ترجمة وتحرير نون بوست
في مقر قيادة عسكرية مؤقت مؤلف من غرفة معيشة صغيرة تعج بالدخان، يجلس الجندي الأمريكي السابق بريت، مع وشم السيد المسيح المحفور على ساعديه، ويوضح لنا كيف يأمل في المساعدة على إبقاء الكنائس حية في العراق.
“المسيح يقول لنا بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصغر، فبي فعلتم”، قال بريت (28 عامًا) القادم من ديترويت والذي خدم لفترة مطولة في العراق بين عامي 2006 و2007، بريت الذي طلب منا عدم نشر اسم عائلته خوفًا من إلحاق الضرر بهم يقول “لم استطع الجلوس ومشاهدة ما يحدث، النساء يتعرضن للاغتصاب ويتم بيعهن بالجملة”.
وفعلاً حضر بريت إلى شمال العراق في ديسمبر الماضي، حيث انضم إلى مجموعة يتعاظم عددها مؤلفة من أجانب تركوا حياتهم الغربية خلفهم، للقتال مع الميليشيات المسيحية الجديدة ضد الجماعة المتطرفة المتمثلة بتنظيم الدولة الإسلامية، ويقول قادة هذه الميليشيات أنهم يتعاملون يوميًا مع مئات الطلبات القادمة من قدامى المحاربين والمتطوعين من مختلف أنحاء العالم الذين يرغبون في الانضمام إليهم.
الوافدون الجدد ينضمون إلى مجموعة متنوعة من المقاتلين الأجانب والمتطوعين الذين انجذبوا إلى الصراع الدائر على الأراضي العراقية، والذي كانت له آثار مدمرة ووحشية على أقليات الطوائف العراقية، وهدد ويهدد جذور الطائفة المسيحية في المنطقة، ولكن على الرغم من ترحيبهم بمبادرة هؤلاء الشباب، إلا أن السلطات الكردية في شمال العراق – المنطقة التي يتجمع بها المسيحيون المسلحون – تتساءل عن الكيفية التي يمكن بها أن تتحقق وتستقصي عن الأجانب الذين يطالبون الالتحاق بالمجموعات المقاتلة.
المجموعة التي انضم لها بريت تدعى “دويخ نوشا” وهي كلمة آرامية تعني التضحية بالنفس، وهذه المجموعة تضم حتى الآن ستة مقاتلين غربيين فقط من بين 200 مقاتل مسيحي آشوري عراقي، ولكن إيمانويل خوشابا يوخنا الأمين العام للحزب الوطني الآشوري الذي يمول الجماعة، يقول إن أكثر من 900 أجنبي اتصلوا مع الحزب أو الجماعة للاستفسار حول كيفية الانضمام إلى الجماعة المقاتلة.
بعض المتطوعين انضموا للقتال للدفاع عن دينهم، وآخرون انضموا بدافع القتال فقط، بريت هو من الفريق الأول، حيث يطلق على نفسه اسم “ملك نينوى” المحافظة المسيحية القديمة المحتلة الآن من قِبل الدولة الإسلامية، ورفع لنا قميصه ليظهر وشم مرسوم على كامل ظهره للملاك ميخائيل “ميكائيل في الإسلام”، وعبارات من مزمور 23 منقوشة إلى جانب الوشم.
ولكن بالنسبة للمقاتلين الآشوريين العراقيين، شخصية “ملك نينوى” ليست محط إعجاب، كون هؤلاء المقاتلين يشددون على أن هذه الحرب ليست حربًا صليبية، ولكنها كفاح من أجل العودة إلى ديارهم وبيوتهم، حيث يقول أحد المقاتلين الآشوريين ماركوس نيسان (25 عامًا) “نحن لا نريد خوض حرب المسيحيين المقدسة، نحن نناضل من أجل أرضنا”، ويضيف أنه على الرغم من أن تدفق المقاتلين الأجانب يجذب الأضواء الإعلامية نحوهم كما أنه قد يجذب التمويل أيضًا، ولكن هذا التدفق يجلب المخاوف بالتوازي مع المال والشهرة، وبحسب تعبير ماركوس “نحن لسنا مقاتلين صليبيين، ولكنهم يجعلوننا نبدو كذلك”.
يتلقى المقاتلون في هذه الفرقة المسيحية العشرات من رسائل البريد الإلكتروني يوميًا من الأشخاص الذين يرغبون بالانضمام إليهم، حيث يقول بريت “هذا المكان سيعج بمئات المقاتلين من أستراليا وأسيا ومن كل مكان، إنه إحساس غامر ورائع”.
وخوفًا من انضمام المخربين والأعداء، تتم مقابلة جميع المجندين المحتملين قبل انضمامهم لضمان حسن نواياهم، ويقول يوخنا إن الفحوصات والتحقيقات تجري بشكل دوري، ولكنه لم يوضح التفاصيل.
