صرح المبعوث الأممي إلى ليبيا برناردينو ليون بأن جلسات الحوار الليبي المقامة بالعاصمة المغربية الرباط تسير في يومها الثاني على ما يرام وتشهد تقدمًا كبيرًا للوصول إلى اتفاق شامل يقضي بإنها الأزمة الداخلية الليبية برعاية أوروبية، جاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر صحفي أقامه ليون أمس في الرباط.
الجدير بالذكر أن ثمة جلسات للحوار الوطني تم ترتيبها برعاية أوروبية في المغرب بحضور ممثلين عن طرفي النزاع في ليبيا: البرلمان المنحل والمؤتمر الوطني الليبي وحضور سفراء فرنسا وألمانيا وبريطانيًا وممثلًا عن الاتحاد الأوروبي لمناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية وترتيبات الوضع الأمني بالداخل الليبي.
وقد صرح أحد نواب رئيس المؤتمر الوطني الليبي صالح المخزوم لوسائل الإعلام بأن هناك خطوط عريضة بدأ الاتفاق عليها في القضايا المطروحة في الحوار الوطني، وتناقلت وسائل الإعلام أيضًا أخبارًا عن بدء وضع معايير لتشكيل الحكومة التوافقية كان من بينها عدم ازدواج جنسية أي مرشح لهذه الوزارة، كما تم الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط لا تنتمي لأي فصيل سياسي سواء من أعضاء المؤتمر الوطني أو البرلمان المنحل.
كما يجري الآن مناقشات لتسمية رئيس هذه الحكومة من قِبل الطرفين، لكن هذا الأمر يشكل إلى الآن حجر عثرة، حيث نشب الاختلاف على الأسماء المطروحة الا أن الأنباء القادمة من داخل هذا الحوار الغير مباشر تؤكد أنه تم اختيار ثلاثة أسماء للتوافق على أحدهم من بين الأطراف الليبية المختلفة.
بينما أكد الممثلين عن الطرفين في الأزمة الليبية اللذين حضرا الحوار في المغرب أنهم لن يستطيعوا اتخاذ أية قرارات بشأن تسمية رئيس الحكومة التوافقية أو اختيار أعضائها إلا بعد الرجوع إلى ليبيا والعودة في أسبوع لاحق لعرض الأمر على قيادات الجانبين داخل ليبيا.
من هذا الحوار الوطني المدعوم أوروبيًا يتضح للجميع رفض الغرب للحل العسكري وأن الغرب قد أدرك أنه ليست هناك أي حلول عسكرية قد تنجح في حل الأزمة الليبية، وهو الأمر نفسه الذي يفسر عدم التجاوب الغربي مع طلب الجنرال المصري عبدالفتاح السيسي بتقديم دعم له للقيام بعملية عسكرية داخل حدود ليبيا.
هذا الإدارك لم يأت بين يوم وليلة لكن جاء بعد عدة محاولات من أطراف عدة لتقديم دعم مباشر لطرف اللواء المتقاعد خليفة حفتر حتى يتغلب في صراعه مع الإسلاميين المسلحين، لكن أرض المعركة لم تكن في صالح هذا الدعم وأثبتت قوات فجر ليبيا المدعومة من المؤتمر الوطني استحالة استبعادها من أية تسوية قادمة في ليبيا وأن محاولات إقصائهم ضمن الحرب الإقليمية على تيارات الإسلام السياسي لن تفلح.
