هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح على الرئيس كما أورد عضو البرلمان الكندي، أستاذ الصحافة والسياسات والسياسة العامة في كلية كينيدي للقانون في جامعة هارفارد، مايكل إغناتييف في نهاية مقالته التي نشرها في “الأتلانتيك” بتاريخ 20 نوفمبر 2013.
رأى إغناتييف أن الميكافيلية كانت ولاتزال واجبة الحضور في حقل السياسة، مستشهدًا بموقف مر به الرئيس الأمريكي باراك أوباما، صورته وهو يتابع عملية قتل أسامة بن لادن.
الميكافيلية، وكما عرَّفها إغناتييف مُحِقًّا، هي اتخاذ القرار السياسي من أجل الصَّالِح العام بغض النظر عن الحدود الأخلاقية، ويمكن أن يُعبّر عن أحد مضامينها قول فرانسيس أندروود لمرشحته لخلافته في منصبه في الحزب الديمقراطي “البراغماتية القاسية (ruthless pragmatism)” في الموسم الثاني من المسلسل الشهير “بيت الأوراق (the house of cards)”.
كان أساتذة العلوم السياسية في الجامعة يلجأون إلى أحد مقولات ميكافيلي إذا حُشِروا في الزاوية عند سؤالهم عن سبب اتخاذ أحد القرارات، وتكررت عبارات “ميكافيلي يرى أن الديمقراطية هي حكم الفوضى”، “لا علاقة بين السياسة والأخلاق”، و”ليس السياسي بحاجة إلى سبب لكي يخلف بوعده”.
وانقسم الطلاب – المهتمون منهم – إلى مجموعتين إزاء ذلك؛ ضمّت المجموعة الأولى العدد الأكبر من الطلاب، ممّن يمكن تسميتهم بالمنبهرين، حتى إن زميلة قالت في إحدى المناقشات: “إذا كنت سياسية سأتبع نصائح ميكافيللي”، المجموعة الثانية اتّجهت نحو فقدان الثقة بما قرأوه؛ فما أهمية دراسة القانون الدولي مثلاً إذا كانت الدول الكبرى لا تأخذه بعين الاعتبار لحظة اتخاذ أحد القرارات، حتى شاعت في الكلية عبارة “ما يجب أن يكون عليه القانون الدولي” كنايةً عن مادة “القانون الدولي”.
تبيّن فيما بعد أن واحدًا أو اثنين من الدفعة كاملة بحثوا عن ميكافيلي أو قرأوا شيئًا له، لكن المهم هو أن هذه العبارات زُرِعت في مُخيّلة طلاب الدفعة، مقرونة بأمثلةٍ تدعمها.
في واقع الأمر لم تأتِ عبارات ميكافيلي بجديدٍ لدى الطلاب عن السلوك السياسي وأخلاقيات كواليس اتخاذ القرار السياسي، ولكن ورودها في سياق الدراسة الأكاديمية كان مثارًا لحفيظة البعض، كُنَّا نعترض، مثل بعض الأساتذة المرموقين، على وصف السياسة بأنها “فنّ المُمكن”، فقد كانت في رأينا علمًا له أدبياته ومصطلحاته، وكان أبرز تعريف لعلم السياسة لدينا هو “علم القوّة”، كما أن علم الفيزياء هو “علم الحركة”.
إلا أن رؤية الساسة اتضح أنها غير ذلك تمامًا، تُتخذ يوميًا مئات القرارات لرفع الأسعار والضريبة مُذيّلةً بقائمة من المبررات من فئة الحاجة إلى شد الحزام وخفض العجز والدين العام، مغفلةً بشكل سافر عدد كبير من المشاريع المُعلّقة وقرارات دعم المواطن الموعودة، وشراكات مع شركات المال والسلاح العابرة للقارات التي لا حاجة للمواطن لها، هذا في الدول النامية والمتقدمة على حدٍّ سواء.
لا تلتقي الدراسة الأكاديمية للسياسة مع الممارسة السياسية في معظم الظروف، ولكنها قد تتمكّن من ذلك إذا نجحت في إيجاد مجسات لقياس صلاحية البيئة السياسية لاتخاذ القرار السياسي بغض النظر عن المُحددات الأخلاقية، ربما تُجمِل هذه العبارة خلاصة ما يرغب أساتذة السياسة بإيصاله حين يُردِّدون عبارات ميكافيلي.
وبالنظر إلى حزم القرارات الصادرة يوميًا من مطابخ صنع القرار، وتقبّل البيئة السياسية لها، مع إطلاق العنان لمخيّلة القارئ لاختيار المثال الذي يريده، نعود إلى مقولة المُشرِّع الكندي: “هل الرئيس ميكافيلي بما فيه الكفاية؟”.