تعديل مفاجئ في الحكومة المصرية بقرار من الجنرال عبدالفتاح السيسي أطاح بثمانية وزراء أبرزهم شريكه الأول اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية الذي عُين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، ثم شارك في الانقلاب عليه مع الجنرال السيسي في الثالث من يوليو عام 2013 وتولى بعدها عمليات القمع التي طالت كافة أنصار الرئيس السابق والتيار الإسلامي في مصر من فض لاعتصاماتهم وقتل ما يزيد عن ثلاثة آلاف منهم بحسب تقديراتهم، كذلك بلغ عدد المعتقلين منهم في ولايته من بعد الإطاحة بمرسي أكثر من 40 ألف معتقل، مع استمرار قواته في ملاحقة تظاهراتهم اليومية في الشوارع لاعتقال المزيد منهم.
إبراهيم كان القاسم المشترك في الحكومتين التاليتين لانقلاب الثالث من يوليو برئاسة حازم الببلاوي والحالية برئاسة إبراهيم محلب، حيث كان الذراع الأمنية الأشد بطشًا بالنسبة للجنرال السيسي والتي اعتمد عليها طوال الفترة الماضية في تصفية خصومه السياسيين، لاسيما الإسلاميين وبعض النشطاء الشباب من التيارات المدنية.
الرجل لم يكن يتوانى لحظة في خدمة تأسيس نظام الجنرال الوليد من رحم الانقلاب، حيث استخدام أداة البطش الشرطية في التنكيل بكل ما يحتمل أن يمثل عائقًا في طريق سير الجنرال وحكومته أيًا كان مسماه، بداية من اعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين وبقية التيارات الإسلامية المعارضة وتمثيل حالة الإجهاز الفوري على الإخوان بالتحديد عقب الانقلاب مباشرة حتى اعتقل 80% من قيادات الصف الأول والثاني في الجماعة لمنع تشكيل حالة مقاومة للسلطات، ثم بعد ذلك نجاحه في تحجيم نشاط التظاهر عقب إصدار قانون صنع خصيصًا لذلك، وبالرغم من أنه لم ينجح في إنهاء حالة التظاهرات شبه اليومية التي تندلع في مناطق عدة من الجمهورية إلا أنه نجح في إضعاف تأثير هذه التظاهرات بمحاصرتها في مناطقها الأكثر اشتعالًا كمدينة حلوان والمطرية وعين الشمس، إلى أن ساهم في وأد الحراك الجامعي ومجابهته على مدار عام ونصف ارتكب فيهم مجازر بحق طلاب الجامعة على مستوى الجمهورية داخل حرم الجامعات، لحق ذلك موجة اعتقالات لكافة رموز العمل الطلابي.
وما أن انتهى من الإسلاميين بشكل أو بآخر حتى تحول إبراهيم إلى من لم يتم استأناسهم من النشطاء الشباب ومنعهم من خلق حالة حراك خارج نطاق الإسلاميين؛ فلم يسمح لهم بالتظاهر ضد السلطة واعتقل عدد منهم لإخماد حراكهم وقد كان، ثم اتجه إبراهيم إلى الحراكات الغير مؤدلجة والتي لها شبه تنظيم يعادي توجهات الدولة كحركات الأولتراس فاعتقل العديد منهم ونفذ بحقهم مجزرة راح ضحيتها قرابة 40 شخصًا.
اللواء إبراهيم لم يأل جهدًا في خدمة النظام الوليد واستنفذ كافة الطرق الأمنية من وجهة نظره في تطويع الشارع للنظام وافتعل أكثر من كارثة تودي بأعتى الأنظمة وتعدى جميع الخطوط الحمراء التي تهدد حياة النظام كل ذلك من أجل أن يثبت أنه رجل النظام بلا منازع، ولكن ربما ضاق السيد الشريك بذلك لأن هناك قاعدة تقول إن الحفاظ على حياة النظام أهم من الحفاظ على حياة أحد أضلاعه، فالمشكلات التي رسبتها القبضة الأمنية الحديدية باتت أكثر خطرًا من عدم وجودها؛ فالجنرال استفاد منه عقب الانقلاب مباشرة فلم يكن هناك دواء سواها كأداة للترهيب ولكن عقلية محمد إبراهيم ضابط مصلحة السجون للأسف لا تملك سواها وهو الأمر الذي جعل البحث له عن بديل يلوح في الأفق وتردد كثيرًا في الآونة الأخيرة خصوصًا بعد مقتل ناشطة مدنية تدعى شيماء الصباغ؛ مما قلب على النظام بعض شركائه ثم مقتل محامي بالتعذيب في قسم الشرطة ولم تفلح بروباجاندا النظام في تبرير هذه الحادثة.
هكذا يفكر إبراهيم ورجاله أن التعذيب العشوائي والقمع العشوائي قادر على تثبيت أركان النظام لفترة وهذا صحيح بعض الشيء ولكن ليس كل الوقت؛ فيبدو أن هذه الفترة انتهت وجاءت فترة اللعب من خلال الأجهزة المعلوماتية ما يعني أن القمع سيصبح على قدر الحاجة والمواجهة سيتم تحديدها عن طريق أجهزة المعلومات.
