تنظيم الدولة يقوم بإعدام أحد قضاته الشرعيين بسبب ما بدر منه واعتبر غلوًا في التكفير”، هذا الأمر الذي يبدو وأن التنظيم سيتخذه منهجًا الفترة القادمة لمواجهة الحملات الإعلامية التي ثارت ضده بعد عدة حوداث قتل أخيرة لم يجد لها مناصرو التنظيم تبريرًا شرعيًا ولا استخراجًا للنصوص من بطون التراث، وهو ما أفقد التنظيم بعض الزخم لدى عموم الإسلاميين وهو ما يخشاه قادته أن تأفل حالة التنظيم لدى المتحمسين له من خارجه بسبب ممارسات قد يرونها مبالغ فيها.
التنظيم بداخله تيار لا يستهان به لديه قضية التكفير أولوية حتى وصلت لتكفير البغدادي”أمير التنظيم” نفسه لعدم تكفيره للظواهري في رسائله الإعلامية الموجهة له، وهو الأمر الذي استشعر خطره البغدادي وبدأ حملة تصفية لحاملي هذا الفكر، تزامنًا مع عدة اعتقالات لشرعيين بالتنظيم حدثت مؤخرًا، وفق ما أوردته مصادر من داخل التنظيم.
وكما ذكرنا من قبل فهذا التيار له ثقل داخل داعش وحتى الآن لم يظهر رد فعله على هذا الأمر، وإن ظهرت بعض الإرهاصات في ردود فعل فردية من أنصار التوسع في التكفير داخل التنظيم تدعو أبوبكر البغدادي إلى التوبة عما فعل.
هذا بالإضافة إلى حادثة وقعت في وقت سابق، حيث أعلن التنظيم عن إحباط محاولات انقلابية بداخله من قِبل خلايا شيشانية مقاتلة في صفوف التنظيم تتبنى وجهة النظر التكفيرية التي طالت الشعب السوري، حيث انتقدوا ديوان الزكاة في التنظيم لجمعه الزكاة من الشعب السوري “الكافر” في وجهة نظرهم؛ ما ينذر بخطر داخلي على بنية التنظيم التي تضم العديد من المقاتلين الأجانب من مختلف الجنسيات.
التنظيم الذي يسيطر على أكثر من ثلث مساحة العراق وسوريا بدأت تظهر فيه علامات لصراع قوى داخلي في ظل الإنهاك الذي أصاب التنظيم من القتال على أكثر من جبهة، فالقتال الذي حدث بين العناصر الشيشانية والمقاتلين الأوزبك والذي أسفر عن مقتل اثنين أظهر هذا التصدع والصراع، فلم يتوقف هذا القتال حتى تدخل عمر الشيشاني القيادي البارز في التنظيم وصاحب السطوة بين المقاتلين الأجانب.
فيما عُثر على جثث لمقاتلين في التنظيم مقطوعة الرأس يعزى قتل معظمها إلى تهم الخيانة والتجسس، لكن بعض النشطاء حللوا هذه الظاهرة بأنها حرب تصفية بين أجنحة داخلية تقوم بتصفية بعضها البعض، أما جانب المعسكر الذي يبدو أكثر إمعانًا في التكفير فبدوره مارس العنف داخل التنظيم هو الآخر ضد بعض المقاتلين حيث تمت محاكمات لقيادات بالتنظيم في حلب على خلفية اعتراضهم على حرق الطيار الأردني “معاذ الكساسبة”.
ذكر المرصد السوري أن تنظيم الدولة قام بتصفية أكثر من 150 عنصر من أعضائه خلال 6 شهور، معظمهم من الأجانب الذين كانوا يأملون بالعودة لبلادهم، إلى جانب أن كثيرين منهم إما رحلوا، أو يحاولون المغادرة بعدما تبينت لهم مدى صعوبة الحياة هناك، بحسب تقارير.
كل ذلك ينذر بأن التنظيم بات يعاني داخليًا ولم يعد الأمر في وسطه كأوله ولن يكون في وسطه كآخره؛ فحالة الانسجام بين عناصر التنظيم تتلاشى شيئًا فشيء مع انشغال قيادات التنظيم العليا بإدارة المعارك على كافة الجبهات، فكان من الطبيعي ظهور “أمراء الحرب” كظاهرة طبيعية لمثل موقف تنظيم داعش وطريقة إدارته للأزمات وبنيته الفكرية والتنظيمية.
