أكاد أؤكّد أن كلّ الخلافات التي أحدثتها دولة العراق و الشام في الفترة الماضية في معظم مناطق وجودها من قتل قائد كتائب العز في الساحل إلى طرد الجيش الحر من الدانا في ريف إدلب و السيطرة عليها إلى الاشتباك مع أحفاد الرسول و تفجير مقرهم في الرقة إلى مقتل أبو عبيدة البشي المسؤول في حلكة أحرار الشام الإسلامية إلى اجتياح اعزاز و السيطرة عليها إلى محاولات اقتحام قربة حزانو الأخيرة , و التي حرفت بوصلتنا قليلاً عن معركتنا الأهمّ -و التي يفترض أن تكون الوحيدة الآن- أمام النظام , ستؤدّي إلى مزيد من التوحّد و التنسيق في العمل الثوري و مزيد من التماسك للمشروع الجهادي حتى بين من كانوا لا يتعاونون معاً في الأمس القريب , و أعتقد أنّه يمكن توقّع تحالفات و جبهات أكبر و أكثر تنظيماً و وضوحاً في رؤيتها في الفترة القريبة القادمة , و بدأت بوادر ذلك تظهر .
أدّت مشكلة الدولة إلى استهلاك كثير من الطاقات في صراع خطابي حادّ و متخيّل في شقّ كبير منه , و غطّى على الكثير من حقيقة الوضع و القوى على الأرض , و زاد من حساسيته و تأزّمه تصويره كصراع إسلامي/علماني بينما في الحقيقة هو صراع إسلامي/إسلامي تشكّل الحركات الجهادية فيه أوّل الأطراف المتضرّرة من الحركة الجهادية الإشكاليّة , عدا عن تغطية الخلاف المنهجي الشرعي القائم بين الحركات الإسلامية نفسها , و الذي رأينا أنّه قد يصل أحياناً حدّ استباحة الدم لولا أنّ توازن القوى على الأرض يمنع من تفاقم الوضع ومن قدرة جهةٍ واحدة على أن تأخذ خلافاتها إلى المدى الأقصى عسكريّاً , هذا التوازن نفسه الذي يضرّه وجود معارك جانبيّة بينما هو منشغل في معركة مواجهة رئيسيّة و مهدّدة متمثّلة بالنظام , و الذي سيدفعه هذا الإرباك الطارئ إلى اتساقٍ أكبر في صفوفه لإعادة الاتزان اللازم لوضع المواجهة , هذا الإرباك الذي يبدو أنّه بلغ أوجه مع إغلاق معبري باب السلامة و باب الهوى بعد اقتراب دولة العراق و الشام منهما ما يعني حصار الشمال السوري بما يعنيه من إضرار مباشر بجميع القوى العسكرية المقاتلة لنظام الأسد إن استمرّ .
و ما ينبغي الطموح إليه و إن كان ما زال صعباً في الوقت االحالي ولكن ينبغي تذكّره كهدف , هو أن نرتاح من المهزلة السياسية الفجة التي نعيش فيها منذ سنتين , و أعني مسرحية التمثيل السياسي للمجالس التي شكّلتها فيما بينها نخب سياسية هرمة و متخيّلة و ليست فاعلةً في الحراك الثوري ما أدّى إلى أن تكون هذه المجالس قائمةً من أجل تمثيلها لا لتمثيل الثورة التي أضحت شبه ملحق ثانوي في بنية المجلس الوطني أو الائتلاف , و أن تعود الأمور لطبيعتها بحيث يكون هناك جسد سلطة ممثّل للثورة و وليد لتحالفاتها و تطوّرها من داخلها لا من داخل أروقة الدبلوماسيات , بحيث يكون لجسد السلطة الوليد هذا الشرعية الحقيقية و القدرة على الفعل و التأثير باعتبار مؤسسيه هم من يمتلكون زمام الفعل و التأثير في المشهد الثوري من داخله , بديلاً عن الشرخ العميق القائم و المعبّر عن الانفصال الفجّ ما بين الجسد السياسي الممثّل للثورة و ما بين الثورة نفسها .
كان هذا نتيجة إهمال بداهة و ضرورة أنّ المجالس الممثلة عن الثورة حتى تكون جزءاً من جسدها الحيّ يجب أن تظهر كنموّ عضويّ طبيعيّ فيها , لا أن تُقحم في هذا الجسد كزراعة الأعضاء من قبل أطبّاء شكليين لا يتقنون مهنتهم .