في تاريخ 25 يونيو 2006 كنا على موعد مع انتخابات تشريعية فلسطينية ثانية تقام تحت مظلة أوسلو، في الانتخابات الأولى التي تمت عام 1996 كان الفصيل الأقوى الموجود في الساحة هو حركة فتح، لذا بطبيعة الحال كان الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هي فتح، ولكن عام 2006 خرج فصيل جديد منافس لحركة فتح وبقوة ألا وهو حماس، حسب زعم الكثير من قادة وكوادر حماس، هدف حماس من دخول هذه الانتخابات كان يعتمد بشكل أساسي على تشكيل حركة معارضة قوية تهدف إلى خلق توازن بين فتح والفصائل الأخرى، بحيث تكون القرارات التشريعية المتخذة ملائمة لخدمة القضية الفلسطينية وجميع أبناء الشعب الفلسطيني.
ولكن الذي كان غير متوقع هو فوز حماس بأغلبية ساحقة بنسبة 70% جعلتها تتصدر المشهد الفلسطيني.
الكل يفرح عند حصوله على نسبة نجاح أعلى مما كان يتوقع، ولكن هذا الحال لا ينطبق على حركة حماس التي شعرت أنها دخلت في مرحلة جد خطيرة ومعقدة جدًا تستدعي منها العمل ليل نهار لتلبية المهمات الجديدة الواقعة على عاتقها، فقبل الفوز حماس لم تكن تملك إلا مهمة الجهاد والمقاومة ولكن بعد هذا الفوز الساحق أصبحت مجبرة على تلبية مطالب الشعب الداخلية أيضًا، والتي تتمثل في توفير خدمات البنية التحتية والعامة للمواطنين، توفير رواتب شهرية للموظفين الحكوميين؛ أي أصبحت حماس بكل معنى الكلمة مجبرة على تنفيذ شعارها التي رفعته في الانتخابات ألا وهو “يد تبني داخليًا، ويد تقاوم خارجيًا”، بعد فوز حماس بهذه النسبة لم تتقبل فتح النتيجة بموضوعية بل عنادت وقاومت الموضوع عن طريق استخدام مؤسسات وأركان الدولة وخاصة قوات الأمن التي تتشكل أغلبها من كوادر فتح ضد قرارات حكومة حماس التي تشكّلت بعد شهرين وذلك بعد رفض أي فصيل المشاركة فيها.
بعد ازدياد الفوضى في مؤسسات الحكومة واتضاح عجزها عن تحقيق أي تغيير جذري في المؤسسات الحكومية دون الاستناد والاعتماد على كوادر وقوى خاصة بها خاصة المؤسسات الأمنية، اضطرت حماس لاختيار بعض كوادرها وقامت بإنشاء قوة أمنية أسمتها القوة التنفيذية، كمواطن غزي أعتقد أن هذه الخطوة كان لابد منها لاستتباب الأمن الذي كان قبل عام 2006 يعم بالفوضي، وذلك لأن الأجهزة الأمنية كانت محسوبة لبعض الأشخاص والعائلات وكانت هاتان الفئتان تديران الأجهزة الأمنية حسب مصالحها الخاصة دون الأخذ بالاعتبار المصالح العامة وحقوق الأخرين.
بعد تأسيس القوة التنفيذية ونزولها إلى الشارع بدأت الأجهزة الأمنية القديمة بضرب أفراد القوة التنفيذية لإجبارهم على الانسحاب وتفكيكهم، قامت القوات الأمنية أكثر من مرة بضرب القوة التنفيذية وفي كل مرة كانت تُطرح أوراق مصالحة وتهدئة بين هاتين القوتين المتناحرتين مثل وثيقة الأسرى التي طُرحت بوساطة قطرية وبعد ذلك اتفاق مكة لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل إلى أن قامت حماس في صيف 2007 بتنظيف غزة بالكامل من جميع أفراد الأمن المنقلبة على الديمقراطية.
استطاعت حماس السيطرة على القطاع في صيف 2007 بعد ذلك أصبحت حماس مسؤولة عن إدارة قطاع غزة بكل مستوياته الداخلية والخارجية، أي إنسان يسيطر أو يقود منطقة جغرافية سياسية معينة يجب أن يعتني بتوفير الأمن والحياة الإنسانية لتلك المنطقة، ولو نظرنا إلى العمودين الأساسيين في علم السياسة نجد أنهما يتكونان من القوة الخشنة بمعنى الأمن والقوة الناعمة بمعنى المكونات الأساسية للحياة الإنسانية من اقتصاد وثقافة ورياضة وإعلام .. إلخ، كتقييم لأداء حماس بقيادة قطاع غزة بعد السيطرة عليه للأسف نجد أن جل اهتمامها كان موجه للأمن وأهملت تمامًا الجانب الناعم للقيادة وهذا هو السبب الرئيسي والأساسي لما فيه حماس الآن.
