حتى لا ينسى التاريخ وحتى يتعظ أهل الحاضر وحتى تجد الأجيال القادمة من يذكرهم، وبمناسبة مرور 33 سنة على ذكرى سيطرة الجنرال التركي كنعان ايفران على الحكم، افتتح نشطاء في جمعيات ومنظمات حقوقية تركية معرضا متنقلا سيستمر طيلة شهر أيلول، حيث اختار منظموه أن يطلقوا عليه تسمية “متحف العار” مشيران إلى ممارسات العسكر في تلك الفترة.
أحد منظمي المعرض قال لقناة الجزيرة: “عندما يحكم العسكر لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية، نريد لأبنائنا أن يعوا هذه الحقيقة”، في حين قال آخر، وهو ناشط يساري اعتقل ايام الانقلاب وجرب كل أصناف التعذيب: “لم يكن هناك أي دليل مادي ضدي، فقط اعترافات أجبروني على سردها تحت التعذيب.. لقد كانوا يتنافسون في جمع أكبر عدد من المعتقلين حتى يحصلوا في المقابل على مكافئات”.
“رن جرس المنزل في الساعة الثانية فجرا، وعندما فتحت الباب وجدت رجلا حسبته من المجردين” تقول مولودة أوتشار، ثم تضيف “ملابسه ممزقة وعليه آثار تعذيب وأظفاره منزوعة.. لم أعرفه.. إلا عندما قال لي إنه هو..” تبكي مولودة وهي تتذكر مشهد زوجها تيمور تاش ليلة عاد من السجن، ثم تواصل روايتها التي خصت بها قناة الجزيرة: “أطفالي أخذوا يصرخون.. أمي!!! لا تدخلي هذا الشخص المخيف إلى منزلنا”.
وكان تيمور تاش يشغل منصب نائب مفتي اسطنبول إبان انقلاب 1980، ويعتبر من أكثر الشخصيات الدينية التي تعرض للبطش والتعذيب والتنكيل على أيدي العسكر طيلة عشرين سنة تلت الانقلاب رفعت ضده خلالها أكثر من 300 دعوة قضائية أتهم فيها “بالسعي إلى إسقاط النظام العلماني”، واليوم في معرض “متحف العار” تخلد قصته وقصص مئات آخرين من ضحايا الانقلاب الذي قام به الجنرال كنعان ايفران والذي اعتقل بعده ما يقارب النصف مليون شخص من معارضيه من شتى الانتماء السياسية بالإضافة إلى قتل المئات وتهجير الآلاف.
ورغم وضع كنعان ايفران ومن حوله من قادة الجيش لمادة دستورية تمنحهم حصانة دستورية مدى الحياة، فإن حزب العدالة والتنمية التركي نجح قبل ثلاث سنوات في تمرير استفتاء شعبي يلغي هذه المادة ويرفع الحصانة عن كنعان ايفران ومن حوله، كما يبيح كذلك محاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية، وهو ما بدأ تنفيذه عمليا في السنوات الأخيرة حيث يمثل كنعان ايفران والمئات من قادة الجيش أمام محاكم مدنية تركية بتهمة الانقلاب على نظام الحكم وارتكاب جرائم قتل وتعذيب.
وقبل شهر أصدرت محكمة تركية أحكاما مشددة في حق العشرات من قادة الجيش المتهمين بالتخطيط لإحداث الفوضى والانقلاب على حكم في ما سمي بقضية أرجينيكون، ومن بين المدانين توجد قيادة بارزة في الجيش التركي مثل ايلكر باشبوغ الذي شغل حتى سنة 2009 منصب قائد أركان الجيش وحكم عليه الآن بالمؤبد مرتين.