حان دور جهاز أمن الدولة أن يعود للتحكم في الوزارة رأسًا لا مضمونًا فحسب، فمحمد إبراهيم ضابط عمل بمصلحة السجون ليس لديه شبكة علاقات قوية داخل الوزارة ولا مصادر معلوماتية كافية للعمل على أجندتها، على عكس جهاز أمن الدولة الذي يملك معلومات الوزارة الداخلية فضلًا عن نشاطه الخارجي الذي يستطيع به النظام إحكام السيطرة بطريقة لاتبدو ملفتة للانتباه كالتي تفعلها سياسة محمد إبراهيم.
هذه هي نظرية حبيب العادلي، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة قبيل تعيينه وزيرًا للداخلية، أن الحل في الأمن السياسي بحيث تراقب جميع النشاطات السياسية في كافة قطاعات الدولة ومن ثم تحديد الهدف الذي يتم قمعه وليس نظرية محمد إبراهيم بقمع كافة القطاعات حتى لا يخرج منها نشاط سياسي، فنظرية حبيب العادلي هي أقل كلفة بالنسبة للنظام لذلك كان البديل الجاهز دائمًا هو جهاز أمن الدولة الذي حكم الوزارة طيلة 20 عامًا باستثناء الأعوام التي تلت الثورة حيث عُين الوزراء من خارج الجهاز إلى أن عادت الوزارة إلى الجهاز متمثلًا في رئيسه السابق، مجدي عبدالغفار.
مجدي عبدالغفار ابن جهاز أمن الدولة منذ الصغر حيث عمل خارج الجهاز خمس سنوات فقط من أصل سنوات خدمته التي بلغت أكثر من 35 عامًا، فهو متمرس في عمله المختص بمراقبة النشاط السياسي في المجتمع خاصة لدى حركة الإسلام السياسي والقضية الطائفية في مصر، حيث عمل وكيًلا لجهاز الأمن الوطني “أمن الدولة” في أعقاب ثورة يناير، خرج بعدها في عدة لقاءات تليفزيونية لتحسين صورة الجهاز لدى العامة.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يرشح فيها مجدي عبدالغفار لوزارة الداخلية نظرًا لطول مدة خدمته في جهاز مباحث أمن الدولة، حيث عُرض على الرئيس السابق محمد مرسي كمرشح لتولي حقيبة الداخلية لكنه رفض التمديد له في خدمته وأُحيل إلى المعاش في 2012.
استهل عبدالغفار حديثه على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بأسلوب ينم عن طريقة تعامله القادمة وهي إظهار صورة مثالية عن الشرطة والعمل القمعي في الخفاء مع ازدياد نشاط جمع المعلومات عن المعارضين والتعامل معهم خلف الأضواء، فقد دشن حسبًا له على الموقع واففتحه بتدوينة أن الشرطة في خدمة الشعب:
ثم الوعود التقليدية باستعادة الأمن للمواطن:
وما لبث أن تحدث في تدوينة عن طريق تعامله القادم مع رواد المواقع الاجتماعية:
الإطاحة بمحمد إبراهيم لم تكن عقبة لدى نظام الجنرال خاصة وأن الرجل لا يتمتع بالشعبية الكافية داخل وزارة الداخلية، ولكن الرجل أصبح الصندوق الأسود لهذا النظام بعد أن شارك الجنرال في كل ما حدث؛ لذلك من الطبيعي أن يحذر النظام من هذه الخطوة حرصًا على صندوقه الأسود؛ فتم تعينه في منصب أشبه إلى الشرفي كمستشار لرئيس مجلس الوزراء للشؤون الأمنية وهي حماية قانونية للرجل أولاً وأخيرًا، لكن لا يعتقد أن يشكل دورًا في المرحلة القادمة بعكس سابقه اللواء أحمد جمال الدين المقرب من الرئاسة حاليًا والذي ترددت الأنباء عن ترشيحه للواء مجدي عبد الغفار ليخلف إبراهيم.
إقالة إبراهيم لا نستطيع أن نغفلها في ظل المتغيرات الإقليمية والتي تضغط على السيسي من أجل التهدئة وتغيير أجندته من أولوية سحق الإخوان إلى أولوية تثبيت النظام لمواكبة الأحداث الإقليمية، وبالطبع في مقدمة الداعين لذلك السعودية والتي يبدو وأنه قررت تأجيل أولوية مجابهة الإخوان في المنطقة إلى درجة متأخرة وقدمت عليها إيران التي حاصرتها من جميع الاتجاهات تقريبًا وهي تحتاج في ذلك حلفًا مستقرًا بينها وبين تركيا ومصر والوضع المصري لا يبشر باستقرار في ظل تصاعد المواجهات بين الدولة والإخوان بالإضافة إلى شروط تركية لفرض مصالحة في مصر .
ربما يكون إقالة أحد الكروت المحروقة بالنسبة للنظام هي مبادرة مقدمة كإثبات لحسن النية أن الدولة مستعدة للعودة إلى مربع مبارك بالنسبة لوضع الإخوان باستمرار الحظر لكن مع فتح متنفسات مع خروج للمعتقلين في ظل تسوية عامة تقضي بتثبيت دعائم النظام على الطريقة المباركية ويتولى مجدي عبدالغفار دور حبيب العادلي في التعامل مع الإخوان المحظورين قانونًا لكن لا يواجهون أجندة استئصال كما هو الحال الآن، كل هذا يظل رهن قبول الإخوان لما هو قادم وتظل هذه الخطوة بادرة تغيير مقدمة للخارج لن تظهر نتيجتها الآن.