لتوضيح الفكرة بشكل أفضل حماس من عام 2007 إلى عام 2014 أي خلال سبعة أعوام من فترة قيادتها لقطاع غزة حرصت دومًا علي جمع كوادرها حولها من خلال إلحاقهم بالأجهزة الأمنية التابعة لها وكان لهذه الكوادر الحق في الترقية إذا كان عندهم تحصيل علمي بغض النظر عن نوعية تحصيلهم، فكان ممكن للمهندس أن يصبح ضابط في الشرطة، كان للأقدمية أيضًا أهمية كبيرة لدى أجهزة حماس حيث كان يمكن للكادر الحمساوي الذي له باع طويل في حركة حماس أن يصبح لواءً في قوات الأمن التي شكلتها بغض النظر عن أساس الرجل، بمعني لو كان هذا الرجل قبل الالتحاق بالأجهزة الأمنية عامل بناء أو مزارع لا يهم المهم أنه من كوادر حركة حماس القديمة لذا كان يُرقى إلى مرتبة لواء أو عميد، إضافة إلى ذلك اختيار أفراد الأجهزة الأمنية كان يتم عن طريق أمراء المساجد التابعين لحماس الذين كانوا لا يتورعون بتوظيف أبنائهم وأقاربهم على حساب الأخرين، كما رأينا جل اهتمام حماس كان بوزارة الداخلية وكان هذا الاهتمام فاشل وفاسد وغير موضوعي أبدًا، حيث إن هذه التصرفات جعلت الشعب الغزي يتكون من طبقتين بارزتين ألا وهما طبقة الموظفين الأغنياء المسرفين للأموال والمتمتعين بها وطبقة الإناس الغير موظفة الفقيرة التي تسد احتياجاتها المعيشية عن طريق المساعدات والأعمال الشاقة والخطيرة مثل التهريب، فقطاع غزة كان محاصر والطبقة الفقيرة لا تملك أي خيار آخر إلا العمل في التهريب، فهو القطاع الوحيد الذي كان نشط في ذلك العهد، أما القطاعات الأخري مثل البناء والإعمار والزراعة وما شابه كانوا في حالة شلل بسب منع إسرائيل دخول مواد البناء للقطاع أما الوزرات والجوانب الناعمة الأخرى التابعة للحكومة السياسية مثل وزارة الثقافة والاقتصاد والخارجية .. إلخ، كانت خاوية على عروشها ولم يكن هناك أي اهتمام جاد بها.
إلى أن حدث ما كان غير متوقع ألا وهو انقلاب مصر بتاريخ 3 يوليو 2013؛ بالنسبة لحماس كان هذا الانقلاب صاعقة قوية وغير متوقعة، لذا لجأت حماس بعد هذا الانقلاب على الفور إلى استدعاء خبراء سياسيين إستراتيجيين لإلحاقهم ضمن الجهاز الحكومي، ولكن في هذه المرة حماس غضت طرفها عن انتمائهم السياسي ووضعت معيار التجربة كأساس لاختيار هؤلاء الخبراء وتوظفيهم، ولكن كما يقول المثل الغزي “تذهبون للحج والناس عائدة”، تأخرت حماس جدًا في هذه النقطة مما جعلها طعم لفخ الانقلاب في مصر وما آلت إليه اليوم.
لو أوجزنا أخطاء حركة حماس في مشوارها السياسي أول خطأ هو انعدام تكافؤ الفرص بحيث اقتصرت فرص العمل لكوادر حماس وبالتالي انعدام المساوة بين المواطنين الغزيين، أيضًا انعدام تكافؤ الفرص في نقطة الاهتمام بمؤسسات الحكومة بشكل شامل حيث تم الاهتمام فقط بالمؤسسة الأمنية وتم إهمال المؤسسات الأخرى، وضع الرجل الغير مناسب في المكان الغير المناسب من خلال الاعتماد على أمراء المساجد في تزكية الأشخاص للتوظيف، الاعتماد على الأقدمية في إعطاء المواقع المهمة والعليا؛ جميع هذه الأخطاء عدمت النظرة الإستراتيجية لدى حماس؛ مما حرمها من التحليل الإستراتيجي طويل الأمد للواقع.
أخيرًا كخلاصة للمقال، أقول إن ما يجب على حماس أن تفعله للخلاص من هذا المأزق هو تسليم السلطة وإعادة كوادرها إلى مواقعهم الأصلية بمعنى المزارع الحمساوي الذي أصبح ضابط بفعل أقدميته يعود لمزرعته وكذلك الميكانيكي يعود لورشته وهكذا، وفي الأصل لو تركت حماس كوادرها في أمكان عملهم الأصلية واعتمدت على أهل الخبرة بشكل موضوعي لما وقعت في هذا المأزق ولكانت فرصة تنبؤها بهذا المأزق أقوى بكثير، أيضًا لو تركت كودارها في أماكن عملهم لاستمرت العملية الاقتصادية بشكل دوري ناجح ولحدث اكتفاء اقتصادي ذاتي حتى لو وقع أحلك حصار كان من الممكن تخطيه عن طريق الاكتفاء الذاتي وذلك لأن جميع الكوادر كانت تعتبر من الأيدي العاملة المنتجة ولكن بعد توظيف حماس لهم أصبحوا يعتمدون على راتب شهري وماتت فيهم خاصية النشاط الإنتاجية.