حينها أدرك الغرب خصوصية الحالة الليبية وأن ما تفعله الإمارات ومصر في الصراع الليبي لن يزيده إلا تدهورًا، حيث أثبت تقرير أممي صادر عن الأمم المتحدة أن الإمارات ومصر قامتا بعمليات تهريب للسلاح للداخل الليبي لصالح قوات اللواء المتقاعد خلفية حفتر، تحدث التقرير المطول عن عمليات تهريب سلاح لا تشمل نقل الذخائر والسلاح فقط، بل بتحويل طائرات مقاتلة من مصرية إلى ليبيا أيضًا، هذا الأمر لم يفلح في تغيير الواقع على الأرض في ليبيا، حيث ظلت قوات فجر ليبيا بكامل قوتها وانتشارها على الأرض واتسعت رقعة الصراع الداخلي أكثر فأكثر، فكانت آخر محاولة مصرية للتدخل العسكري ضد الإسلاميين هناك منذ أسابيع قليلة حين قام سلاح الجو المصري بتوجيه ضربات إلى مواقع قال عنها إنها تابعة لتنظيم داعش على خلفية مقطع مصور يظهر قتل 21 مسيحيًا مصريًا ذبحًا في ليبيا، طلبت مصر بعدها دعمًا دوليًا للتوسع في عملياتها العسكرية وهو ما قُوبل بالرفض الغربي، مفضلين حل الحوار بين الأطراف المتنازعة بعد إدارك استحالة إقصاء الإسلاميين هناك من هذا الأمر.
وعليه قام الاتحاد الأوروبي ومبعوث الأمم المتحدة بتنظيم جلسات للحوار الغير مباشر بين أطراف النزاع لوقف هذا التدهور الحادث في الحالة الليبية بعد أن صعدت الأطراف المتنازعة الموقف فيما بينها إلى الحد الذي أوصت فيها الأمم المتحدة بالتدخل السريع لوقف الاقتتال الداخلي.
وهو ما أكده برناردينو ليون المبعوث الخاص للأمم المتحدة في ليبيا بأن هناك رغبة دولية في إيقاف تدهور الوضع في ليبيا مع التأكيد على الرفض لأي تدخل عسكري خارجي من شأنه زيادة الأمر تعقيدًا، الشأن الليبي الداخلي أثر سلبًا على الأوضاع في الغرب خاصة مع ازدياد توافد المهاجرين الغير شرعيين إلى أوروبا عبر المنفذ الليبي الغير منضبط أمنيًا بسبب الصراع المسلح، كذلك النفط الليبي وتصديره إلى الغرب يقف على حافة الانهيار مع استمرار تردي الأوضاع الأمنية وهو ما سيتسبب بكارثة في أوروبا مع فقدان أحد مصادر الطاقة.
كذلك أمر انتشار السلاح في ليبيا وتدفقه من كل حدب وصوب عقب اندلاع الثورة الليبية منذ أربعة أعوام هو أمر يهدد أمن أوروبا بلا شك، خاصة ومع ازدياد الأخبار القادمة من ليبيا والتي تشير إلى بداية ظهور تنظيمات مسلحة متطرفة في غياب للدولة الليبية أو مؤسساتها الأمنية.
فضل الغرب أن يشرك الإسلاميين المعتدلين في اللعبة ممثلين في جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها في ليبيا قبيل تدهور الأوضاع أكثر من ذلك حتى يستطيعوا وقف انتشار الجماعات المتطرفة على الأراضي الليبية التي تتماس مع أوروبا جغرافيًا، وإذا لم يحدث هذا فإن الجميع يدرك أن الحرب إذا استمرت لإقصاء الإسلاميين عامة بكل فصائلهم من ليبيا كما التصور المصري والإماراتي سيؤدي إلى فتح مفرخة جهادية متطرفة محملة بالسلاح على الغرب وهذا بالطبع الكارثة التي يحاول الغرب تفاديها في هذه المرحلة بإدماج التيار الإسلامي المعتدل هناك في حكومة تحت سمع وبصر الاتحاد الأوربي الذي يعتقد أنه سيكون مراقبًا لتنفيذ اتفاقات الحوار الوطني.
وبكل ما سبق يحاول الغرب إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ليبيا حتى لا يتم فتح جبهة حرب دولية جديدة في ظل الانشغال بالحرب القادمة المتوقعة قريبًا جدًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتظل قوة الإسلاميين على أرض ليبيا هي سر عدم استبعادهم من المصالحة الليبية المنتظرة بعد فشل كل محاولات استئصالهم من العملية السياسية في ظل الحرب الإقليمية التي شنت على الربيع العربي وكل مخرجاته من التيار الإسلامي في كافة البلدان، لاسيما الجارة مصر التي يريد الجنرال السيسي ومن خلفه الإمارات إثبات نظريتهم في الداخل الليبي بأن العاقبة للثورة المضادة وهو ما فشلا فيه حتى الآن.