بات ارتفاع قيمة الدولار غير المسبوق أمام الليرة التركية محطّ اهتمام البلاد بأكملها حاليًا، يتساءل الجميع عمّا إذا كان ارتفاع الدولار سيستمر أم لا، ولكن في الحقيقة، يجري طرح هذا السؤال حاليًا في عدد من الدول المتقدمة والنامية في جميع أنحاء العالم.
تشهد قيمة الدولار في اللحظة الراهنة ارتفاعًا أمام كل العملات الأخرى تقريبًا، وقد انخفضت قيمة اليورو بنسبة 21 بالمئة أمام الدولار وباتت قيمة اليورو الواحد تعادل أقل من 1.10، كما انخفض الجنيه الإسترليني بنسبة 10 بالمئة من 1.72 إلى 1.52 مقارنة بالعام الماضي، وارتفع مؤشر الدولار بنسبة 6 بالمئة خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.
انخفض كذلك الكرون الذي تستخدمه السويد والدنمارك اللتان تعدان من أكثر الدول تقدمًا في العالم بشكل حاد أمام الدولار، فقد انخفض الكرون السويدي بنسبة 30 بالمئة والكرون الدنماركي بنسبة 26 بالمئة أمام الدولار، وشهدت عملات 24 دولة نامية بما فيها تركيا والبرازيل تدهورًا كبيرًا أمام الدولار هذا العام.
أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع قيمة الدولار هو التطور الملحوظ في الاقتصاد الأمريكي إلى جانب التوقعات بإعلان الخزينة الفيدرالية الأمريكية (FED) نيتها رفع نسب الفائدة، هذه التوقعات تبدو وكأنها سيف مسلط على رقاب الأسواق، تزامنًا مع هذه التطورات، أدى كذلك إعلان الصين عن توقعات بانخفاض النمو في اقتصادها إلى تدهور في الدوافع المحركة للأسواق، فقد تسببت الصين بخسارة بنسبة 0.4 بالمئة في مؤشر الدول النامية، ويتوقع أن تصل نسبة نمو اقتصادها إلى 7 بالمئة، وهي أقل نسبة نمو متوقعة في الأعوام الـ 15 الأخيرة.
بناءً على ما تقدم، فإن الصعود الحالي للدولار يعتمد بشكل كبير على عوامل خارجية والظروف لا تشير إلى احتمال حدوث هبوط على المدى المنظور، فضلاً عن أن الضغط والتوقعات المأمولة من البنك المركزي التركي لتخفيض الفائدة تعني أن قوة الدولار المبنية على ديناميكيات دولية كانت مدعومة من قِبل تركيا، وهذا الارتباك على المستوى المحلي كافٍ لتوضيح سبب معاناة الليرة التركية أمام الدولار إلى جانب عملات الدول النامية الأخرى.
كما يجري تداول أسئلة حول ردة فعل البنك المركزي التركي، ونتيجة لذلك لا يريد أحد تحمّل المخاطر ويود الجميع أن يظلوا مع الدولار الآمن، والذي يسبب بالمقابل خروج المستثمرين الأجانب من تركيا، ويفضل المستثمرون المحليون والأجانب أمان الدولار، إن من شأن ردة فعل مثل هذه أن تؤدي إلى ارتفاع معدلات الإيداع.
إضافة إلى هذه التطورات، تركيا مقبلة الآن على انتخابات برلمانية، وقد أدت التوترات السياسية إلى زيادة حساسية الأسواق، كما أن المستثمرين بحاجة إلى فعل المزيد لإعادة بناء الثقة.
وفي الوقت الذي قد يتجاوز فيه سعر صرف الدولار 2.60 ليرة تركية، وهذا ليس الحد الأقصى الذي وصل إليه حتى الآن، ومن غير الممكن توقع أن ينخفض قريبًا بسبب دورة التجارة الخارجية، علينا أن ننتظر في البداية إخماد النار في تركيا ثم النار خارجها.
نُشر هذا المقال لأول مرة في موقع ترك برس