ترجمة وتحرير نون بوست
كتب حمزة هنداوي وآية بتراوي:
في ظل حكم العاهل السعودي الجديد، يبدو أن المملكة العربية السعودية تتحرك لتحسين علاقاتها مع تركيا وقطر وتلطيف موقفها من الإخوان المسلمين وذلك بهدف مواجهة وإضعاف إيران، ولكن هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى الضغط على حليفتها مصر لتحذو حذو السعودية وتتصالح مع اللاعبين الإقليميين السابقين.
ولكن مع ذلك، هذا الضغط يهدد بإحداث تصدعات داخل التحالف المصري- السعودي، وهما أقوى دولتين سنيتين في الشرق الأوسط، هذا التحالف الذي نشط خلال عهد العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، الذي توفي في يناير الماضي، حيث زاد التعاون بين الدولتين ضد المسلحين وأعضاء حركة الإخوان المسلمين والنفوذ الإيراني الشيعي في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
حتى هذه اللحظة مازال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يرفض أي مصالحة مع تركيا وقطر، وهما الداعمتان الأساسيتان للعدو الأول للسيسي جماعة الإخوان المسلمين، السيسي الذي استلم حكم البلاد عام 2013 بعد قيادة انقلاب عسكري خلع فيه الرئيس الإخواني المنتخب محمد مرسي، عمل منذ تسلمه الحكم على قيادة حملة شرسة ضد الإسلاميين، حيث سحق الإخوان وروّج للجماعة على أنها منظمة إرهابية، في حين صورت وسائل الإعلام المصرية تركيا وقطر على أنهما تحاولان زعزعة استقرار مصر من خلال دعم الجماعة.
من الواضح أن الملك السعودي الجديد، سلمان، الذي تسلم عرش المملكة بعد وفاة الملك عبد الله في 23 يناير من العام الجاري، يرى أن التهديدات الكبرى التي تواجهه تتمثل بإيران والجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وجماعة الدولة الإسلامية، لذا فإنه ينظر إلى تركيا وقطر على أنهما قادرتان على دعم الجبهة ضد أولئك الخصوم، ويقول المحلل السياسي بريان داونينج من واشنطن “الحكومة السعودية الجديدة، والملك الجديد، ربما يشعران أن طرق الحكم القديمة ببساطة لم تعد تنفع”.
الأسبوع الماضي تزامنت زيارة السيسي للسعودية مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث اجتمعا بشكل منفصل مع الملك سلمان، ولم يجتمعا مع بعضهما، وبعد الزيارة صرّح أردوغان في مؤتمر صحفي أن “مصر والسعودية وتركيا – هذا الثلاثي – هي الدول الأكثر أهمية في المنطقة، ونحن جميعًا لدينا واجبات لتحقيق السلام والهدوء والرفاه في المنطقة”.
ووفقًا لمصادر مصرية مطلعة على المحادثات والتي تحدثت شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالتصريح إلى وسائل الإعلام، ناقش الملك سلمان والسيسي قضية العلاقات المصرية مع قطر وتركيا، حيث قال السيسي لمضيفه السعودي إن السياسات التي تتبعها كلا البلدين تتجه نحو نشر العنف والإرهاب في المنطقة.
أما إعلاميًا، فقد صرّح السيسي في لقاء له مع قناة العربية المملوكة للسعودية قبل زيارته للمملكة بقوله “أقول للأشقاء في السعودية الذين يستمعون إلينا الآن: تخيلوا لو أن هناك من يحاول تدمير دولة يوجد بها 90 مليون شخص، ماذا سيكون رد فعل الشعب”، قالها السيسي بغضب واضح، ملمحًا إلى جماعة الإخوان والدول الداعمة لها.
في إطار تعزيز التحالف، قامت السعودية ودول خليجية أخرى على مدى العامين الماضين بدعم مصر بمليارات الدولارات لدعم الاقتصاد المصري المتعثر، بيد أنه لايزال هناك عدد من الخلافات بين سياسات مصر والسعودية، أبرزها الملف السوري، حيث تسعى السعودية إلى الإطاحة بالرئيس السوري المدعوم من إيران بشار الأسد، وربما كان ذلك أحد أسباب تقاربها مع قطر وتركيا، اللتان تدعمان الفصائل المعارضة للأسد، من جهته تجنب السيسي باستمرار الإشارة إلى موقف مصر من بقاء الأسد في السلطة.
