يمكننا أن نميز بوضوح خطًا فاصلاً بين معسكرين، كليهما يعلن معارضة السلطة الحالية في مصر، الأول لا يعترف بالسلطة ابتداءً ويقاطعها تمامًا ويسعى لإسقاطها كلية، والثاني يبتعد رويدًا رويدًا عن منتصف الطريق بعيدًا عن الانقلاب وإن أقر بأنه أمر واقع يصعب تغييره.
في المقابل تتعامل السلطة مع الطرفين بما يناسب كلا منهما، فتوجه طاقتها لإخضاع الأول أو القضاء عليه نهائيًا، وتترك مساحة ضئيلة جدًا من الحركة للثاني وكأنها تدرك أنه يقنع بما يتاح له منها.
ورغم اقتراب الانقلاب من إتمام عامه الثاني إلا أن حركة الإخوان المسلمين والتي تمثل الجزء الأهم من التيار الأول مازالت تحافظ على فعاليتها وتأثيرها في مجريات الأحداث، وإن تغيرت شكل المقاومة أو تباينت وتيرتها بين مناسبة وأخرى، إلا أن غياب أفق واضح لحسم الصراع أو تحقيق تقدم يطمئن أنصارها أو يضعف من الملاحقات الأمنية ضدهم ويردع السلطة، دفع الكثير من أنصارها لليأس أو الاستعداد لصراع طويل وتضحيات عظيمة.
التيار الثانى الذي تمثله أحزاب وحركات مدنية والتي سرعان ما أقصتها السلطة عن شراكتها بعد الانقلاب، ظلت قانعة بالدور الذي رسمته لها السلطة حتى بدأت الملاحقات الأمنية لبعض رموزها والتعامل القمعي مع فعالياتها، ومن ثم اتخذت قرارًا هامًا بمقاطعة برلمان السيسي، إلا أنها مازالت ترفع مطالب جزئية مثل إلغاء قانون التظاهر، والجديد – وهو ما دفعنى لكتابة هذا المقال – هو مطالبتها بإجراء انتخابات طلابية، اعتقادًا منها أن تحقيق مكاسب جزئية سيساهم في كسب أنصارها بعض الثقة والأمل في التغيير، وكذلك سيدفع السلطة لتقديم تنازلات أكبر.
هذا الطرح لا أعلم كيف ينظر أصحابه إلى الواقع وإلى فعل النظام، فكيف بنظام لم يأتِ بطريقة قانونية ويمارس القتل دون الحاجة إلى قانون يلغيه، وهو الذي أصدره ليضفي على فعله شرعية، وحتى ما أهمية أن نلغي هذا القانون بينما الفعل مازال موجودًا وشرعيًا تمامًا في نظر السلطة؟ وكيف نطلب من نظام وصل للسلطة على ظهر الدبابات بأن يقيم الديموقراطية في صورة انتخابات البرلمان أو النقابات أو الجامعات التي عسكرها النظام بحصارها الدائم وقمع الطلاب، فكيف لسلطة تقتل الطلبة داخل جامعاتهم، وتعتقل المئات منهم للمشاركة في تظاهرة أو إقامة معرض أو اقتناء كتاب، أن تتيح لهذا الطالب الترشح والانتخاب ومن ثم احترام رأيه بعد ذلك؟! وكيف لسلطة ألغت انتخابات القيادات الجامعية التي أُقرت بعد ثورة يناير لتأتي برؤساء الجامعات، عينت عمداء الكليات بقرار صادر مباشرة من السيسي؛ ليطمئن تمامًا أن الشخص الواقع عليه الاختيار سيقدم فروض الولاء بقمع الطلاب والنفاق – الماسخ – للسيسي ومن معه، أن تطلب من هؤلاء إقامة انتخابات طلابية حرة؟! إلا لو كان هؤلاء يطالبون بإجراء انتخابات على قدر ما يتسع صدر النظام، وهنا أخبرهم أن النظام صدره أضيق مما تتخيلون!
رغم ذلك لم يحقق التيار الثانى حتى الآن أي من مطالبه الجزئية، مما أفقده هو الآخر ثقة أنصاره ودفعهم لليأس أو الاستعداد كذلك لصراع طويل.
لست متيقنًا من أن المواجهة الشاملة للنظام ستكون الطريقة التي نحقق بها مطالبنا، لكني على أتم اليقين أن استجداء مطالب جزئية، ومحاولة تحقيق مكاسب وهمية ليست سوى لعب لدور الكومبارس في أفلام السينما التي وإن كانت ثانوية إلا أن العمل الفني لا يكتمل بدونها، ولو أحسنا الظن لقلنا إنها إضاعة للوقت والجهد و براءة ثورية ﻻ تفيد إلا النظام نفسه، وأرى أنه إن لم تخض المعركة الصحيحة فليس واجبًا عليك أن تخوض معركة خاطئة