في وجه حكومة سلمان النابلسي عام 1956، وضد محاولة انقلاب “الضباط الأحرار” بعد ذلك بعام، كما أنها وقفت على الحياد إثر المواجهات بين الجيش والتنظيمات الفلسطينية، فيما عرف بأحداث أيلول الأسود.
وحتى بداية ثمانينات القرن الماضي، بقي الإخوان أقرب للدولة من المعارضة، إلا أن الدولة استشعرت مع بداية “الانفتاح الديمقراطي” تعاظم قوى الجماعة، الأمر الذي دعاها إلى تقنين علاقتها بها، ومحاولة كبح قوتها والحد من نمو قدارتها المستقبيلة، بحسب باحثين ومراقبين، بعد النجاح الكاسح الذي حققه الإخوان في مجلس 1989، وتشكيل الحكومة آنذاك، لكن حدثت بعد ذلك عدة صدامات جعلت كل الطرفين على مفترق طرق من العلاقة، منها اتفاقية وادي عربة، وقانون الصوت الواحد، والتزوير الذي وقع في الدورات الانتخابية اللاحقة لمجلس النواب.
ولم تتحسن علاقة الإخوان بالدولة في عهد الملك عبدالله الثاني، حيث بدأت بحملة اعتقالات في صفوفهم، ولم تنته بوضع الحكومة يدها على جمعية المركز الإسلامي التابعة للجماعة والتي تعد من أهم أدواتها الاقتصادية، بحجم استثمارات داخلية يقدر بنحو مليار دينار.
ومع انطلاقة “الربيع العربي” لم يختلف موقف إخوان الأردن عن الجماعة الأم في مصر بعدم المشاركة مع الشرارات الأوّلى للاحتجاجات الشعبية، حيث إنهم واكبوا هذا الحراك ليصلوا بالشعارات إلى حد المطالبة “بإصلاح النظام”، عبر تعديلات دستورية لتقليص صلاحيات الملك، إضافة إلى إلغاء نظام الصوت الواحد في قانون الانتخاب.
الجماعة تنقسم على نفسها
أزمة الإخوان الداخلية الحالية والتي وصلت إلى أروقة الدولة الأردنية تعود إلى أكثر من عام ونصف، بسبب خلافات حادة بين قيادة الجماعة التي يسيطر عليها تيار ما يسمى بالصقور، وبين تيار يوصف بالحمائم، طلب فيها الأخير عزل القيادة الحالية، وانتخاب قيادة جديدة، إثر مزاعم بوجود تنظيم سري داخل الإخوان، يرتبط بحركة حماس، وإقصاء تيارها عن مواقع القرار، إلى جانب تشكيل مبادرة سياسية حملت اسم “زمزم” لبعض من تلك القيادات الإخوانية خارج إطار التنظيم.
في يناير الماضي تقدمت مجموعة داخل الجماعة عرفت باسم “اللجنة التحضيرية لإصلاح الجماعة” بطلب للحكومة الأردنية تطالب فيه “بإعادة تصويب أوضاع الجماعة وترخيصها”، قاد هذا الطلب عبد المجيد الذنيبات المراقب الأسبق للجماعة وعضو مكتب الارشاد العالمي، قبل أن يصدر مجلس شورى الجماعة قرارًا بالفصل التنظيمي بحقه وبحق من وقع معه على طلب التصويب في 14 فبراير المنصرم، فيما كان الطلب قد قدم في الثامن من الشهر ذاته.
الحكومة الأردنية بدورها أعلنت أمس الإثنين قبولها طلب “إعادة تصويب أوضاع الجماعة القانونية”، دون الحصول على موافقة مسبقة من قيادة الإخوان.
من جانبها، نددت جماعة الإخوان المسلمين بشدة بإجراءات التصويب، محذرة من المس بشرعية الجماعة وقيادتها، ومؤكدة الالتفاف عليها.
وعبّرت الجماعة في بيان صدر عن مجلس الشورى فيها ليل الإثنين، عن استهجان قبول الحكومة للطلب المقدم بخصوص تصويب أوضاع الجماعة، ورفضها التدخل في شؤونها الداخلية.
وقالت الجماعة في بيانها الذي صدر في وقت متأخر من ليلة أمس: “إن العبث بالمركز القانوني المحفوظ للجماعة ووضعها التنظيمي المستقر هو مخاطرة ومجازفة ستترك آثارًا عميقة على الوطن الأردني قبل أن تصيب الجماعة بأي ضرر”.
القيادي المفصول عبد المجيد الذنيبات بارك هذه الخطوة من الحكومة، وقال في تصريحات لموقع CNN أمس إن ما جرى هو تصحيح للمسار الحالي، “فبعد حل جماعة الإخوان المسلمين في مصر كان لابد من حماية إخوان الأردن، وقد حاولنا مرارًا التخاطب مع الجماعة عبر مؤتمرات خاصة دون أن يكون هناك استجابة”.
ويستدعي طلب التصويب، بحسب إعلان مجموعة الذنيبات، “الإطاحة بالقيادة الحالية والإبقاء على الشعب والهيئات الإدارية كمرحلة انتقالية لإجراء انتخابات لقيادة جديدة”، فيما نص بيان صدر باسمها أن الجماعة ستصبح هيئة أردنية وحركة دعوية لكل الأردنيين، مع طلب “تجديد البيعة”.
وفي تعليق للذنيبات حول حدوث صدام محتمل بين كوادر الجماعة وهيئتها الجديدة، قال: “لن يكون هناك صدام لأننا سنكون بثوب شرعي ومن يستنكف عن الالتزام معنا في الجماعة فأمره للدولة، وسيصبح حينها أي نشاط يمارس خارج هذا الإطار غير قانوني، وسنعزل القيادة الحالية أولاً”.
