ترجمة وتحرير نون بوست
التمكين الاقتصادي للمرأة الأفغانية هو الشعار الذي يرفعه المجتمع الدولي المعني بالقضية الأفغانية منذ سقوط نظام طالبان في نهاية عام 2001، وبعد 13 عامًا، لا يمكننا إنكار المأزق الذي يعاني منه تطور المرأة الأفغانية، كما أن الطموحات التي يتم العمل عليها في موضوع التمكين الاقتصادي للمرأة لا تبعث على الرضا حتى الآن.
أحدث خطط الولايات المتحدة بشأن المجتمع الأفغاني هو برنامج تعزيز “PROMOTE” الذي أُعلن عنه أواخر العام الماضي، حيث يضم مجموعة شاملة من المساعدات تصل قيمتها إلى 216 مليون دولار مخصصة للمرأة الأفغانية، كما تضغط الحكومة الأمريكية على الجهات المانحة الغربية الأخرى للمساهمة بأموال ضمن ذات البرنامج، وسيتم صرف هذه الأموال في أربعة مجالات تخص المرأة هي: تنمية المهارات القيادية، والتمكين الاقتصادي، والحكم، وتعزيز المجتمع المدني.
إن التحدي الرئيسي في أفغانستان يتمثل بعقلية الرجال، كون تخصيص هذه المبالغ الضخمة من الأموال للمرأة الأفغانية، سينجم عنه شعور الرجال بانعدام الحاجة لبرامج التوعية تجاه الجنس الآخر، وهذا ما حدث بعد اجتماع بون الأول في عام 2001 والذي تم على إثره إنشاء وزارة لشؤون المرأة الأفغانية.
عقلية الرجال
في البداية، كان الجميع تقريبًا سعيدًا لأنه تم الاعتراف بحقوق المرأة في البلاد من خلال إنشاء هذه الوزارة، وكان إنشاؤها يمثل لفتة إيجابية خاصة بعد سنوات من القمع الطالباني للمرأة، ولكن ببطء تحولت هذه الوزارة إلى عقبة في حياة النساء في البلاد، وبرزت شكاوى عديدة حول ردود الأفعال التي تجابه المرأة عند لجوئها إلى المؤسسات القانونية لتحصيل حقوقها، حيث كان يقال لها أن تذهب إلى وزارتها الخاصة لتحصيل حقوقها، والمشكلة كانت -ولاتزال – تكمن بأن هذه المؤسسات القانونية تُدار دائمًا من قِبل الرجال، وعادة من قِبل أولئك الذين لا يؤمنون بحقوق المرأة.
وزارة شؤون المرأة وباقي الحكومة لم يكونوا حريصين على مراقبة حسن تطبيق السياسات لضمان تلبية احتياجات المرأة، حيث إن مساهمة المرأة في اقتصاد البلاد لايزال غير ملموس، كما أن العديد من المنظمات غير الحكومية تحصل على أموال من المانحين لتدريب النساء، وبعد بضعة أشهر تحصل النساء على شهادات التدريب، ولكن بدون أن يتحقق للنساء أي دور في المجتمع تعمل فيه على تطبيق ما تعلمته في شهادة التدريب.
المرأة حتى الآن لا تستطيع الوصول إلى المواد الخام أو الحصول على التمويل المناسب نظرًا لارتفاع معدلات الفائدة أو لعدم وجود ضمانات، وفي الوقت الذي يستطيع فيه الرجال الاعتماد على التجارة أو الاستيراد لكسب المال والوصول إلى الموارد، يجب على النساء أن يعتمدن على الإنتاج للوصول إلى هذه الموارد، وبالنظر إلى ندرة مرافق البنية التحتية في البلاد؛ يصبح من الصعب على المرأة أن تصبح سيدة أعمال ناجحة، خاصة في ظل تركيز الدول والمنظمات المانحة على الكم “تدريب أكبر عدد ممكن من النساء” بدلاً عن الكيف “الجودة التي يتم بها تدريب هذه النساء”.
أما بالنسبة لعنصر القيادة، فإن القلق يبزغ من قيام برنامج “PROMOTE” بمواصلة نهج البرامج السابقة التي تعمل على تدريب النساء بدون التنسيق أو الضغط على الحكومة للمباشرة بسياسة تعيين النساء في المستويات العليا، وطالما لم يتم تعيين النساء كجزء من منظومة صنع القرار، من غير المتوقع حصول أي تغيير في حياة النساء والمرأة بشكل عام في أفغانستان.
في ظل هذه الظروف المحلية، تبدي النساء الأفغانيات قلقهن حول جدوى الـ 216 مليون دولار التي سيتم صرفها باسمهن، وبالإضافة إلى هذا القلق تبزغ مخاوف أخرى أيضًا، حيث أظهرت تجربة العقد الماضي وجود نهج مسبق يحرك معظم المشاريع الخاصة بالنساء، كون هذه المشاريع تعتمد على تقارير معيبة وسطحية لتقييم الاحتياجات الاجتماعية، والسبب الكامن خلف عدم صحة التقارير يعود إلى اضطلاع المستشارين الأجانب بإعدادها، وهؤلاء لا يمتلكون أي خبرة أو خلفية في الشأن الأفغاني، لهذا تستند تقاريرهم في المقام الأول على التصورات المسبقة التي يضعها برنامج المانحين.
