قام نتنياهو بإلقاء خطاب أمام أعضاء الكونجرس يوم الثلاثاء، ٣ من شهر مارس، رغم توتر العلاقات بين نتنياهو وأوباما بسبب دعوة رئيس مجلس النواب الأمريكي، جون بوينر، بنيامين نتنياهو لإلقاء كلمة في الكونجرس دون مناقشة البيت الأبيض بذلك، الأمر الذي تسبب بنشوء حساسيات بين الرئيس أوباما ونتنياهو، وامتنع أوباما مع عدد من أعضاء الكونجرس من حضور خطاب نتنياهو.
قال نتنياهو عن خطابه المترقب أنه لمناقشة خطر إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما قال بعض المنتقدين لإسرائيل أن نتنياهو ينوي بهذا الخطاب تحسين موقفه في الانتخابات القادمة المقرر موعدها بعد أسبوعين من تاريخ الخطاب، وأحدث هذا الخطاب جلبة في الأوساط السياسية وتساؤلات عن طبيعة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية الحالية وعن إذا ما بدأ يصيبها الضعف والاختلاف.
قبل خطاب الكونجرس بيوم ألقى نتنياهو يوم الاثنين، ٢ من شهر مارس، خطاباً أمام أيباك، أكبر مجموعة ضغط يهودية مناصرة لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، في حضور ١٦ ألف شخص، أخبر نتنياهو الجمهور في بداية الخطاب أن التقارير عن ضعف العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية خاطئة، وشدد على قوة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مشيداً بدور الولايات المتحدة في مد العون إلى إسرائيل ودعمها، وتحدث عن خطابه في الكونجرس غداً قائلاً أن الهدف من الخطاب لن يكون إظهار قلة الاحترام للرئيس أوباما أو إدارته، وأنه يقدر ما فعله أوباما لإسرائيل، كما أضاف أنه لا يريد إقحام إسرائيل في السياسة الحزبية الامريكية.
خلال الخطاب قام نتنياهو بالحديث عن العلاقات الإسرائيلية الأمريكية وعن الهدف من خطابه في الكونجرس غداً، والهدف من الخطاب، كما قال نتنياهو، هو “الحديث عن صفقة محتملة مع إيران قد تهدد وجود إسرائيل”، وانتقد نتنياهو إيران بشدة قائلاً أنها “تصدر الإرهاب للعالم أجمع، وتلتهم بلد تلو الأخرى في الشرق الأوسط، وتقوم بتطوير، خلال حديثنا هذا، القدرة لصنع أسلحة نووية، الكثير منها.” وقال: “هذا ما تفعله إيران بدون أسلحة نووية، تخيلوا ما ستفعله بأسلحة نووية”، واستمر قائلاً أن إيران “تريد إبادة إسرائيل، يجب أن لا نسمح لذلك أن يحدث”.
وكعادته تحدث نتنياهو عن معاناة الشعب اليهودي على مر السنين قائلاً إن ذلك لن يحدث مجدداً وأن الشعب اليهودي ليسوا غير فعالين كما في السابق “هذه الأيام انتهت”، وقال: “في إسرائيل نحن ندافع عن أنفسنا، اليوم لدينا صوت، وغداً أنوي استخدام هذا الصوت، أنوي التحدث عن النظام الإيراني الذي يهدد بتدمير إسرائيل”.
وختاماً، تحدث نتنياهو عن الشرق الأوسط قائلاً: “بينما تنحدر المنطقة إلى بربرية القرون الوسطى، إسرائيل هي التي تحمل هذه القيم (يقصد قيم الحرية، المساواة والعدالة، والتسامح والتعاطف)، بينما يقوم (بشار) الأسد بإلقاء البراميل المتفجرة على شعبه، يقوم الاطباء الإسرائيليون بمعالجة الضحايا في مستشفياتهم على حدود الجولان، بينما يتم إعدام المسيحيين، المسيحيون في إسرائيل يستمرون في النمو في المجتمع الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط، بينما يتم قمع واستعباد واغتصاب النساء في المنطقة، النساء في إسرائيل يخدمون في مناصب مثل رئيس العدالة ومدراء تنفيذيون.”
وعلى أحد أن يذكر نتنياهو أن “بربرية القرون الوسطى” في الشرق الأوسط قد بدأت من بلده نفسها عندما قاموا باحتلال أرض فلسطين وتشريد شعبها و ارتكاب ما لا يحصى من الجرائم في حقهم منها استخدام سلاح الفسفور الأبيض ضد شعب غزة الغير مسلح، وأن إلقاء براميل متفجرة من قبل رئيس على شعبه ليس أكثر وحشية من إلقاء براميل متفجرة من قبل رئيس على شعب أخر.
وفي خطابه اليوم التالي أمام أعضاء الكونجرس تحدث نتنياهو بتفصيل أكثر عن إيران وخطرها على إسرائيل وعلى منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم، قائلاً أن أيدلوجية إيران متأصلة في “الإسلام المتطرف” وأنه في عام ١٩٧٩ تعرضت إيران “للغزو” من قبل دينيين متعصبين وقاموا بإنشاء دستور “يحقق المهمة الأيدلوجية للجهاد”، وقال مخاطباً الجمهور “يجب أن نقف معاً لمنع مسيرة إيران في الانتزاع والقهر والإرهاب”، وشبه إيران بتنظيم الدولة الإسلامية قائلاً أن “إيران وتنظيم الدولة الإسلامية يتنافسون على “تاج الإسلام المتطرف”، الطرفين يرغبون في إنشاء امبراطورية إسلامية متطرفة”.
