ترجمة وتحرير نون بوست
قد يشعر البعض بأننا أصبحنا نعيش في خضم عصر النهضة الروبوتية، وذلك لأن الأمر هو كذلك بالفعل، فحاليًا يجري تطوير مجموعة جديدة من الروبوتات، وقريبًا سنكون قادرين على شرائها وتركيبها في مصانعنا أو حتى التفاعل معها في بيوتنا، وعلى الرغم من أنها قد تبدو وكأنها تشبه الروبوتات التي كان يتم تصنيعها في الماضي من الخارج، إلّا أن عقول هذه الروبوتات أصبحت تختلف كثيرًا عما سبق.
إن روبوتات اليوم ليسوا مجرد آليين جامدين تم بناؤهم من قبل شركة مصنعة لأداء مهمة واحدة فقط بطريقة أسرع وأرخص دون تدخل البشر، بل يمكن لروبوتات اليوم أن تكون آلات قابلة للتكيف بشكل كبير، فإلى جانب كون الروبوتات قابلة للتعلم من تجاربها، فهي يمكن أن تكون مصممة أيضًا للعمل جنبًا إلى جنب مع البشر.
إن التطور الذي شهدته التكنولوجيا في مختلف المجالات حفز العلماء لتطوير روبوتات أكثر ذكاءً، وذلك تبعًا للمكان الذي تبحث فيه، فوفقًا ليوجين ايزهيكيفيتش، وهو المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة ناشئة للروبوتات تدعى Brain Corporation، فإنه على الرغم من أن الأمر كله يمكن أن يتلخص بالتدريب، إلّا أن بناء جسم الروبوتات ليس بالأمر الصعب، ولكن السبب الذي يمنع حصولنا على العديد من الروبوتات في بيوتنا لترعانا وتهتم بنا هو أن برمجة هذه الروبوتات تعتبر من الأمور الصعبة جدًا.
بشكل طبيعي، يرغب جميع المستخدمين بالحصول على روبوتات يمكنها أن تؤدي أكثر من مهمة واحدة، أو أداء مهمة واحدة بشكل جيد للغاية، ولكن من الصعب برمجة روبوت للقيام بأمور متعددة، أو على الأقل تلك الأمور التي قد يرغبها المستخدمون، حيث يصعب برمجة الروبوت ليقوم بتأدية مهمة معينة في بيئات مختلفة، وبطبيعة الحال فإن بيت كل شخص يختلف عن بيوت الآخرين، وبطريقة مماثلة فإن كل مصنع يختلف عن غيره من المصانع.
وهنا يأتي دور التدريب، ففي بعض الحالات، وخاصة في المشاريع التي يتم القيام بها داخل الجامعات ومراكز البحوث، تلعب إمكانية الوصول إلى الإنترنت القوة الدافعة وراء تقدم تصنيع الروبوتات القابلة للتعلم، وهذا هو الحال بالنسبة لبرنامج “RoboBrain”، وهو عبارة عن تعاون بين جامعة ستانفورد وجامعة كورنيل وعدد قليل من الجامعات الأخرى التي تجوب شبكة الإنترنت بهدف بناء رسم بياني يمكن الوصول إليه عن طريق شبكة الإنترنت لتوفير المعرفة اللازمة للروبوتات، حيث إن الباحثين في برنامج RoboBrain لا يعملون على بناء الروبوتات، وإنما يعملون على بناء قاعدة للبيانات تحتوي على معلومات قد تحتاجها الروبوتات لكي تعمل داخل المنازل أو المصانع أو في أي مكان آخر.
يشتمل برنامج RoboBrain على مجموعة من المشاريع المختلفة التي تتناول سياقات مختلفة وأنواع مختلفة من المعرفة، والبرنامج يستخدم شبكة الإنترنت التي يمكن أن توفر مجالاً لا نهائيًا من الصور وأشرطة الفيديو وغيرها من المحتويات التي يمكن أن يتعلّم منها RoboBrain ماهية الأشياء وما هو ممكن وما هو غير ممكن، فالدماغ الإلكتروني “Brain” يتم تدريبه عادة عن طريق تعريفه على أمثلة عن الأشياء التي يجب عليه أن يتعرف إليها وعن المهام التي ينبغي عليه أن يفهمها، ومن ثم يتم التأكد من صحة التحقيق الذي يتعلمه أو يستنتجه الدماغ الإلكتروني لوحده، حيث يتم عرض هذه النتائج على العامة وهي التي تحكم على صحتها من خلال إشارة صحيح “رفع الإبهام إلى الأعلى” أو إشارة خطأ “إنزال الإبهام إلى الأسفل”.
على سبيل المثال، كان أحد المشاريع الأساسية التي بدأها أشوتوش ساكسينا، وهو أستاذ زائر في جامعة ستانفورد ورئيس مشروع (RoboBrain)، يدعى “Tell Me Dave”، وهو مشروع يقوم فيه الباحثون والجمهور عبر الإنترنت بتدريب الروبوت لأداء مهام معينة عن طريق إرشاده إلى الخطوات اللازمة لتأدية المهام المختلفة، مثل طهي المعكرونة مثلاً، فحتى يكون الروبوت قادرًا على إكمال هذه المهمة، فهو يحتاج للإلمام بمعرفة حول الأغراض التي يراها في المطبخ، وما هي الوظائف التي تقوم بها، والكيفية التي تعمل بها، وكذلك المرحلة التي يتم استخدامها بها، كما يجب على المستخدمين أن يقوموا بالتحدث بلغة واضحة مع الروبوت لكي يستطيع تمييز الطلب، مثل “اطه لي المعكرونة”.