رغبات الدول المانحة
عندما يتم الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ المشاريع المحلية للمنظمات غير الحكومية، فغالبًا ما تتبع هذه المنظمات رغبات المانحين بغض النظر عن احتياجات البلاد، وهذه الرغبات قد تشكل ازدواجية في المشاريع أو قد تؤدي إلى إبطال فعالية المشروع، ويمكن القول إن مجتمع المنظمات غير الحكومية الذي تم إنشاؤه في العقدين الأخيرين هو شريك تنفيذي للجهات الدولية المانحة.
ثقافة المنظمات غير الحكومية، والتي شجعها المانحون، قد توفر وسيلة سهلة لتنفيذ مشاريع المانحين، ولكن هذا التنفيذ يتم على حساب تخلّف تطوير القطاع الخاص؛ فالمساعدات الخارجية لن تستمر إلى الأبد، ومع انخفاض هذه المساعدات، ستنهار المنظمات غير الحكومية، وبالتالي نحن بحاجة لتنمية القطاع الخاص، الذي يجب أن يأخذ مكانه الحقيقي ضمن التنمية الاقتصادية للبلاد.
الدول المانحة لأفغانستان تنشد نتائجًا سريعة وآثارًا لحظية للأموال التي يتم صرفها، ولكن فقط الخطط طويلة الأجل يمكنها تحقيق النتائج المستدامة، لذلك يمكن القول إن تقدم المرأة الأفغانية المستقبلي الدائم يعتمد على إدخال تحسينات جوهرية على الفعالية التي تقدمها أموال المعونات.
خلال عملية تقييم الحاجات الاجتماعية الخاصة ببرنامج “PROMOTE”، كان يتم استدعاء النساء لأخذ آرائهن ضمن عملية تشاور، حيث تم عقد معظم اللقاءات التشاورية مع النساء الأفغانيات في فندق بارونز الشهير في كابول، وهو فندق مشهور بين المستشارين الغربيين وتصل تكلفة الجناح الواحد فيه إلى أكثر من 20.000 دولار شهري.
يتم تبرير لقاء النساء داخل أجنحة الفندق بالتهديدات الأمنية في المدينة، لهذا يختار أعضاء لجنة التقييم فندق بارونز كونه آمن للغاية، والواضح أن بعض النساء الأفغانيات رفضن الحضور لاجتماعات التشاور، بعد أن أدركوا أن برنامج “PROMOTE” يمشي على ذات خطى البرامج القديمة، التي يقوم فيها المانحون باستخدام الحصة العظمى من الأموال الممنوحة لأفغانستان لتغطية نفقاتهم الخاصة.
تقع مسؤولية تنفيذ برنامج ” “PROMOTEعلى عاتق ثلاث شركات أمريكية، حيث يتم منح العقود الأمريكية دائمًا للشركات الأمريكية، كما يجب أن يكون كبار الموظفين والخبراء الاستشاريين في هذا البرنامج من الأمريكيين، وبسبب الوضع الأمني غير المستقر في أفغانستان، فإن رواتب المسؤولين عن المشروع تبلغ ضعفين أو ثلاثة أضعاف الرواتب الاعتيادية في أمريكا، فضلاً عن أن تدابير السكان والتدابير الأمنية تقتطع مبلغ ضخم من المال المخصص للبرنامج، ونتيجة لذلك يبقى في الواقع جزء فقط من الأموال الأصلية المخصصة للبرنامج لاستثماره في أفغانستان.
تطورات تدريجية
دائمًا ما كان يأمل الأفغان أن يتم إنفاق ما لا يقل عن 70% من مجمل الأموال المخصصة للبرامج ضمن بلدهم، ولكن ما يحدث على أرض الواقع هو إنفاق ما لا يزيد عن 10% إلى 30% من المال ضمن أفغانستان، بينما يذهب الباقي لتغطية التكاليف العامة.
هذا النهج الذي يتم اتباعه هو ضد إعلان باريس، ويخالف اتفاقيات فعالية المعونات التي التزامت بها الجهات المانحة، وإذا أُريد تحقيق أي نتيجة فعالة للنساء الأفغانيات من خلال برنامج “PROMOTE” والبرامج المستقبلية الأخرى، يجب أن تبدأ الجهات المانحة بإجراء تغييرات على النهج الذي تتبعه، وأحد التغييرات المقترحة هي البدء بالتعامل مع شركات استشارية أفغانية مستقلة، ومن خلال التعاون مع الشركات الاستشارية التي تقودها النساء الأفغانيات بدلاً من المنظمات غير الحكومية، يمكن ضمان حسن رصد وتقييم المشاريع بشكل مستقل وشفاف ومسؤول، كما أن القطاع الخاص الأفغاني – وخاصة قطاع أعمال المرأة – يمكن تعزيزه بشكل مضمون من خلال هذه الخطوة.
حاليًا، ظهرت عدد من المنظمات الرقابية الأفغانية المستقلة، وقد بدأت جماعات مثل حركة المتطوعين لمكافحة الفساد وميثاق المرأة الأفغانية بمراقبة الأوضاع ورصدها وكتابة التقارير حولها، ولكن الرصد والتقييم هي وظيفة القطاع الخاص، ويجب على الجهات المانحة أن تعمل مع شركات القطاع الخاص لبناء قدرتها ومساعدتها على اكتساب الخبرة في التعامل مع المشاريع الكبيرة، خاصة وأن أحد عناصر مشروع “”PROMOTE هو التمكين الاقتصادي للمرأة الأفغانية.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية
هذه الترجمة تأتيكم ضمن تغطية ملف #نون_النسوة