يتردد كثيرًا مصطلح التنسيق الأمني مع إسرائيل من قِبل السلطة الفسلطينية ولكن يجدر بنا أن نوضحه لنعرف ما هو التنسيق الأمني، حتى يتضح للجميع هذه المسألة الشائكة في الداخل اللفسطيني المضطرب.
تعهدت منظمة التحرير الفلسطينية قبيل توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 بملاحقة الإرهابيين “المقاومة” في العرف الإسرائيلي الذي اتبعته القيادة الفتحاوية في هذا التعهد، ليأتي بعد ذلك اتفاق أسلو لينص صراحة على إقامة تنسيق أمني كامل بين السلطة الفسلطنيية وليدة أسلو والكيان الإسرائيلي، وأضاف الاتفاق أن إسرائيل مسؤولة عن الأمن في الأرض المحتلة (أراضي 1967)؛ مما أعطى إسرائيل حق الدفاع عن هذه الأرض ضد أي عدوان خارجي، وحق العمل الأمني فيها في أي وقت تشاء.
هذا التنسيق الأمني يجري عبر لجنة فلسطينية إسرائيلية مشتركة، ومن الواضح بعد كل هذه الأعوام أنه يجري باتجاه واحد فقط، أي باتجاه الدفاع عن الأمن الإسرائيلي وليس باتجاه الدفاع عن الأمن الفلسطيني، ولكن ربما نزيد الدفاع عن أمن السلطة بعد انقسام الداخل الفلسطيني في عام 2006 لفسطاطين فسطاط المقاومة في مقابل فسطاط أسلو.
عقب سريان هذا التنسيق أصبحت هناك أجهزة أمنية للسلطة الفسلطينية مولودة باسم هذا التنسيق أبرزها الأمن الوقائي والأمن الرئاسي والأمن الوطني وغيرها من الأجهزة التي تتبع السلطة لملاحقة أي نشاط مقاوم في الضفة أو في غزة.
كما تحولت هذه الأجهزة إلى أمن سياسي للسلطة الفتحاوية ولم تعد منشغلة بالأمن الإسرائيلي كثيرًا بعد أن تركت الموساد والشاباك يعثون في الأراضي الفلسطينية بعد إدارك الجانب الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية أضعف من أن تحمي نفسها، ولكن ما يجبر إسرائيل على تحمل عبء هذه السلطة هو استخدامها كذراع بطش بالمقاومة وجعل الصراع فسلطيني فلسطيني .
حيث يعاني المواطن الفلسطيني الآن من مراقبة أجهزة الأمن، مع إجراءات سلطوية قمعية لحرية التعبير عن الرأي في الداخل وممارسة الاعتقال أو الطرد من الوظيفة أو التهديد لكل من يطاله الشك بانتمائه أو تأييده لفصائل المقاومة أو انتقاد السلطة.
هذه الأجهزة الأمنية التي تنسق من الكيان الإسرائيلي مسلحة إسرائيليًا بالكامل وكذا الأمر استخباراتيًا فالأوقع أنها تعمل لصالح إسرائيل بوجهة فلسطينية، فأكثر من مرة يتحدث محمود عباس الرئيس الفلسطيني عن ورود معلومات له عن محاولات انقلابية ضده ومصدر هذه المعلومات كلها إسرائيلي بامتياز بعد تسريبها إلى هذه الأجهزة التي تثق فيها السلطة الفلسطينية ثقة عمياء.
ليس هذا فحسب فهناك إشراف أمريكي على هذا الأمر لمتابعة مدى التزام السلطة الفلسطينية بهذا الأمر وأهم شيء فيه بالطبع ملاحقة الفصائل المقاومة على رأسها حماس والجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى وغيرهم ممن يحملون مشروع مقاومة مسلحة.
السلطة بدأت هذا التنسيق بنوع من الخجل ولكن مع تعاظم قوة الغريمة “حماس” وسيطرتها على قطاع غزة، جن جنون السلطة وأجزتها الأمنية؛ ما دفع الإسرائيليين لزيادة الضغط على السلطة لممارسة مزيدًا من القمع والبطش والإجراءات الوقائية تجاه أي حالات اشتباه للمقاومة تتسرب إلى الضفة، فأصبحت مقرات الأمن الوقائي في الضفة ورام الله جحيم على روادها فبات الفلسطينيون يفضلون الاعتقال داخل السجون الإسرائيلية بعيدًا عن سلخانات التعذيب هذه.
من حين لآخر تخرج تصريحات من داخل منظمة التحرير أو قيادة السلطة الفلسطينية المأزومة بأنها ستوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل بعد أية خلافات بينها وبين الكيان الإسرائيلي لكن هذا الأمر لم يتم في أي مرة تم الإعلان فيها عن ذلك لأسباب عدة.
تم ربط صرف أموال الدول المانحة وأموال الولايات المتحدة الخاصة بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، وفيما إذا توقفت السلطة الفلسطينية عن التنسيق الأمني أو مجرد قصرت في القيام به أو أخذت تتردد؛ فإن تدفق الأموال سيتوقف، وهو الأمر الذي لا تريده السلطة القائمة على هذه الأموال والتي بدونها لن تكون ذات قيمة مطلقًا.
آخر هذه القرارت التي لا تتجاوز شفاه قائليها كانت منذ عدة أيام عندما أعلن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولم يكد يخرج هذا التصريح حتى اعتقلت أجهزة السلطة الأمنية أكثر من 50 شخصًا من قيادات وكوادر حركة حماس في الضفة.
كذلك كذّب الاحتلال الإسرائيلي بنفسه هذه المقولات حيث أعلنت الإذاعة العبرية عن مصادر في قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، أن كلاً من أجهزة السلطة الفلسطينية وجيش الاحتلال قد شنا عدة حملات اعتقال طالت العشرات من عناصر حركة حماس في جميع أرجاء الضفة الغربية.
الأمر لا يعدو إطلاق تصريحات في الهواء لتخفيف الضغط السياسي من على كاهل السلطة بعد الفشل السياسي التي منيت به على كافة الأصعدة، حتى إن علاقتها بإسرائيل باتت متوترة بسبب المستحقات المالية التي تمنعها إسرائيل عنها كنوع من العقاب ومع ذلك لا تستطيع السلطة الفلسطينية وقف هذا التنسيق الأمني التي تهدد بإيقافه منذ 20 عامًا ولم توقفه يومًا.
الحقيقة أن إسرائيل وضعت بقاء هذه السلطة الفلسطينية رهينة لهذا التنسيق، ما يعني أن التنسيق الأمني هو أمن سياسي لهذه السلطة ضد أي محاولات لتغييرها ما يعني أيضًا استحالة إيقافه، فمهما بلغت حدة الخلافات بين السلطة الفلسطينية والإسرائيلية فإن قيادة فتح لا تجرؤ على وقف هذا التنسيق الذي سيودي بالقدرات الأمنية والمخابراتية التي تعتمد بالكلية على الأجهزة الإسرائيلية، وهي ضمانة لبقاء السلطة العاجزة إلى حين.