حتى الآن، لم تكشف الحكومة السعودية النقاب إلا عن الخطوط العريضة لخططها، وتركت للمعلقين الإعلاميين المقربين من السلطة مهمة شرح توجهات المملكة؛ فعلى سبيل المثال كتبت صحيفة عكاظ المرتبطة بالدولة السعودية الأسبوع الماضي أن العلاقات السعودية – المصرية قد “دخلت منعطفًا جديدًا” وأشارت إن المملكة تسعى إلى “تحقيق التقارب في وجهات النظر ما بين دولة مصر الشقيقة ودول أخرى في المنطقة لما فيه خير ومصلحة الجميع”.
كما صرّح محمد آل زلفة العضو السابق في مجلس الشورى الاستشاري في المملكة العربية السعودية لأحد الصحف السعودية، أن المملكة تسعى لتحسين العلاقات العربية – التركية لأن التقارب في وجهات النظر مع تركيا، يمكن أن يحد من التوسع الإيراني.
ولكن بنظرة متأنية يمكننا القول إن ثمن أي تحسن للعلاقات مع تركيا وقطر قد يكون تخفيف الحملة القمعية الشرسة ضد جماعة الإخوان المسلمين، هذه الحملة التي أيدتها السعودية أثناء عهد الملك عبد الله، حيث اتبعت المملكة خطى القاهرة في إعلان الجماعة الإسلامية التي تبلغ من العمر 87 عامًا كمنظمة إرهابية.
بعد فترة وجيزة من وفاة الملك عبد الله، ظهرت التلميحات على النهج الجديد الذي ستتبعه المملكة العربية السعودية تحت ظل العاهل السعودي الجديد، ومن ذلك ما صرّح به وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل لصحيفة الجزيرة السعودية بقوله “ليس لدينا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد”.
كما كتب الصحفي خالد الدخيل في مقالة له في صحيفة الحياة، التي تملكها العائلة المالكة السعودية، محذرًا مصر من ضرورة عدم تصور أن السعودية ستدعمها بطريقة “الهبة أو الشيك على بياض”، فمصر لا ينبغي عليها تجاهل مصالح الرياض أو القول “إنه لا ينبغي للسعودية أن تتقارب مع تركيا، مثلاً، لأنها تتعاطف مع الإخوان”، ويتابع الدخيل بقوله “استمرار السعودية في الابتعاد عن تركيا، كما يريد البعض في مصر، لا يخدم التوازنات الإقليمية في هذه المرحلة”، وفي انتقاد حاد لمصر غير معتاد في وسائل الإعلام السعودية الحذرة، قال الدخيل “إن تضخم قضية الإخوان على هذا النحو في مصر هو نتيجة طبيعية لغياب مشروع فكري وسياسي مصري يلتف حوله أغلبية المصريين”.
السيسي رفض بشدة أي تلميح إلى أن العلاقات مع السعودية توترت منذ وفاة الملك عبد الله، وفي خطاب توجه به السيسي للأمة في 22 فبراير، سعى إلى إعادة طمأنة السعودية وباقي الحلفاء في الخليج العربي أن القاهرة مازالت تحترم وتمتن للدعم المالي الذي يقدمه الخليج لها، وجاء هذا التصريح فيما يبدو وكأنه محاولة للسيطرة على الأضرار التي سببتها التسجيلات الصوتية المسربة والتي تظهر السيسي والدائرة القريبة منه وهم يسخرون من الدول الخليجية.
تبقى النقطة الرئيسية التي أشار إليها السيسي وتوافق عليها القيادة السعودية الجديدة والمتمثلة بأن سقوط مصر سيؤثر على المنطقة بأسرها، حيث قال السيسي في مقابلته مع قناة العربية “عدم استقرار مصر وسقوطها في الفوضى يعني سقوط المنطقة العربية وتهديد الأوروبيين لسنين طويلة قادمة”.
المصدر: أسوشييتد برس