التنظيم الذي نشأ في العراق وتمدد بعد ذلك إلى سوريا، شكّل فيه القادمون من مختلف دول العالم تكتلات مناطقية، تؤثر في بعض الأحيان على اتخاذ القرارات والسياسة العامة والقيادات.
فأبرز هذه التكتلات التكتل العراقي والشيشاني وهما نموذج لفكرة المهاجرين والأنصار التي يطلقها التنظيم عليهم، فالخلاف في وجهات النظر بينهم باتت تتسع أكثرًا فأكثر كل يوم، ليس هذا فحسب فالخلافات طالت الأنصار فيما بينهم أيضًا، الخلاف بين التكتل السوري والعراقي في التنظيم ظهرت بوادره في حادثة للوالي السابق لدير الزور أو ما يطلق عليها التنظيم “ولاية الخير” عامر الرفدان، والذي ينحدر من بلدة “جديد عكيدات” بريف دير الزور، طلب من قيادة التنظيم قبيل أسابيع إعادة تنصيبه واليًا بعد أن تم عزله، وتنصيب شخص يحمل الجنسية العراقية بدلاً منه وهو مالم يرض الجناح السوري في التنظيم.
قوبل طلب الرفدان بالرفض وعُلل الرفض بالقول إن عناصر تنظيم الدولة أو “المهاجرين” في محافظة دير الزور، هم أكثر من السوريين “الأنصار”، ومن غير المنصف تنصيب والٍ من الجنسية السورية على “ولاية” غالبية عناصر التنظيم فيها من “المهاجرين”.
عقب ذلك قام الرفدان الوالي السابق لدير الزور بعدة تحركات لمحاولة تغليب كافة المقاتلين السوريين عن طريق خلق جيب داخل التنظيم بالمدينة، لكن سرعان ما كان رد القيادة في التنظيم باعتقال 18 مقاتلاً من تابعي الرفدان .
فبحسب محللين متابعين لمواقف التنظيم فإنهم يؤكدون أن هذا الاختلاف داخل التنظيم، أمر طبيعي بالنظر إلى هيكلته، موضحين أن توسع التنظيمات الأفقي عادة ما يعقبه ضعف في المركز بسبب عدم وجود هياكل مؤسساتية تتمتع بقدرة السيطرة على الخواصر التي تغدو رخوة مع ابتعادها عن القيادة المركزية، كذلك التأكيد على أن أيدلوجية التنظيم لم تتضح بعد بالكلية لأن التنظيم ناتج عن تفكك عدة حالات أيدلوجية أهمها القاعدة والمعارضة السورية الإسلامية التي تتخذ النهج السلفي الجهادي وبعض حالات العشائر السنية التي تقاتل بجوار داعش، فيرى المحللون أن حالة التكفير تصعد وتهبط ولم تحسم بعد داخل أروقة هذا التنظيم ولن تحسم إلا بعد تمكن فريق من مفاصل التنظيم بالكامل وهو أمر شبه مستحيل طبقًا لبنية تنظيم الدولة المؤسسية التي تحمل جنسيات متعددة.
ومع ظهور وجهة نظر أخرى داخل معسكر التحالف الدولي ضد التنظيم تحدث عنها تسفي بارئيل محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حيث يرى أنه من المتوقع أن نشهد في المرحلة المقبلة انشقاق تنظيمات صغيرة عن تنظيم الدولة وسيطرتها على مناطق خاصة بها، بالتعاون مع بعض الميليشيات السورية المسلحة التي لا تتبع تنظيم الدولة، حسب تقرير نشرته جريدة هآرتس.
هذا الأمر الذي يتمناه التحالف الدولي الذي فشل حتى الآن في تفكيك التنظيم ميدانيًا بكل الوسائل المتاحة ماعدا الحرب البرية التي يعتبرها الكارت الأخير في مواجهة التنظيم والذي يبدو وأن استخدامه بات وشيكًا، فالضربات الجوية يمكن القول إنها أعاقت التنظيم بعض الشيء لكنها لم تمثل له عثرة حقيقية في استكمال نشاطه على الأرض، لكن الضربة التي قد تُصيب تنظيم الدولة في مقتل هي بروز هذه الصراعات المتجددة على السطح ما سيهدد بنية التنظيم ككل وستجعل الحرب البرية عليه هي الأسهل.