وانتقد نتنياهو بشدة الصفقة التي سيتم التوقيع عليها مع إيران قائلا أنها “صفقة سيئة جداً” لن تؤدي إلى تخيص إيران من الأسلحة النووية بل ستؤدي إلى مساعدة إيران على الحصول على أسلحة نووية، وأن ذلك سيدفع الدول الشقيقة إلى تطوير أسلحة نووية بدورهم، ولم يقدم نتنياهو اقتراحاً لصفقة بديلة سوى قوله أنه يجب التوصل لصفقة “أفضل” تضمن إزالة البنية التحتية النووية لإيران، وتحافظ على العقوبات الاقتصادية حتى “توقف إيران عدوانها على الشرق الأوسط، وتتوقف عن دعم الإرهاب حول العالم، وتتوقف عن التهديد بإبادة بلدي، الدولة اليهودية الواحدة والوحيدة”، ولذلك فإن اقتراح نتنياهو الوحيد كان استبدال الصفقة الحالية بصفقة أشد تقوم بخنق إيران بشكل أكبر لمنعها من الحصول على أسلحة نووية، الأمر الذي قال عنه أوباما ومستشارة الأمن الوطني سوزان رايس بأنه غير ممكن.
وكان خطاب نتنياهو مليئ بعبارات مثل: “حتى لو كان على إسرائيل أن تقف وحدها، إسرائيل ستقف” و”البديل لصفقة سيئة هو صفقة جيدة” و“إذا كانت إيران تريد أن يتم التعامل معها كدولة طبيعية فعليها التصرف كدولة طبيعية”، ومثل هذه العبارات التي لا يُفهم منها شيء ولكنها تجعل الجمهور يقف على قدميه مصفقاً.
وهنا يطرأ التساؤل عن الهدف من خطاب نتنياهو أمام أيباك، فقد كان الخطابين متشابهين إلى حد كبير، لم يزد نتنياهو شيئاً جديداً عن الخطاب الأخر في كلا الخطابين، فقد كان محور الحديث هو التأكيد على شدة العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، ففي كلا الخطابين شدد نتنياهو على قوة العلاقات بين الطرفين، والانتقاد اللاذع لإيران، في كلا الخطابين تحدث عن إيران على أنها مصدر الشر في العالم أجمع، وأخيراً الحديث عن معاناة الشعب اليهودي، فتحدث أكثر من مرة في كلا الخطابين عن المآسي التي مر بها اليهود، والفارق الوحيد هو أن الخطاب أمام الكونجرس كان مليء بالدراما أكثر من الخطاب السابق.
وبدا نتنياهو عازماً على فعل ما في وسعه لإبقاء إيران تحت قبضة العقوبات الاقتصادية ومنع أي اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران قد يضمن لإيران القدرة على تطوير أسلحة نووية أو صعود إيران كحليف للولايات المتحدة، وذلك بالحديث عن إيران كخطر يهدد الأمن العالمي وكسبب رئيسي في ما يحصل في الشرق الأوسط، وهو بذلك لا يكسب الدعم من المعادين لإيران فقط، بل يحول الانتباه عن إسرائيل والجرائم التي ترتكبها بإلقاء الضوء على إيران.
وخصوصاً بعد ظهور الأثر الإيراني خلال أحداث الربيع العربي، وحتى قبل ذلك، فإيران استطاعت أن تصنع لها وجوداً وأن تجعل من نفسها قوة مؤثرة في الشرق الاوسط، وبينما كانت الحكومات العربية تسقط الواحدة تلو الأخرى وبدأت الحكومات العربية الأخرى تفقد هيمنتها في المنطقة كانت إيران تستغل كل ذلك جيداً في صالحها، ولذلك فإن ظهور إيران كقوة إقليمية على مدى السنين، ولو من غير سلاح نووي، أمر يٌعد كارثة بالنسبة لإسرائيل التي كانت وما زالت مركز القوة في الشرق الأوسط.
ولذلك فالهدف من الخطاب لم يكن فقط كسب الدعم لمنع إيران من امتلاك قوة نووية، بل أيضاً لمحاولة استمرارية الضغط عليها وخنقها وإضعافها اقتصادياً قدر المستطاع حتى لا تستطيع النمو أكثر مما هي عليه الأن.
نتنياهو يعلم جيداً أن الولايات المتحدة كقوة عالمية في وسعها الضغط على إيران ومنعها من الحصول على أسلحة نووية، ولهذا يلجأ إليها، إلا أن قراره بإلقاء خطاب في الكونجرس كان قراراً خاطئاً سيكون له تبعات في المستقبل على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أو على الأقل على العلاقات بين نتنياهو وأوباما الذي ما زال لديه سنتين إضافيتين كرئيس أمريكي، المحاولة لكسب دعم الكونجرس في معارضة صفقة أوباما المقرر الاتفاق عليها في نهاية هذا الشهر لن يغير شيئاً، كل الذي أحدثه هو ظهور الخلافات الإسرائيلية الأمريكية على السطح وإنشاء المزيد من الخلافات.
كان من الممكن لنتنياهو أن يعمد إلى أساليب أكثر فاعلية، مثلاً أي تنازلات بسيطة جداً في موضوع الخلاف الإسرائيلي-الفلسطيني كان من المكن أن يُكسب نتنياهو صوتاً أقوى، إلا أن هذه كانت السياسة الإسرائيلية على مر السنين، عدم الدخول في مفاوضات أو تنازلات والإصرار على تحقيق ما تريده إسرائيل بأي طريقة كانت بغض النظر عن الأطراف الأخرى.