قم بتطبيق هذا الشرح على أي عدد من المهام التي قد يرغب أي شخص من الروبوت أن يقوم بأدائها، وسيكون من السهل أن نعرف السبب الذي تم من أجله إيجاد قاعدة بيانات الذكاء الروبوتي “RoboBrain”.
أصبح هناك الآن الكثير من الأمثلة عن الروبوتات التي تستطيع أن تتعلم عن طريق الأمثلة، وغالبًا ما يكون هذا التعلم ضمن البيئات المختبرية، مثل روبوت “Baxter” الذي قامت “DARPA” بتصنيعه والذي يمكنه تعلم الطبخ من خلال مشاهدة مشاهد الفيديو على اليوتيوب التي يكون موضوعها الطبخ.
إن التقدم في مجال التعلم المعمق – تقنية الذكاء الاصطناعي – أتاحت للروبوتات تأدية مهام إدراكية مثل الرؤية الكمبيوترية، والتعرف على الكلام وفهم اللغة، وهذا يساعد أيضًا في الإسراع من تدريب الروبوتات، حيث إن خوارزميات تدريب التعلم المعمق التي تقوم على الصور والفيديوهات التي يستطيع الروبوت الوصول إليها عن طريق الإنترنت مثلاً، يمكن أن تساعد الروبوتات على التعرّف على الكائنات التي تراها أو الكلمات التي تسمعها، وبحسب ساكسينا فإن برنامج “RoboBrain” يستخدم التعلم المعمق لتدريب الروبوتات على التقنيات المناسبة لاستيعاب الأمور.
من ناحية ثانية، فإن هناك مدارس فكرية مختلفة تقول بأنه ليس بالضرورة أن تمتلك الروبوتات لدرجة من الذكاء كالتي يريد القائمون على RoboBrain توفيرها لها، وذلك طالما أنه يمكن على الأقل أن يتم تدريبها على معرفة الأشياء الصحيحة من الخاطئة، وهذا ما يسعى إيزهيكيفيتش وشركته الآنفة الذكر “Brain Corporation” لإثباته، حيث قامت الشركة ببناء جهاز متخصص ومنصة برمجية يمكن أن يتم وضعها داخل أي روبوت ليصبح بالإمكان تدريبه على سلوكيات مختلفة مثلما يتم تدريب الحيوانات بالضبط، فعلى سبيل المثال، إن قام أحدهم بشراء روبوت مخصص للكنس مدعوم بنظام تشغيل الشركة والذي يدعى “BrainOS”، فإن الروبوت لن يكون قادرًا على إدراك أن القط هو قط، ولكنه سيكون قادرًا على التعلم عن طريق التدريب بأن هذا الكائن – أيًا يكن – هو شيء يجب تجنبه أثناء الكنس، وطالما أنه يتم تدريب الروبوبات لمعرفة ما هو الطبيعي في حالة معينة أو ما هو خارج عن الحدود الطبيعية في حالة أخرى، فإنه يمكن تدريب تلك الروبوتات التي تعمل على نظام “BrainOS” على تتبع بعض الأشياء أو الكشف عن الكائنات الجديدة أو القيام بالكثير من الأشياء الأخرى.
هناك تحد كبير واحد يواجه مفهوم تدريب الروبوتات وذلك إذا ما قورن مع برمجتها، وهو أن المستهلكين أو الشركات التي ستستخدم الروبوتات ستكون على الأرجح بحاجة للقيام بالقليل من العمل من ناحيتها أيضًا، ولحل هذه المشكلة يقترح إيزهيكيفيتش أنه يمكن أن يكون من الأسهل تدريب روبوت يعمل على نظام BrainOS في المختبر، وأن يتم بعد ذلك تحويل هذه المعرفة إلى نوع من الرموز بحيث يمكن تثبيتها مسبقًا في الإصدارات التجارية، ولكن إذا ما أراد المستخدمون روبوتات خاصة لبيئاتهم أو استخداماتهم المحددة، فإنهم على الأرجح سيكونون بحاجة لتدريبها بأنفسهم.
ولكن هناك العديد من الأشخاص الذين قد تزعجهم فكرة التدريب، حتى وإن كان ذلك لا يتضمن سوى ضغط بعض الأزرار، فإن تدريب أجهزتهم يمكن أن تسبب لهم الملل، وتبعًا لإيزهيكيفيتش فإن معظم المستهلكين يريدون أن يضغطوا على زر التشغيل فقط ليبدأ الروبوت بعمل كل شيء بشكل مستقل، ولكن ربما بعد ثلاث سنوات من الآن، وهو الوقت الذي يتوقع فيه إيزهيكيفيتش أن تصبح الروبوتات المدعومة من قبل نظامBrain Corporation متاحة تجاريًا، سيصبح المستهلكون أكثر تقبلاً لهذا العصر الجديد من الذكاء الاصطناعي، وسيتعاملون مع هذه الآلات الذكية كنوع من الحيوانات، أو الكلاب على وجه التحديد، حيث إنه بإمكان جميع الكلاب أن تنبح وتلعق، ولكن تحويلها إلى كلاب حراسة أو كلاب شرطة، يتطلب القليل من العمل والتدريب.
المصدر: جيجاأوم