في بداية القرن الـ 20 كان يتم استخدام مادة تدعى (2.4- ثنائي النتروفنول) أو (DNP) على المستوى الصناعي في مصانع الأسلحة الفرنسية، وكان يتم مزج هذه المادة مع حمض البكريك لصنع المتفجرات، ولكن لوحظ أن العمال الذين تعرضوا لهذه المادة الكيميائية أصبحوا يعانون من التعرّق بشكل مفرط، ومن فقدان الوزن وعانوا من ارتفاع درجات حرارتهم.
أدرك علماء في جامعة ستانفورد أن مادة الـ (DNP) تعمل على زيادة عملية التمثيل الغذائي بنسبة تصل إلى 50%، مما يؤدي إلى حرق كميات كبيرة من الدهون والكربوهيدرات، وهذا ما دعا العديد من الشركات الدوائية إلى إنتاج ما يزيد عن 20 نوع من أدوية التنحيف التي تحتوي على هذه المادة كيميائية في تركيبتها بعد عام واحد من هذا الاكتشاف، ولكن بحلول الثلاثينيات من القرن الماضي تم الإعلان عن منع استخدام هذه الحبوب العجيبة بعد أن أدى تناول جرعة زائدة منها إلى طبخ الشخص حتى الموت بالمعنى الحرفي للكلمة.
ولكن بعد أن استطاع علماء من جامعة ييل اكتشاف نسخة مخففة من هذه المادة الكيميائية تعادل قوتها 100 مرة أضعف من الجرعات السابقة، قد يكون بالإمكان استخدامها الآن لعلاج مرض السكري من النوع 2، وعلى الرغم من أن الدراسة ما تزال تجرى حتى الآن على الفئران، إلّا أن الفريق واثق من أن هذا الدواء سيكون آمنا لاستخدامه على البشر وأن البحث سيصل إلى مرحلة التجارب السريرية.
يشير الدكتور (جيرالد شولمان) وهو المؤلف الرئيسي لهذه الدراسة، أن إعطاء جرعات منخفضة من مادة الـ (DNP) تصل فعاليتها لتكون أضعف بـ 100 مرة من المستويات السامة الأساسية لهذه المادة، أدى إلى التقليل من مستويات السكر في الدم ومن تركيز الأنسولين أيضاً في نموذج القوارض التي تعاني من داء السكري من النوع 2 بشكل كبير، ونظراً لكون هذه النتائج كانت واعدة في النماذج الحيوانية التي تعاني من الأمراض المتعلقة بالسمنة وداء السكري من النوع 2، فإن الباحثين يسعون حالياً لإجراء المزيد من الدراسات الإضافية التي تتعلق بالسلامة قبل الانتقال بهذا النهج نحو التجارب السريرية في العيادات.
يحدث مرض السكري من النوع 2 عندما يكون الجسم غير قادر على إنتاج ما يكفي من الأنسولين ليقوم بتأدية مهمته بالشكل الصحيح، أو عندما لا تستجيب خلايا الجسم للأنسولين كما يجب، وبدون وصول ما يكفي من الأنسولين إلى الخلايا لا يستطيع الجسم تحويل السكريات والدهون التي توجد في مجرى الدم إلى خلايا، لذلك فإن مستويات هذه المواد السكرية والدهنية تبقى مرتفعة بشكل خطير مما قد يؤدي إلى المرض.
الجدير بالذكر أن هناك حوالي ثلاثة ملايين شخص يعانون من مرض السكري في انكلترا لوحدها، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع إلى 4.6 مليون بحلول عام 2030، وذلك لانتشار تناول الوجبات الغذائية المليئة بالسكريات والدهون وعدم ممارسة الرياضة وزيادة معدل الأعمار.
إن هذا المرض يسبب مشاكل صحية خطيرة على المدى الطويل، فقد يؤدي إلى العمى والفشل الكلوي وبتر الأطراف السفلى، كما أن الأشخاص الذين يعانون منه يكونون أكثر عرضة لتطوير أمراض مرتبطة بالقلب بنسبة خمس مرات، وحتى الآن لا يوجد أي علاج فعال لمرض السكري، لذلك بعد أن سمع العلماء في جامعة ييل عن مادة الـ (DNP) حرصوا على معرفة ما إذا كان تخفيض مستوى فعالية هذه المادة الكيميائية يمكن أن تكون مفيداً في زيادة مستوى التمثيل الغذائي، وبينت تجاربهم أن تناول جرعة يومية صغيرة من هذه المادة الكيميائية كان كافياً لجعل الخلايا أكثر حساسية للأنسولين مما أدى إلى حرق المزيد من الدهون والسكر وتحويلها إلى الشكل الحراري.
سابقاً، كان يتم استخدام مادة الـ (DNP) في الجيش الروسي لإبقاء الجنود دافئين خلال فصل الشتاء، ولكن بعد ذلك تبين أن هذه المادة تسبب فقدان الكثير من الوزن، ومع ذلك، لا تزال هذه المادة الكيميائية تستخدم من قبل لاعبي كمال الأجسام والأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل لإنقاص أوزانهم والتسريع من عملية التمثيل الغذائي، على الرغم من أن آثارها قد تكون قاتلة.
تحذر وكالة المعايير الغذائية من استهلاك مادة الـ (DNP)، وتشير إلى أنها يمكن أن تؤدي إلى الغثيان والتقيؤ والأرق وتهيج الجلد والتعرق والدوخة والصداع والتنفس السريع وعدم انتظام ضربات القلب، مما قد يؤدي إلى دخول الشخص في غيبوبة والموت، ولكن لا يمكن منع هذه المادة من الأسواق ما دام لا يتم بيعها كدواء، حيث يتم استخدام هذه المادة حالياً كمبيد للآفات.
ولكن تبعاً لعلماء ييل فإن الدواء الجديد الذي سيستخدم تركيزات منخفضة جداً من المادة، لن يكون له –على الغالب- أي آثار جانبية، وحتى الآن فإن الدراسة تبدو واعدة، ولكن على الرغم من ذلك، لا بد من إجراء المزيد من البحوث لمعرفة ما إذا كان هذا الشكل الجديد يمكن أن يكون آمناً للاستخدام، وإذا ما كان يمكن أن يفيد الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري من النوع 2، كما أن الحذر سيكون مطلوباً عند تقييم النتائج، لأن مادة الـ (DNP) يمكن أن تكون خطرة جداً على الصحة في شكلها الأصلي ومن غير المناسب أن يتم استخدامها لدى البشر.
المصدر: تلغراف