وبشأن استمرار ارتباطه بمكتب الإرشاد العالمي، وهو العضو الوحيد ممثلاً عن الأردن فيه، أردف الذنيبات قائلاً: “لم يعد لي اهتمام بمكتب الإرشاد وهو مجرد هيئة استشارية”.
وينتظر صدور القرار الرسمي النهائي بقبول تسجيل الجماعة التي تشهد قيادتها الحالية حالة من الجفاء مع السلطات الرسمية، خلال أيام، وسط تحذيرات من حدوث ارتدادات للإجراء.
ويتوقع مراقبون، أن يتحول النزاع القائم إلى نزاع على الشرعية، كمقدمة لحل ناعم لجماعة الإخوان، حيث رجحت بعض المصادر لجوء الجماعة إلى القضاء في وقت لاحق.
مكتب الارشاد يوصي بحل الأزمة داخليًا
صحيفة الغد الأردنية اليومية نقلت عن مصادر “إخوانية” أن لقاءً جمع بين عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وممثلين عن مكتب الإرشاد العالمي في إسطنبول قبل أيام، جاء بطلب من مكتب الإرشاد، للاستيضاح حول “طبيعة الأزمة” التي تمر بها الجماعة.
حيث قالت الصحيفة نقلاً عن أحد القيادات ممن حضروا اللقاء إن مكتب الإرشاد أوصى “بإيجاد حل توافقي” للأزمة وفقًا للقوانين الأردنية وضمن إطار مؤسسة الجماعة، والتأكيد على عدم “تدخله” في الأزمة، مع العلم بأن المكتب قد عبّر عن “رفضه” لطلب التصويب الذي تقدم به الذنيبات مع بداية الأزمة قبل أسابيع.
ردود فعل شبابية متباينة
مواقع التواصل الاجتماعي، على رأسها فيسبوك وتويتر ضجت بالحديث عن التطورات الأخيرة التي حصلت للجماعة، حيث طرحت العديد من التساؤلات حول مستقبل الجماعة الحالية ومقراتها، ومدى تجاوب كوادرها وأعضائها مع القيادة المقبلة المرتقبة، حيث أعلنت الهيئات الشبابية المنتخبة، داخل الجماعة رفضها لما أسمته “محاولة الانقلاب”، على مؤسسات الجماعة، من خارج أطرها التنظيمية، والتأكيد على الالتفاف حول القيادة الحالية، إلا أن البعض الآخر اعلن دعمه لمبادرة الذنيبات ودعى إلى إصلاح جذري للجماعة.
بعض الكوادر الشبابية الإخوانية اقترحت على صفحاتها الخاصة بالفيسبوك، المضي قدمًا في تنفيذ مبادرة إصلاحية داخلية، ردًا على كل تلك الإجراءات، بإجراء انتخابات عاجلة ومبكرة للقيادة، واختيار شخصية توافقية كالقيادي الدكتور عبد اللطيف عربيات أو سالم الفلاحات، كمراقب عام للجماعة، وإعفاء المراقب العام الحالي همام سعيد من منصبه.
وثائق إخوانية تؤكد ترخيص الجماعة
الجماعة سارعت ليلة أمس وعبر أحد المواقع التابعة لها بالكشف عن وثيقتين تؤكد ترخيص الجماعة رسميًا في عهدي الملك عبد الله الأول والملك حسين بن طلال.
حيث تظهر الوثيقة الأولى كتابًا خطيًا من رئاسة الوزراء رقم (21/74) يخاطب فيه نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، باعتبار الإخوان المسلمين جماعة بدلاً من كونهم جمعية كما كان الأمر في ترخيصهم الأول عام 1946.
وقال نص القرار الوارد في الوثيقة إنه “بناء على الطلب الذي قدمه المراقب العام للإخوان المسلمين في عمان، قرر مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 23/2/1953.
أما الوثيقة الثانية، فأبرزت طلب الأشخاص الذين تقدّموا بطلب ترخيص الجمعية عام 1946م، بأسمائهم، وتظهر كتابًا لرئيس الوزراء يخاطب فيه وزير الداخلية رقم (21 /74) بتاريخ 10/1/1946 بالسماح للأشخاص مقدمي طلب جمعية الإخوان المسلمين (بتأليف الجمعية وفقًا للنظام الأساسي الموضوع لهذه الغاية).
مستقبل مجهول للجماعة.. ماذا بعد؟
يرى كتاب ومحللون أن الأزمة هذه داخل الجماعة ربما لن تقف عند حدود المخاطر المتعلقة بحصول انشقاقات محتملة داخل المجموعة الأكثر تنظيمًا وجماهيرية في البلاد، بل ستتعدى نحو خطوة غامضة النتائج هذه المرة يمكنها أن تعيد إنتاج ملامح المشهد السياسي الداخلي.
وبحسب هذه التحليلات فإنه من المرجح جدًا أن يتواصل خلال الأيام القليلة المقبلة مسلسل تفكيك الإخوان وإعادة إنتاج وضعهم القانوني لصالح مشروع الحزب المرخص الجديد، حيث باتت الدولة تعتبر أن الهوية القديمة للإخوان من الإطارات غير القانونية، وبالتالي غير الشرعية بمجرد ولادة الكيان الحزبي الجديد هذا الذي تجرأ الذنيبات مؤخرًا لعرض الاندماج معه أو مواجهة “الحل”، والمقصود هنا حل الجماعة.
ويبقى السؤال هنا.. ماذا بعد؟ من سيتحمل مسؤولية وتداعيات هز استقرار الجماعة؟ ومن الذي سيتحمل كلفة تغيير قواعد اللعبة على هذا النحو الدراماتيكي؟ .. الجواب يبقى للأيام القادمة.