في القاعدة العسكرية للجماعة في دهوك، يجلس لويس أحد أفراد مشاة البحرية السابقين من هيوستن، وهو ينقر بعصبية بأصابعه على بارودته الكلاشينكوف، حيث أوضح أنه يتوق للوصول إلى خط الجبهة لمحاربة متشددي الدولة الإسلامية، “لقد حضّرت نفسي لأحضر إلى هنا بغير رجعة”، قال لويس البالغ من العمر 24 عامًا والذي تم تسريحه من الخدمة منذ ما يزيد عن الشهر بعد تشخيصه باضطراب ما بعد الصدمة عقب خدمته لمدة ستة أشهر في أفغانستان في عام 2012، ويضيف لويس “أريد فقط أن أصل إلى خط الجبهة”.
لم ينضم لويس إلى دويخ نوشا بدافع ديني، إنما بدافع القتال فقط، حيث قرر الانضمام إلى المجموعة بعد أن أكدت قيادة مشاة البحرية عدم صلاحيته للقتال ضمن صفوفها مرة أخرى، ويشير لويس إلى دافعه بالانضمام بقوله “لم استطع ضبط نفسي في زمن السلم، المعركة بالنسبة لي لم تنته بعد، شعرت وأنا أجلس في منزلي أنني إنسان بدون هدف”.
تتمركز الوحدات المسيحية وسط مناطق سيطرة الأكراد، وبالأخص في مناطق المجموعة الكردية الشبه عسكرية التي تسمى وحدات حماية الشعب “واي بي جي YPG”، التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق والتابعة لحزب العمال الكردستاني المصنف كمنظمة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة.
بعض الأجانب الذين ينضمون للمجموعات المسلحة المسيحية في العراق، لديهم مخاوف حول التعقيدات القانونية التي قد تواجههم عند عودتهم إلى أوطانهم، حيث أشار مسرور البارزاني رئيس مجلس الأمن القومي في حكومة إقليم كردستان العراق، أنه يجري إعلام الحكومات الأجنبية بمستجدات الأوضاع حول الأشخاص الذين يرغبون بالانضمام إلى الجماعات العسكرية، وقال “هناك أنظمة علينا أن نضعها في اعتبارنا، ونتأكد من أن كل شيء يجري وفقًا للهيكلية القانونية”، وأضاف “نحن نشكر أي متطوع يأتي إلى هنا لخوض المعركة، ولكننا لا نفتقر للرجال، بل إننا نفتقر الأسلحة”.
معظم الأجانب الذين ينضمون إلى دويخ نوشا لم يتم إرسالهم إلى ساحة المعركة، كونهم ينتظرون حاليًا التأكد من وضعهم القانوني من خلال أوراقهم التي تقدموا بها، حيث يشير يوخنا أن الأشخاص الذين يحملون أوراقًا قانونية ويتم التأكد من حسن نواياهم هم فقط الذين يستطيعون السفر مع أسلحتهم، أما الباقين الذين لم يتم التأكد من أوراقهم بعد، فيتم تركهم داخل القاعدة العسكرية في دهوك، ويقول البريطاني تيم لوكس (38 عامًا) الذي كان يدير شركة بناء قبل وصوله إلى العراق قبل حوالي الأسبوعين “الانتظار محبط، نحن نجلس منتظرين وضع النقاط على الحروف فقط”.
يحاول القادة هنا إيجاد أفضل السبل لاستخدام المساعدات الخارجية، لتحرير مئات الرهائن المسيحيين الذين اتخذتهم الدولة الإسلامية في سوريا، حيث يشير النقيب خالد حمزو من قوات البشمركة الرسمية أن حضور الأشخاص من الغرب ليحاربوا هنا هو أمر جيد، ولكنه بذات الوقت اشتكى من قلة خبرتهم؛ فبعد حصوله مؤخرًا على إذن لأخذ اثنين من الأجانب معه إلى الخطوط الأمامية لمعرفة سبب عدم انفجار دفعة قذائف الهاون التي يتم استخدامها على أرض المعركة، اكتشف أن هؤلاء لا يمكنهم المساعدة بدون وجود شبكة إنترنت، واختتم قائلاً “نحن بحاجة إلى خبراء بالمدفعية”.
المقاتلون المسيحيون الآشوريون لا يقتربون كثيرًا من الخطوط الأمامية للمعركة، فقاعدة العمليات المتقدمة لقوات دويخ نوشا التي تتمركز في قرية باقوفا المسيحية، تشكل خط الدفاع الثاني وراء قوات البشمركة الكردية، وهناك لا تجري معارك ثابتة، ولكن يتم تبادل قذائف الهاون يوميًا منها وإليها.
أخيرًا، يمكن القول إن المعركة بالنسبة للمقاتلين المسيحيين العراقين تتخذ طابعًا شخصيًا، حيث يقول المقاتل العراقي روني نجم (21 عامًا) إنه يمكنه أن يرى قريته من خلال المنظار، ويمكنه مشاهدة الراية السوداء للدولة الإسلامية وهي ترفرف فوق كنيسة القرية، ويعلق على هذا الموقف بقوله “إنه يدفعك للبكاء”.
المصدر: واشنطن بوست